مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

السبت، 12 فبراير 2022

عدم صحّة نسبة المناجاة الخمس عشرة إلى الإمام زين العابدين (عليه السّلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
عدم صحّة نسبة المناجاة الخمس عشرة إلى الإمام زين العابدين (عليه السّلام)

ممّا يعتقده بعض المؤمنين أنّ المناجاة الخمس عشرة هي جزءٌ من الصّحيفة السجّادية التي أملاها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) على الإمام الباقر (عليه السّلام) وزيد الشهيد (رحمه الله)؛ وذلك لتكرار إلحاقها بالصّحيفة في أكثر الطّبعات، والصحيح أنّ عدد أدعية الصحيفة الكاملة التي وصلت إلينا 54 دعاءً تبدأ بدعاء التحميد لله عزّ وجلّ وتنتهي عند دعاء استكشاف الهموم.
وأمّا هذه الأدعية المعروفة بـ(المناجاة الخمس عشرة) فهي ممّا نقله الشهيد الأوّل وأدرجه الحرّ العامليّ في كتابه (الصحيفة السجّادية الثانية) الذي سعى فيه لجمع جملةٍ من أدعية الإمام زين العابدين (عليه السّلام)، والظّاهر من حالها أنّها ليست على درجةٍ من الاعتبار كما هو الحال بالنسبة للصحيفة الشّريفة المرويّة عن الإمام -صلوات الله عليه-، ومن القرائن الدّالة على ذلك:
[1] كونها وجادةً متأخّرةً لا إسناد لها عند المتقدّمين والمتأخّرين من أصحابنا الإماميّة.
[2] اختلاف لحنها وأسلوب نظمها عن سائر أدعية الإمام في الصحيفة المشهورة.
وقد نصّ على ذلك بعض العلماء، منهم:
أ. الشيخ محمّد تقيّ المجلسيّ (رحمه الله)، قال: (والدّعوات التي ألحقها الشّهيد رحمه الله بها غير مناسبةٍ بفصاحة الصّحيفة، فإنّ الخمسة عشر مناجاة التي ألحقها بها وإن كانت قريبةً منها فيها لكنّها بعيدة من أسلوبها)(1).
ب. السيّد نعمة الله الجزائريّ (رحمه الله)، قال: (وشيخُنا الشّهيد -عطّر اللهُ مرقده- ألحق هذه المُلحقات بالصحيفة ظنّاً منه أنّها من الأدعية الساقطة والحقُّ أنّ بعضها وإنْ قرب من أدعية الصحيفة في طبقات الفصاحة والبلاغة إلّا أنّ البعض الآخر بعيدٌ عنها ونسبتها إليه نسبة ما يُدّعى سقوطه من القرآن إليه)(2).
وكلام السيّد (رحمه الله) أكثر تفصيلاً؛ فإنّه لم يحكم عليها كلّها بنفس الحكم، وذلك لتفاوت البُعد عن أسلوب الصحيفة، فبعضها شديد البعد وبعضها قد يكون أقرب، كما أنّه بين مقدار الفجوة بين أسلوب الصحيفة وهذه المناجاة، فشبّهها بأنّ نسبتها إلى الصّحيفة السجادية نسبةَ ما يُدّعى سقوطه من القرآن إلى القرآن الكريم، وقد رُؤيت فقرات ركيكة في كتبٍ غير معتبرةٍ ادّعي أنّها سورٌ قرآنيّة قد سقطت من المصحف الشريف، ولا تصحّ نسبتها بأيّ حالٍ، وبهذا يتّضح تقييم السيّد لهذه الأدعية.
[3] تضمّن بعض هذه المناجاة ألفاظاً غريبةً هي أقرب إلى ألفاظ أهل التصوّف.
ومن ذلك ما جاء في مناجاة العارفين: (إلهي فاجعلنا من الذين توشّجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذتْ لوعةُ محبّتك بمجامع قلوبهم، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون، وفي رياض القُرب والمكاشفة يرتعون، ومن حياض المحبّة بكأس المُلاطفة يكرعون، وشرائع المصافاة يَرِدُون)(3).
وممّن نبّه لهذا الإشكال: الشيخُ محمّد جواد الخراسانيّ (ت: 1397هـ) حيث قال في منظومته:
أمَّا المُناجاةُ فما لها سند ** بل أثرَ الوضعِ يرى أولو الرّشَد
لما على غير الفصيح حاوية ** ولهجةُ الصوفيِّ منها بادية
وشرح البيتين بقوله: (وممّا استشهد به أيضاً ما في المناجاة الثّامنة من المناجاة الخمس عشرة المنسوبة إلى زين العابدين عليه السّلام، وفيها: «إلهي، فاسلك بنا سبل الوصول إليك، وسيّرنا في أقرب الطرق الموفود عليك» إلى أن قال: «فأنت مُرادي، ولك لا لسواك سهري وسهادي، ولقاؤك قرّة عيني، ووصلك منى نفسي، وإليك شوقي، وفي محبّتك ولهي، وإلى هواك صبابتي، ورضاك بغيتي، ورؤيتك حاجتي».
والظّاهر أنّ نظرَ المُستدِلِّ إلى الضّمائر الخطابيّة في «إليك» و«عليك» و«أنتَ» وغيرها بحملها على الإشارة إلى نفس الذّاتِ، لا إلى اللّقاء والرّؤية المذكورين فيها، لبداهة عدم اختصاص هذا الدّعاء بهما؛ لكثرة ورودهما في القرآن والأخبار والأدعية، ووضوح حملها على لقاء الرّحمة ورؤيتها.
وكيف كان، فقد أجبتُ عنها بقولي: «أمّا المُناجاة فما لها سند»، قال العلّامة المجلسيّ في كتاب الأدعية في البحار: «وجدتها في بعض كتب أصحابنا مرويّة عن زين العابدين عليه السّلام»، «بل أثرَ الوضع يرى أولو الرّشَد»؛ لما كانت على غير الفصيح، حاوية في كثير ممّا تفرّدت به مما لا توجد أشباهه أو عينه في غيرها من الأدعية، بحيث إنّها أشبه بعباراتِ المتعرّبين المُتكلّفين منها بعبارات سادة الفُصحاء، «ولهجة الصوفيِّ» ومشربُه أيضاً «منها بادية»، ظاهرةٌ في كثيرٍ من جملاتها، فلو أردتُ الإشارة إلى جميع ما في الخمسة عشر لطال الكلام، ولكن دونك بما في الجملة المستَشهد بها عبرةً لغيرها)(4).
ثمّ ذكر جملة من الإشكالات على الفقرة التي ذكرها وناقشها، وبعضُها - بعد التأمّل - غير تامٍّ، إلّا أنّ ما أفاده - رحمه الله - سديدٌ في الجملة.

[4] خلوّها من الصّلاة على محمّد وآل محمّد.
وهذا مخالف للمعهود في الصّحيفة السجّادية التي تكررت فيها الصّلاة في عشرات المواضع، وربما تكررت الصّلاة في الدعاء الواحد، وأمّا هذه المناجاة فقد راجعتُها ولم أظفر بموضعٍ واحدٍ ذُكرت فيه الصّلاة على محمّد وآل محمّد، وفي هذا المقام أنقل عبارةً حول هذا المطلب للشيخ عليّ الكوراني (حفظه الله)، قال: (وكان -عليه السّلام- يجهر بأن الصّلاة على آل محمد -عليهم السلام- فريضةٌ وأن الله تعالى فرضها على المسلمين في صلاتهم، وأنّها وسيلة لقبول صلاتهم ودعائهم، ولذا جعل الإمام -عليه السلام- الصلاة على محمد وآل محمد -صلى الله عليه وآله- مطلعاً ومُفتتحاً لكل فقرات أدعيته في صحيفته السجادية؛ ولهذا توقَّفَ العلماءُ في نسبة المناجاة الخمسة عشر إليه -عليه السلام-؛ لأنه ليس فيها الصلاة على النبي وآله -صلى الله عليه وآله-، ويُحتمل أن تكون هذه المناجيات بالأصل له -عليه السلام- فأخذها بعض الصوفية ووصلتنا من طريقهم، وحذفوا منها الصلاة على النبي وآله -صلى الله عليه وآله-، وأضافوا إليها فقرات من تعابيرهم لم تُعهَدْ في أدعية الإمام -عليه السلام- ولا في أدعية أهل البيت -عليهم السلام-)(5).
والحاصل: إنّ هذه المناجاة ليست جزءً أصيلاً من الصحيفة السجاديّة الكاملة التي تسالم العلماء على اعتبارها وتعظيمها والعمل بها، كما أنّ هذه الأدعية المنسوبة إلى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ليست على درجةٍ من الاعتبار بحيث يمكن تحصيل الوثوق بصدورها عنه، والله العالم بحقائق الأمور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح الصحيفة السجادية، ص86.
(2) نور الأنوار في شرح الصحيفة السجادية، ص354.
(3) الصحيفة السجادية الثانية، ص49، رقم الدعاء 12.
(4) هداية الأمّة إلى معارف الأئمّة، ص307-308.
(5) جواهر التاريخ، ج4، ص249-250.