مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الاثنين، 18 أكتوبر 2021

إيضاحات حول إيمان فيروز النهاوندي (أبي لؤلؤة)

بسم الله الرحمن الرحيم
إيضاحات حول إيمان فيروز النهاوندي (أبي لؤلؤة)

اشتهر على الألسن بين بعض الناس الثناء على أبي لؤلؤة النهاونديّ لتوهّم إيمانه وكونه من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي المقام ينبغي النظر في حقيقة الأدلة التي يستند إليها هذا الاعتقاد، والبحث في أي شخصيّة تاريخية يوجبُ النظر في الأدلّة الروائية وغيرها للخروج بنتيجة علمية، وبحسب النظر والتتبع فإنَّ ما وقفت عليه من أدلة يستشهد بها لإثبات إيمانه كالتالي:

1. رواية الخصيبي في (الهداية الكبرى).
روى الحسين بن حمدان الخصيبيّ: (عن أبيه، عن أحمد بن الخصيب، عن أبي المطلب جعفر بن محمد بن المُفضَّل، عن محمد بن سنان الزاهريّ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن مديح بن هارون بن سعد[1]، قال: سمعتُ أبا الطفيل عامر بن واثلة يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «...، غير أنِّي أراكَ في الدنيا قتيلاً بجراحة من عبد أم معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك توفيقاً، يدخل والله الجنان على رغمٍ منك»)[2].
وفيها: إنَّ الخصيبي لم يُوثَّق عند المتقدمين، ولا أمارة معتبرة على وثاقته بل هو فاسد العقيدة والمذهب كما ذهب إليه علماؤنا[3]، وبناءً عليه: فهذا الكتاب ليس من كُتب الطائفة المعتبرة، ومع هذا فإنّ سند الرواية ضعيف، ففيه أكثر من مجهول، فلا يصح من أيّ وجهٍ، وإنّ بعض من حاول إثبات إيمان أبي لؤلؤة قد أقرّ بضعف السَّند[4]، إلا أنّه حاول تقويته بما لا يصلح للاستشهاد.
يضاف إلى ذلك: عدم صحّة الاعتماد على ما يتفرّد به الخصيبي من معانٍ غير مشهودٍ لها عند الثقات الأكابر، والكلام في رداءة كتابه وضعفه طويل ليس هاهنا محلّه، وبمثل هذه الحالة لا نُحرز وثوقاً بصحّة هذا الخبر.

2. رواية الحافظ رجب البرسي في (مشارق أنوار اليقين)
وقد رواها مرسلة عن محمد بن سنان وفي صورة إسناده خللٌ، قال: (عن محمد بن سنان، قال: سمعتُ أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لعمر: يا مغرور، إنِّي أراك في الدّنيا قتيلاً بجراحة من عبد أم معمر، تحكم عليه جوراً، فيقتلك توفيقاً فيدخل بذلك الجنّة على رغمٍ منك)[5].
وفيها: أنّ محمد بن سنان لم يدرك أمير المؤمنين (عليه السّلام) بل هو متأخر عنه فكيف يقول: (سمعتُ أمير المؤمنين عليه السّلام)؟! وعلى أي حالٍ، لا مناص من التسليم بضعفها، فإنّها ضعيفةٌ بالإرسال، مع غرابة صورة الإسناد ووقوع الخلل فيه.
فضلاً عن ذلك، فإنّ كتاب (مشارق أنوار اليقين) لا يصحّ الاعتماد على متفرداته وشذوذاته التي تفتقر إلى الشواهد في كتب المحدِّثين المتقدمين الثّقات.

3. رواية الديلمي في (إرشاد القلوب).
قال: (وبإسناده إلى هارون بن سعيد، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لعمر: من علّمك الجهالة يا مغرور؟! .. غير أنِّي في الدنيا قتيلاً بجراحة من عبد أمّ معمر، تحكم عليه جوراً فيقتلك، وذلك توفيقاً يدخل والله به الجنان على الرّغم منك)[6].
وفيها: ضعفها بالإرسال، ويبدو أنّ (هارون بن سعيد) هو (هارون بن سعد) المذكور في سند الخصيبي إنْ ثبت ضبط الإسناد كما في بعض النسخ: (عن مدلج، عن هارون بن سعد)، ومن القريب أنّ الديلمي قد أخذ الرواية عن كتاب الخصيبيّ وقد سقطت الواسطة بين هارون وبين أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ لا يمكن لمن في تلك الطبقة أن يروي عنه بلفظ (سمعت) كما هو واضح.

4. رواية نجل السيّد ابن طاوس.
وهي الرواية الواردة في كتابه (زوائد الفوائد)[7]، وفيها ترحُّم حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) عليه، وهي معلولة بالإرسال، ومجهوليّة الراويين المذكورين: (ابن أبي العلاء الهمداني الواسطي، يحيي بن محمد بن حويج البغدادي).

5. أقوال جملة من العلماء المتأخرين.
وتُنقل في الاستدلال على تشيّعه أقوال بعض العلماء من متأخري المتأخرين كالميرزا عبد الله الأفنديّ الأصفهاني وغيره ممن مدحه وأثنى عليه ولعلّ بعضهم ألّف رسائل فيه، إلّا أنّ هذه الشهادات لا يُركن إليها؛ لأنّها ظنيّة ومتأخرة جداً.
ودعوى الشّهرة لا نجد لها أثراً ولا دليلاً في كتب المتقدمين، وإنّما هي شهرة حاصلة بين متأخِّري المتأخرين، وكل ما تقدّم لا يورث الاطمئنان إلى كونه شيعياً؛ لفساد الخبر الأوّل وعدم الوثوق بمتفرّدات الكتاب الناقل، وعدم الطمأنينة إلى روايات كتب المتأخرين كالبرسي والديلميّ مع عدم وجود شاهدٍ في كتب طبقة المتقدمين مثل الحميري والبرقي والصفّار والكليني وابن قولويه والنعماني والصدوقيْن والمفيد والطوسي وغيرهم من طبقة المتقدمين، ولظنيّة شهادات المتأخرين وعدم إحرازنا لحسيّة المستندات التي حكموا من خلالها، ويزيد في الريب أنّ المتقدمين لم يذكروه في كتبهم بمدحٍ ولا ثناءٍ، ولم يرووا في شأنه ما يوجب تجليله، وكل ما روي فيه حاله كما ترى.
وبعبارة أخرى: المدار على إثبات تشيّعه قائم على عدّة روايات ضعيفة، وهي لا توجب الاطمئنان غالباً في حال الانفراد وانعدام الشواهد من كتب المتقدّمين، وليس لهم عند المتقدمين أي شاهدٍ سوى رواية الخصيبي وقد مرّ الكلام فيها.

ويبقى الكلام في وجوه حاولوا من خلالها إثبات إيمانه، منها:

الوجه الأوّل: الاستدلال بروايات الفرح لمقتل فلان.
وفيه: أنّها لا تدلّ على تشيّعه، بل غاية ما تدل عليه هو حُسن الفرح لوقوع الفعل لا لحسن الفاعل، وموجِبُ الفرح أعمُّ من أن يكون مسبِّـبُه مؤمن أم لا، ومن ذلك قوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أدْنَى الأرْضِ وهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝ فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ ۝ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ)[8]، وقد فرح المسلمون بانكسار المجوس على أيدي الروم كما أخبر الله تعالى.

الوجه الثاني: أنّ هذا العمل لا يُوفَّقُ له إلا ذو حظٍّ عظيم.
ولا يخفى أنّ التوفيق للفعل الحسن بما يخدم الإسلام لا يدل على عدالة صاحبه بالضرورة فضلاً عن إيمانه، ويشهد بذلك الواقع حيث نرى كثيراً من أهل الضلال يقومون بأعمال فيها منفعة لأهل الإسلام من حيث لا يشعرون، وكذلك الأثر المروي عن الصادق عليه السلام: (إنّ الله ينصر هذا الدين بأقوامٍ لا خلاقَ لهم)[9].

ويترتب على كل ما تقدّم: عدم ثبوت إيمانه بدليلٍ معتبرٍ، وبالتالي عدم ثبوت حصول الأجر والثواب له وإن كان مُسلماً وعدم استحقاقه المديح والتبجيل؛ لأنّ الثواب منوطٌ بالإيمان كما ثبت في الروايات الشريفة، كما هو عليه إجماع الإماميّة بنصّ العلامة المجلسيّ (رحمه الله)[10]، بل هو من ضرورات المذهب كما يُعبّر السيد الإمام الخميني (رحمه الله)[11].


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] في بعض النسخ: (عن مدلج، عن هارون بن سعيد).
[2] الهداية الكبرى، ص 197، الباب الثاني، رقم الحديث 36.
[3] نعته النجاشيَّ بفساد المذهب [انظر: رجال النجاشي، ص67، رقم الترجمة 159]، وقال ابن الغضائريّ: (كذاب، فاسد المذهب، صاحبُ مقالةٍ ملعونةٍ، لا يُلتفت إليه) [انظر: رجال ابن الغضائري، ص54].
[4] قال الشيخ أبو الحسين الخوئيني: (نعم؛ الإسناد من ابن سنان إلى أمير المؤمنين عليه السلام ضعيفٌ، لا أقل بالأصمّ الذي هو في غاية الضعف، فتكون الرواية مؤيدة لإيمان أبي لؤلؤة)!! [انظر: فصل الخطاب في تاريخ قتل ابن الخطّاب ويليه رسالة: شهادة الأثر على إيمان قاتل عمر، ص195).
[5] مشارق أنوار اليقين، ص146، الفصل السّادس.
[6] إرشاد القلوب، ج2، ص126.
[7] بحار الأنوار، ج95، ص351-354.
[8] سورة الروم، الآية 1-5.
[9] تهذيب الأحكام، ج6، ص 146، رقم الحديث 19، باب: من يجب عليه الجهاد، ح3.
[10] قال العلامة المجلسيّ: (واعلم أن الإمامية أجمعوا على اشتراط صحة الأعمال وقبولها بالإيمان الذي من جملته الإقرار بولاية جميع الأئمة عليهم السّلام وإمامتهم والأخبار الدالة عليه متواترة بين الخاصة والعامة)، انظر: بحار الأنوار، ج27، ص166.
[11] الأربعون حديثاً، ص594، الحديث 33.