مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الأحد، 24 مايو 2015

المجازر الوهابية في القطيف والأحساء

بسم الله الرحمن الرحيم
المجازر الوهابية في القطيف والأحساء

قامت الحركة الوهابية خلال استيلائها على الجزيرة العربية بتكفير المسلمين وغزو مناطقهم وقتلهم بأسلوب قُطَّاع الطرق والمجرمين، وهذا القتل والتخريب قد لحق معظم مناطق الجزيرة، وقد أصاب المسلمين منهم أذىً كثيرٌ وظلمٌ عظيمٌ، وهذا هو تاريخ الحركة الوهابيَّة في التعامل مع أهل الإسلام في الجزيرة العربية، ولا زال هذا الأسلوب معمولاً به عندهم إلى الآن، إلا أننا نجد اليوم من يحاول إدعاء الاعتدال وأنَّه ضد سفك الدم لا سيما بعد حادثة تفجير مسجد الإمام علي (عليه السلام) في القديح بالقطيف، فقد رأينا من الوهَّابية من يتنكر لهذه المجزرة التي ليست إلا قطرة في بحر الإجرام الوهابي التكفيري القائم على استحلال دماء المسلمين، ويتهمُ أطرافاً خارجيَّة مشيرين إلى دولٍ بعينها هي أبعد ما تكون عن منهج تفجير المساجد وقتل الشيعة. ولمّا رأيتُ عظيم إصرارهم على الكذب في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومبالغتهم في التدليس وإخفاء حقائق اليوم آثرت أن أشيرَ إلى حقائق الماضي والحاضر معاً، وأبيِّن ما جرى على المسلمين في القطيف والأحساء على يد الحركة الوهَّابية قتلاً وذبحاً، لنذكّرهم بماضيهم القذر والملوث بالخطايا والإجرام، ونفنّد أكاذيبهم في حاضرهم، ليعلموا أن الظلم لا يمكنه أن يطمس حقائق التاريخ أو يصادر الحقيقة على مرّ الزمان.
واعتمدتُ في هذه المقالة على كتبٍ من أهم كتب التاريخ المعتمدة عند الوهَّابية في توثيق تاريخهم وهي:
الكتاب الأوّل: عنوان المجد في تاريخ نجد، المؤلف عثمان بن عبد الله بن بشر الحنبلي، والكتاب من مطبوعات (دارة الملك عبد العزيز)، واعتمدت على الطبعة الرابعة منه المطبوعة في الرياض سنة 1402 هـ - 1982 م بتحقيق المحقق عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، وفي بيان أهمّية الكتاب قدّمت دارة الملك عبد العزيز له في بدايته (ص5) وجاء ما يلي: (وتأتي أهميّة الكتاب من عدة اعتبارات، لعل في مقدمتها : أن الشيخ عثمان بن عبد الله بن  بشر عالم فاضل يتحرى الصدق فيما ينقله من خبرٍ أو رواية غير متهم في دينه أو خلقه فضلاً عن كونه معاصراً لمعظم الحوادث وشاهد عيانٍ لها والشاهدُ أحرى بالدقة فيما ينقله أو يرويه أو يخبر به. أن الكتاب سجلٌ دقيق للمواقع والحروب والأخبار والأحداث) فيما يعبّر رئيس دارة الملك عبد العزيز حسن آل الشيخ في مقدمة الكتاب (ص8) بقوله : (حيث اضطلعت الدارة بمهمة طباعة أحد مصادرنا التاريخية الهامة وهو كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد).
الكتاب الثاني: (تاريخ نجد) للمؤلف الشيخ حسين غنَّام، وهو من أهمّ الكتب المؤلفة في توثيق تاريخ الحركة الوهابية وذلك أنَّه كان معاصراً وملازماً لمؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب، جاء في مقدمة الكتاب نص ما قاله الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (كان تاريخ نجد المسمى بـ روضة الأفكار والأفهام، للشيخ العلامة حسين بن غنام رحمه الله هو من التواريخ التي يُعتمد عليها في تاريخ نجد في زمن حركة الإمام المصلح الكبير محمد بن عبد الوهاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، تلك الحركة المباركة ...إلخ) وقال الدكتور المحقق ناصر الدين الأسد: (فمؤلف الكتاب معاصر للإمام المصلح محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وكان من أتباعه المقربين إليه ولذلك كان تأليفه هذا الكتاب بطلبٍ من الإمام فجاء أكثر ما ورد فيه عن مشاهدة وعيان، ومعرفة شخصيّة ودراية). انظر مقدمة الكتاب للشيخ والمحقق. واعتمدت فيه على الطبعة الرابعة (1415هـ) بنشر دار الشروق (بيروت) وتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد، فيما قابله على الأصل الخطيّ عبد العزيز بن إبراهيم بن محمد آل الشيخ.
الكتاب الثالث: تاريخ الفاخري، لمؤلفه محمد بن عمر الفاخري، وقد اعتمدتُ على الطبعة الأولى التي نشرت الكتاب والتي كانت برعاية الأمانة العامَّة للاحتفال بمرور مائة سنة على تأسيس المملكة العربية السعودية  سنة 1419 هـ -1999 م ، وقد حققه الدكتور عبد الله بن يوسف الشبل. وتتضح أهمية الكتاب باعتناء الدولة السعودية في طباعته ككتاب يوثّق تاريخها، ومع ذلك لم أكثر النقل عنه؛ لأنه يسرد الأحداث باختصار.
وأكتفي بهذه الكتب كأدلة معتبرة وشاهدة على تلك الحقبة البعيدة والتي قام فيها الوهابيّون بقتل المسلمين وهدم بيوتهم والاعتداء على حرماتهم ليتسلطوا على تلك البلاد ظلماً وعدواناً وليعلم الجاهل ويتقين العالم أنّ الحركة الوهابية ليست إلا آلة إجرام وقتل وتكفير، وأنّه كما لم تخفَ حقائق الماضي فلن يقدروا على تزوير الحقيقة التي تكشف مدى توغلهم في التكفير والقتل، وما جرائمهم هذا العام في الدالوة بالأحساء والقديح بالقطيف إلا شواهد تدل على ثقافة التكفير والقتل التي نشأوا عليها منذ زمن محمد بن عبد الوهاب وإلى يومنا الحاضر، وإليك بعض المشاهد الكاشفة عن هذه الحقيقة:
  
هجوم وهَّابي على الأحساء سنة 1176 هـ 
يقول المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر الحنبلي(1)(وفيها سار عبد العزيز بالجيوش غازياً إلى الأحساء، وأناخ بالموضع المعروف بالمطير في الأحساء، ومعه من الخيل نحو الثلاثين وصبّحهم وقتل منهم رجالاً كثيرة على نحو السبعين رجلاً، وأخذ أموالاً كثيرة، ثم أغار على المبرز فقتل من أهلها رجالاً ثم ظهر من الأحساء راجعاً فلمَّا وصل العرمة وافق قافلة لأهل الرياض وأهل حرمة معها أموال كثيرة فأخذ أهل الرياض وترك أهل سدير لأجل هدنة بينه وبينهم).
ويقول حسين غنَّام عن هذه الهجمة(2): (ثم غزا المسلمون – وأميرهم عبد العزيز- الأحساء وكانت خيلهم نحو ثلاثين، فأناخ في مكان يسمى المطيرفي وهجم على من كان فيه من المشركين (!!) فقتل منهم نحو سبعين رجلاً وأخذ المسلمون كثيراً من الأسلحة والأمتعة والدواب فلما أرادوا الرجوع إلى نجد أغاروا على أهل المبرز وقتلوا منهم رجالاً). ويقول الفاخري في أحداث سنة (1176 هـ): (وفي سنة 1176 هـ غزا المسلمون الأحساء وأخذوا المطيرفي وذبحوا أهلها).

هجوم وهَّابي على الأحساء سنة 1198 هـ 
قال ابن بشر(3): (وفيها سار سعود بالمسلمين وقصد ناحية الأحساء، وصبح أهل العيون ولم يبلغهم عنه خبر، وأخذ كثيراً من الحيوانات وأخذ من بيوتها أزواداً وأمتعة). ويقول الشيخ حسين غنام عن هذا الهجوم(4): (وسار سعود بالمسلمين إلى الأحساء فجدَّ في سيره حتى وصل ليلاً إلى قريةٍ يقال لها العيون، فلم يفطن أهل القرية لوصوله فلما أصبحوا هجم عليهم المسلمون فاستولوا على ما كان خارج الحصن من المساكن، وأخذوا جميع ما كان فيها من الحيوانات والأمتعة والقوت).

هجوم على قافلة خارجة من الأحساء سنة 1199 هـ
قال ابن بشر(5): (ثم دخلت السنة التاسعة والتسعون بعد المائة والألف وفيها سار سعود بجنود المسلمين إلى جهة الخرج، فذُكر له في أثناء طريقه أن قافلة حافلة من أهل الخرج وغيره ظاهرة من الأحساء فرصد لهم سعود على الثليما المعروفة قرب الخرج فأقبلت القافلة وكانت على ظمأ وقدَّموا لهم ركاباً ورجالاً إلى الماء فأغار عليهم سعود فقتلهم ثم أناخت الحدرة فنازلهم سعود واستمروا ساعة في جلاد وقتال واقتتلوا قتالاً شديداً قتل بينهم قتلى كثيرة والقافلة قريب ثلاثمائة رجل فحمل عليهم المسلمون وأخذوا جميع ما معهم من الأموال والقماش والمتاع والإبل).

غارةٌ على قرية الجشة  بالأحساء سنة 1202 هـ 
قال ابن بشر(6): (وفيها سار – أي سعود بن عبد العزيز – وقصد الأحساء وأغار على أهل الجشة القرية المعروفة فقتل منهم رجالاً) وذكرها الشيخ حسين غنام في تاريخه (7).

غارة على منطقة المبرز بالأحساء سنة 1203 هـ 
قال ابن بشر(8): (وفيها سار سعود بجنود المسلمين (!!) من الحاضر والبادي وقصد الأحساء ونازلَ أهل المبرز ووقع بينه وبين أهلها رمي بالبنادق ثم رحل منه ونازل أهل قرية الفضول في شرقي الأحساء فأخذها وقتل من أهلها نحو ثلاثمائة رجل).

 معركة المحيرس مع أهل الأحساء سنة 1208 هـ 
قال ابن بشر(9): (واجتمع أهل قرى شمال الأحساء في قرية القرين (بضم القاف) فسار إليها سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار وحاصر أهل بلد المطيرفي المعروفة فصالحوه على نصف أموالهم، وسار سعود بتلك الجنود إلى المبرز فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل فحصل بينهم قتال قتل من قوم زيد غديرُ بن عمر وحمود بن غرمول وانهزم زيد ومن معه إلى البلد. ثم بعد أيام سارت الجموع إلى المبرز فكمنوا لهم فجرت وقعة المحيرس قُتل فيها من أهل المبرز مقتلة عظيمة قيل إن القتلى ينيفون عن المائة رجل، وسارت الجنود إلى بلاد ابن بطال (10) فوقع فيها قتال فانهزم أهلها وقُتل منهم عدد كثير، وأخذ سعود ما فيها من الأمتعة والطعام والحيوان والأموال، ثم ساروا إلى بلدان الشرق فحصل فيها قتال وجلاد فارتجف أهلُ الشرق، هذا وجميع البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الأحساء ويصرمون النخيل ويأخذون من التمر يبيعونه أحمالاً، ويأكلون ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي، واكتالوا جميع البوادي من الأحساء نهباً).  

السيطرة على الأحساء مرة أخرى سنة 1210 هـ 
قال ابن بشر(11): (فلمَّا طلع الصباح رحل سعود بعد صلاة الصبح، فلما كان قبل طلوع الشمس ثوّر المسلمون بنادقهم دفعة واحدة فأرجفت الأرض وأظلمت السماء وثار عجّ الدخان في الجو وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء ...إلخ).

 هجوم وهابي كبير على القطيف سنة 1206 هـ 
قال ابن بشر (12): (ثم دخلت السنة السادسة بعد المائتين والألف، وفيها في جمادى الأولى سار سعود غازياً بالجنود المنصورة من البادي والحاضر وقصد القطيف وحاصر أهل سيهات وتسوَّر المسلمون (!!) جدارها وأخذوها عنوةً وأخذوا ما فيها من الأموال وغير ذلك مما لا يُعد ولا يُحصى وأخذوا عنك عنوةً وقتل منهم خمسمائة رجل، ثم سار إلى القديح وأخذه عنوة وأخذ منه كثير من الأموال وقتل عليهم رجال، واستولى على عنك والعوّامية وحاصروا الفرضة لأن أكثر أهل القطيف هربوا إليها فصالحوه بثلاث آلاف زر وأزال المسلمون جميع ما في القطيف من الأوثان والمتعبدات والكنائس وأحرقوا كتبهم القبيحة بعدما جمعوا منها أحمالاً).
ويؤرخ هذه الحادثة الشيخ المؤرخ حسين غنام بنفس ما قاله ابن بشر إلا أنَّه يذكر أن عدد الضحايا كان أكثر من 500 رجل، يقول(13): (وفي سنة 1206 هـ سار سعود بالمسلمين إلى القطيف يريد أن يطهّر بلدانها من الأصنام والأوثان فأحاط المسلمون ببلدة سيهات وحاصروها ثم تسوّروها وقتلوا من وجدوا فيها وكانوا نحو ألف وخمسائة قتيل واستولوا على جميع ما فيها من الأموال التي لا تعد ولا توصف. ثم قصد المسلمون القديح فدهموا أهلها واستولوا كذلك على ما فيها من الأموال فأصاب حينئذٍ الذعر بلدان القطيف فتهاوت أمام المسلمين فاستولوا على العوَّاميَّة وعنك وغيرها).
انتهى نقل ما انتخبناه من مشاهد جرائم فظيعة لا تمت للإسلام بصلةٍ، بل هي من طبائع قطاع الطرق واللصوص الناهبين والمحتلين المجرمين الذين يستسيغون قتل البشر وإبادة الشجر والبيوت لأجل النهب والسلب والحكم، وكلُّ ذلك باسم الدين وإن دين الإسلام من هذا الإجرام والتوحش بريء براءة الذئب من دم يوسف (عليه السلام).

____________
(1) عنوان المجد بتاريخ نجد، ج1، ص 90.
(2) تاريخ نجد، ص 122.
(3) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 154.
(4) تاريخ نجد، ص 159.
(5) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 155.
(6) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 162.
(7) تاريخ نجد، ص 170.
(8) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 168.
(9) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 205.
(10) تسمى الآن بـ البطاليّة، شمال شرق الهفوف.
(11) عنوان المجد بتاريخ نجد ، ج1، ص 216.
(12) عنوان المجد بتاريخ نجد، ج1، ص 178.
(13) تاريخ نجد، ص 179.