مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الاثنين، 4 مارس 2024

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية 

مدوّنة «مصباح الهداية» واحةٌ علميّةٌ نسعى من خلالها إلى تقديم المعرفة الصحيحة وفقاً لمنهج أهل البيت (عليهم السّلام).
© الدراسات والمقالات بقلم الشّيخ إبراهيم جواد (طالب علم في الحوزة العلميّة - قم المقدّسة)

• للمتابعة في وسائل التواصل الاجتماعي: (Telegram) ،(Facebook)، (twitter)
• مدونة «وثائق عن حقيقة الوهابية» [هنا]

قسم المؤلّفات والكتب المُحقّقة (PDF) [هنا]

قسم الدّراسات العقائديّة


قسم الدراسات الحديثيّة والرجالية
(٨) الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلميّ (كامل الحلقات)

قسم الدراسات والمقالات المترجمة 

قسم المسائل الخلافية وردّ الشبهات (عقائد، فقه، تاريخ):

واحةٌ خاصّة: القلبُ السّليم.

قسم الفيديوهات والصوتيّات

الخميس، 15 فبراير 2024

الحجاج بن يوسف الثقفي، ظالم أم مفترى عليه؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحجاج بن يوسف الثقفي، ظالم أم مفترى عليه؟

روابط المقالة بصيغة PDF:
MediaFire - Telegram

الأربعاء، 14 فبراير 2024

دراسة نقديّة حول روايات السيّد ابن طاوس في إحياء ليلة العاشر من المحرّم

بسم الله الرحمن الرّحيم
دراسة نقديّة حول روايات السيّد ابن طاوس في إحياء ليلة العاشر من المحرّم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد عيّنَ أئمّة أهل البيت -عليهم السّلام- ليالي الإحياء في طول السَّنة، واستفاضت الأخبار في بيان فضل تلك الليالي من قبيل ليلة النّصف من شعبان، وليالي القدر، وغيرها، وأمّا ما يتعلّق بليلة العاشر من المحرّم فلا يظهر أنّها من الليالي المسنون إحياؤها بالعنوان الخاصّ؛ إذ لم يُظفَرْ بروايات موثوقة عن أئمّة أهل البيت -عليهم السّلام- تبيّن أنّ للإحياء فيها فضلاً، كما أنّ هذا لم يظهر في سيرتهم خلال عقود طويلةٍ، بل الظّاهر من سيرة الأئمّة والشّيعة في القرون الثلاثة الأولى أنّها من ليالي الحزن والتّعزية بمصاب سيّد الشّهداء -عليه السّلام-.
ولم يفرد أصحابنا الإماميّة من المصنّفين في الأدعية والأعمال فصلاً مستقلّاً لها سوى السيّد ابن طاوس، حيث كان أول من بادر لجمع رواياتٍ تتعلّق بهذه اللّيلة، فأفرد فصلاً لها في كتاب «الإقبال»، والظّاهر من مصادره وأسانيده أنّ عمدته في النّقل عن كتب العامّة، وهذا في نفسه يضعف الوثوق بصدور هذه الأعمال والاعتماد عليها[1]، ويزيد الرّيب في صدورها ما يُعلم يقيناً من كون عاشوراء موضوعاً لاختلاق الرّوايات عند العامّة في فضله وتعظيمه وإحياء ليلته بالعبادة وفعل الخير فيه، ومن هذا المنطلق سنقوم بدراسة الروايات التي أوردها السيّد ابن طاوس في ذلك الفصل، والمصنّفات التي نقل عنها، ومن خلال ذلك يمكن تقييم مدى الوثوق بإمكانيّة صدورها من خلال مصادر تلك الرّوايات والسّياق التاريخيّ الذي نُقلت فيه، ونفصّل ما أشرنا إليه في عدّة أمورٍ إن شاء الله تعالى.

الأمر الأوّل: السّياق التّاريخي لنشأة أحاديث فضل ليلة عاشوراء ويومها
من الأمور الواضحة بحسب الشواهد التاريخيّة أنّ بني أميّة -لعنهم الله- لمّا قتلوا سيد الشهداء صلوات الله عليه اتّخذوا يوم عاشوراء موسماً لإظهار الفرح والسّرور، وبدؤوا بوضع الرّوايات التي تجعل خصوصيّات دينيّة لهذا اليوم من قبيل أنّه يومٌ مبارك ويوم شكرٍ ويوم عبادةٍ وسرور وتوسعة، وقد أعانهم على ذلك بعض الرّواة الكذّابين فقاموا بوضع الحديث بشكل مفتضح، حتّى أنّ جملةً من علماء العامّة لم يقبلوا هذه الأخبار، ونصّوا على أنّ بعض الرّواة قاموا بوضع الأخبار المكذوبة في فضل عاشوراء وليلتها بقصد مضادّة الشّيعة الإماميّة، وإن كان الحقّ أنّها وُضعت بسبب عداء النّواصب للعترة الطاهرة.
وقد ورد في روايات الأئمّة -عليهم السّلام-ما يؤكّد وجود ظاهرة أمويّة لوضع الأحاديث في فضائل عاشوراء، ومن ذلك ما رواه الصّدوق بإسناده عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ في حديثه عن الصّادق -عليه السّلام-: (فقلت له: يا ابن رسول الله، فكيف سمَّتِ العامّةُ يوم عاشوراء يوم بركة؟! فبكى -عليه السّلام- ثمّ قال: لما قتل الحسين -عليه السّلام- تقرب النّاس بالشّام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار وأخذوا عليها الجوائز من الأموال، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم وأنّه يوم بركةٍ؛ ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرّك والاستعداد فيه، حكم الله بيننا وبينهم)[2].
ويشهد له أيضاً خبر ميثم التمّار الذي رواه الصّدوق في أماليه، وفيه: (قالت جبلة: فقلت له: يا ميثم، وكيف يتّخذُ النّاس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن عليّ -عليهما السلام- يوم بركة؟! فبكى ميثم رضي الله عنه، ثم قال: سيزعمون بحديثٍ يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم -عليه السلام-، وإنّما تاب الله على آدم -عليه السلام- في ذي الحجّة، ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود -عليه السلام-، وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس -عليه السلام- من بطن الحوت، وإنما أخرجه الله تعالى من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح -عليه السلام- على الجوديّ، وإنّما استوت على الجوديّ يوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وإنما كان ذلك في ربيع الأول)[3][4].
وروى الطّوسيّ بإسناده عن الصّادق عليه السلام: (إنّ آل أميّة -عليهم لعنة الله- ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشّام نذروا نذراً إن قُتِل الحسين عليه السلام وسلم من خرج إلى الحسين عليه السلام وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم، وأن يصوموا فيه شكراً، ويفرّحوا أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنّةً إلى اليوم في النّاس، واقتدى بهم النّاس جميعاً، فلذلك يصومونه ويُدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم)[5].
والحاصل من هذه الأخبار وغيرها أنّ بني أميّة جعلوا يوم عاشوراء يوماً للتبرّك وطلب الخير، واتّخذوا لذلك الرّوايات المكذوبة، وهذا ما أشير إليه في زيارة عاشوراء المباركة: (اللّهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أُميّة وابن آكلة الأكباد)[6].

وقبل أن نذكر جملةً من كلمات علماء العامّة في تكذيب أخبار فضل العبادة في يوم عاشوراء وليلتها، نسرد بعض الروايات الموضوعة في هذا الباب، والفائدة في ذلك: بيان ما تحمله متون هذه الرّوايات من مبالغة وغلوّ شديد يشهد بكونها مكذوبة؛ فإنّ لسانها في غاية الشّذوذ عن الأخبار المعتبرة في باب فضائل الأعمال والأيّام، وهذه المبالغة تحمل في طيّاتها ما يلوّح بكونها مختلقة بقصدٍ وعمدٍ لأداء غرضٍ معيّن كان يدور في أذهان أولئك الرّواة الوضّاعين.
[1] روى البيهقيّ: (أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني عبد العزيز بن محمّد بن إسحاق، حدّثنا علي بن محمّد الوراق، حدّثنا الحسين بن بشر، حدّثنا محمّد بن الصلت، حدّثنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً. وكذلك رواه بشر بن حمدان بن بشر النيسابوري، عن عمه الحسين بن بشر، ولم أرَ ذلك في رواية غيره، عن جويبر، وجويبر ضعيف، والضحّاك لم يلقَ ابن عبّاس)[7].
[2] روى العقيليّ: (حدّثناه عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، قال: حدّثنا علي بن المهاجر العبشي، قال: حدّثنا هيصم بن الشداخ، قال: حدّثنا الأعمش، عن يحيى بن وثاب، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سنته». ولا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ مسندٌ، إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمّد بن المنتشر، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم)[8].
[3] وروى أيضاً -في ترجمة محمّد بن ذكوان-: (ومن حديثه: ما حدّثناه جدي، قال: حدّثنا حجاج بن نصير، قال: حدّثنا محمّد بن ذكوان، قال: حدثني يعلى بن حكيم، عن سليمان بن أبي عبد الله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وسّع على أهله وعياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته». سليمان بن أبي عبد الله مجهول بالنقل، والحديث غير محفوظ)[9].
[4] روى شيرويه الديلميّ مرسلاً عن سيّد الشهداء الحسين (عليه السّلام): (من اكتحل بكحلٍ فيه طيبٌ ومسكٌ يوم عاشوراء لم يرمد عينه تلك السنة)[10].
[5] روى ابن الجوزيّ في كتابه (الموضوعات): (حدّثنا محمّد بن ناصر، قال: أنبأنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: حدّثنا العشاريّ، قال: حدّثنا أبو بكر النوشري، قال: حدّثنا أحمد بن سلمان، قال: حدّثنا إبراهيم الحربيّ، قال: حدّثنا سريج بن النعمان، قال: حدّثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحيى ليلة عاشوراء فكأنّما عبد الله تعالى بمثل عبادة أهل السّماوات، ومن صلّى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وخمسين مرة «قل هو الله أحد»، غُفِرَ له ذنوب خمسين عاماً ماضٍ، وخمسين عاماً مستقبل، وبُنِيَ له في الملأ الأعلى ألف منبر من نور)[11].
[6] وروى أيضاً: (أنبأنا إبراهيم بن محمّد الطيبيّ، قال: أنبأنا الحسين بن إبراهيم، قال: أنبأنا الحسين بن علي بن جعفر، قال: أنبأنا عبد الله بن عبيد الله بن كالة، قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد، حدّثنا أحمد بن نصر بن علي الرازيّ، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الله النهرواني، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، و«قل هو الله أحد» إحدى عشرة مرة، والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلّم استغفر سبعين مرة، أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفي ذلك البيت سرير من نور، قوائم السّرير من العنبر الأشهب، على ذلك السرير ألف فراش من الزعفران.
قال المصنِّف: وذكر حديثاً طويلاً من هذا الجنس. قال المصنِّف: وهذا موضوعٌ، وكلمات الرسول صلّى الله عليه وسلّم منزّهة عن مثل هذا التخليط، والرّواة مجاهيل، والمتّهم به الحسين)[12].
[7] وقال ابن الجوزيّ: (فمن الأحاديث التي وضعوا: حدّثنا أبو الفضل محمّد بن ناصر من لفظه وكتابه مرتين، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أخبرنا أبو طالب محمّد بن عليّ بن الفتح العُشاري. وقرأتُ على أبي القاسم الحريريّ، عن أبي طالب العشاري، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن منصور النوشريّ، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن سلمان النجّاد، قال: حدّثنا إبراهيم الحربي، قال: حدّثنا شريح[13] بن النعمان، حدّثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يومٍ في السنة يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، فصوموه ووسّعوا على أهاليكم فيه، فإنّه من وسّع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسّع اللهُ عليه سائر سنته، فصوموه فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكاناً عليّاً، وهو اليوم الذي نجّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحاً من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذّبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمّد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس، فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة أربعين سنة، وأول يوم خلق الله من الدنيا يوم عاشوراء، وأول مطر نزل من السّماء يوم عاشوراء، وأول رحمةٍ نزلت يوم عاشوراء، فمن صام يوم عاشوراء فكأنّما صام الدّهر كله، وهو صوم الأنبياء، ومن أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد الله تعالى مثل عبادة أهل السماوات السبع، ومن صلّى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة «قل هو الله أحد» غفر الله له خمسين عاماً ماضٍ وخمسين عاماً مستقبل، وبنى له في الملأ الأعلى ألف منبر من نور، ومن سقى شربة من ماء فكأنّما لم يعصِ الله طرفة عين، ومن أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء مرّ على الصراط كالبرق الخاطف، ومن تصدّق بصدقة يوم عاشوراء فكأنما لم يرد سائلاً قط، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضاً إلا مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة كلها، ومن أمرّ يده على رأس يتيم فكأنّما برّ يتامى ولد آدم كلهم، ومن صام يوم عاشوراء كتبت له عبادة سنة صيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب ألف حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب ألف شهيد، ومن صام يوم عاشوراء كتب له أجر أهل سبع سموات، وفيه خلق الله السماوات والأرضين والجبال والبحار، وخلق العرش يوم عاشوراء، ورفع عيسى يوم عاشوراء، وخلق القلم يوم عاشوراء، وخلق اللوح يوم عاشوراء، وأعطي سليمان الملك يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء، ومن عاد مريضاً يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى ولد آدم كلّهم)[14].
[8] وقال أيضاً: (أنبأنا عبد الله بن علي المقري، قال: أنبأنا جدي أبو منصور الخياط، قال: أنبأنا عبد السلام بن أحمد الأنصاريّ، قال: حدّثنا أبو الفتح بن أبي الفوارس، قال: أنبأنا الحسن بن إسحاق بن زيد المعدل، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن مصعب، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن قهزاد، قال: حدّثنا حبيب بن أبي حبيب، عن إبراهيم الصائغ، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب ألف حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف شهيد، ومن صام يوم عاشوراء كتب الله له أجر أهل سبع سموات، ومن أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمّد، ومن أشبع جائعاً في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء أمة محمّد صلى الله عليه وسلم وأشبع بطونهم، ومن مسح على رأس يتيم رفعت له بكل شعرة على رأسه في الجنة درجة.
قال: فقال عمر: يا رسول الله، لقد فضّلنا الله عزّ وجلّ بيوم عاشوراء؟ قال: نعم، خلق الله عز وجل يوم عاشوراء والأرض كمثله، وخلق الجبال يوم عاشوراء والنجوم كمثله، وخلق القلم يوم عاشوراء واللوح كمثله، وخلق جبريل يوم عاشوراء، وملائكته يوم عاشوراء، وخلق آدم في يوم عاشوراء، وولد إبراهيم يوم عاشوراء، ونجّاه الله من النار يوم عاشوراء، وفداه الله يوم عاشوراء، وغرق فرعون يوم عاشوراء، ورفع إدريس يوم عاشوراء، وولد في يوم عاشوراء، وتاب الله على آدم في يوم عاشوراء، وغفر ذنب داود في يوم عاشوراء، وأعطى الله الملك لسليمان يوم عاشوراء، وولد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء، واستوى الربّ عز وجل على العرش يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء.
قال المصنِّف: هذا حديث موضوع بلا شك)[15].
[9] قال أبو الحسنات اللكنويّ الهنديّ في ذكر بعض الأحاديث الموضوعة في عبادات ليلة عاشوراء ويومها: (ومنها: صلاة ليلة عاشوراء، مائة ركعة، في كل ركعة يقرأ بعد الفاتحة سورة الإخلاص ثلاث مرات. ومنها: صلاة وقت السحر من ليلة عاشوراء، وهي أربع ركعات، في كل ركعة بعد الفاتحة يقرأ آية الكرسي ثلاث مرات وسورة الإخلاص إحدى عشر مرة، وبعد الفراغ يقرأ سورة الإخلاص مائة مرة. ومنها: صلاة يوم عاشوراء عند الإشراق: يصلي ركعتين، في الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي، وفي الثانية: «لو أنزلنا هذا القرآن» إلى آخر سورة الحشر. ويقول بعد السلام: يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، لا إله إلا أنت، خلقت أول ما خلقت في هذا اليوم وتخلق آخر ما تخلق في هذا اليوم، أعطني فيه خير ما أوليت فيه أنبياءك وأصفياءك من ثواب البلايا، وأسهم لنا ما أعطيتهم فيه من الكرامة بحق محمّد عليه الصلاة والسلام.
ومنها: صلاة يوم عاشوراء: ست ركعات، في الأولى بعد الفاتحة سورة الشمس، وفي الثانية «إنا أنزلناه»، وفي الثالثة «إذا زلزلت»، وفي الرابعة سورة الإخلاص، وفي الخامسة سورة الفلق، وفي السادسة سورة الناس، ويسجد بعد السلام ويقرأ فيها «قل يا أيها الكافرون» سبع مرات ويسأل الله حاجته.
ومنها: صلاة الخُصَماء، وهي أربع ركعات يصليها في يوم عاشوراء وآخر جمعة من رمضان ويوم التروية ويوم عيد الأضحى ويوم عرفة وخامس عشر شعبان، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الإخلاص إحدى عشر مرة، وفى الثانية سورة «قل يا أيها الكافرون» ثلاث مرات وسورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وفي الثالثة سورة التكاثر مرة وسورة الإخلاص إحدى عشر مرة، وفي الرابعة آية الكرسي ثلاث مرات وسورة الإخلاص خمساً وعشرين مرة)[16].

وأمّا بالنسبة إلى كلمات علماء العامّة في ما يتعلّق بهذه الأخبار المكذوبة المفتضحة، فقد أنكرها وكذّبها جملة منهم، ونصُّوا على أنّها من الموضوعات المختلقة، وأنّها وُضِعت معاندةً للشّيعة، وإنْ كان الحقُّ أنّها من موضوعات بني أميّة كما ذكرنا، وقد وُضعت شماتةً بمصاب الحسين -عليه السّلام- وفرحاً به وتبرّكاً بيوم مصيبته.
قال الحافظ ابن الجوزيّ: (قد تمذهب قومٌ من الجُهّال بمذهب أهل السنّة فقصدوا غيظ الرّافضة فوضعوا أحاديث في فضائل عاشوراء، ونحن براءٌ من الفريقين)[17].
وقال ابن تيميّة: (وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة، لا أصل لها، مثل: فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة، كلها مكروهة، وإنّما المستحبّ صومه. وقد روي في التوسيع على العيال في آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمّد بن المنتشر عن أبيه قال: «بلغنا أنه من وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته»، رواه عنه ابن عيينة، وهذا بلاغٌ منقطعٌ، لا يُعرف قائله. والأشبه أنّ هذا وُضِعَ لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة؛ فإنّ هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسّع فيه واتخاذه عيداً، وكلاهما باطل)[18].
وقال أيضاً: (فعارض هؤلاء قوم إما من النّواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشرَّ بالشرِّ، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتّخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح)[19].
وقال أيضاً: (وصلواتٌ أخر تذكر في الأشهر الثلاثة، وصلاة ليلتي العيدين وصلاة يوم عاشوراء، وأمثال ذلك من الصلوات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع اتفاق أهل المعرفة بحديثه أن ذلك كذب عليه، ولكن بلغ ذلك أقواماً من أهل العلم والدّين فظنوه صحيحاً فعملوا به، وهم مأجورون على حسن قصدهم واجتهادهم، لا على مخالفة السنّة)[20].
وقال أيضاً: (ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على الجودي وردّ يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النّار وفداء الذّبيح بالكبش ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أنّه من وسّع على أهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر السّنة. ورواية هذا كلّه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كذب)[21].
وقال أيضاً: (وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال، وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك، ويذكرون فيها صلاة، وكل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه)[22].
وقال ابن قيّم الجوزيّة: (ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزيّن والتوسعة والصّلاة فيه وغير ذلك من فضائل لا يصح منها شيء ولا حديث واحد، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه وما عداها فباطل. وأمثل ما فيها: «من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته». قال الإمام أحمد: «لا يصحّ هذا الحديث». وأما حديث الاكتحال والادّهان والتطيب فمن وضع الكذّابين)[23].
وقال زين الدين أحمد بن عبد العزيز المليباريّ -من فقهاء الشّافعيّة في القرن العاشر الهجريّ-: (وأمّا أحاديث الاكتحال والغسل والتطيّب في يوم عاشوراء فمن وضع الكذّابين)[24].
وقال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ: (وكل ما ذكر في يوم عاشوراء من الأعمال غير الصيام فلا أصل له، بل هو بدعة)[25].
أقول: يُستفاد من مجموع كلماتهم أنّ عاشوراء كانت من موارد وضع الحديث وجعله، ومن هنا ظهرت هذه الفضائل المبالغ في شأن يومها وليلتها من قبيل نسبة وقوع أمورٍ كثيرةٍ في عاشوراء، بالإضافة إلى ذكر الأعمال المستحبة من قبيل الاختضاب والاغتسال والاكتحال والتوسعة على العيال والصّلاة والصّدقة وغير ذلك من الطّاعات، والذي نريد إيضاحه بهذه العبارات هو أنّ ظهور هذه الروايات المتنوّعة بهذا النّحو من المبالغة لم يكن اعتباطياً، وإنّما هو أمرٌ له سياقه التاريخيّ، والذي يشير إلى جهود تيار معادٍ لأهل البيت والشيعة يدعم تحويل عاشوراء إلى ما يشبه ليالي الأعياد أو مطلق الليالي المباركة الخيّرة -وإن لم تكن ليلة عيد- حيث تستحبّ الطاعات وأعمال الخير، ولذلك تنوّعت الأعمال المذكورة بنحو يشبه إحياء الليالي المسنونة، وبهذا تحوّلت ليلة عاشوراء من ليلة حزن وعزاء وزيارة إلى ليلة دعاء وصلاة وتصدّق طلباً للخير والبركة وقضاء الحاجات، وليس هذا إلّا من سنن بني أميّة الذين تبرّكوا بيوم قتل سيّد الشهداء -أرواحنا فداه-.

الأمر الثّاني: نقد روايات إحياء ليلة العاشر من المحرّم

الرواية الأولى
قال السيّد ابن طاوس: (وأما فضل إحيائها: فقد رأينا في كتاب دستور المذكرين بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد الله عبادة جميع الملائكة، وأجر العامل فيها كأجر سبعين سنة)[26].
وكتاب «دستور المذكّرين» من كتب العامّة، مؤلّفه الحافظ محمّد بن أبي بكر المدينيّ كما ذكر ذلك ابن طاوس في بعض المواضع[27]، وهذا الرّجل هو الحافظ أبو موسى المدينيّ المتوفى سنة 581 هجريّة، وهو من أعلام المحدِّثين عند العامّة، قال الحافظ الذهبيّ في ترجمته: (الإمام العلّامة، الحافظ الكبير، الثقة، شيخ المحدثين، أبو موسى محمّد بن أبي بكر عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر بن محمّد بن أحمد بن أبي عيسى المديني الأصبهاني الشافعي صاحب التصانيف)[28].
وقال المستشرق إتان كلبرگ إنّه لا يظهر ممّا نُقل عن هذا الكتاب ما يُشير إلى ميولٍ شيعيّةٍ في رواياته وإن كان قد نقل رواية في استحباب بعض الأدعية في ليلة عاشوراء[29]، متخيّلاً أنّ الإحياء بالعبادة في ليلة عاشوراء ممّا قد يتوافق مع سيرة الشّيعة.
والرواية مرسلة، وقد أورد الحافظ ابن الجوزيّ قريباً منها في كتابه (الموضوعات)، ولفظه: (حدّثنا محمّد بن ناصر، قال: أنبأنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: حدّثنا العشاريّ، قال: حدّثنا أبو بكر النوشري، قال: حدّثنا أحمد بن سلمان، قال: حدّثنا إبراهيم الحربيّ، قال: حدّثنا سريج بن النعمان، قال: حدّثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد الله تعالى بمثل عبادة أهل السموات...)[30].
قال الحافظ الذهبيّ في ترجمة العشّاريّ المذكور في سند هذه الرواية: (محمّد بن عليّ بن الفتح، أبو طالب العشاريّ. شيخ صدوق معروف، لكن أدخلوا عليه أشياء فحّدث بها بسلامة باطنٍ، منها: حديثٌ موضوعٌ في فضل ليلة عاشوراء)[31].

الرواية الثانية
قال السيّد ابن طاوس: (فمن ذلك الرّواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله، وجدناها عن محمّد بن أبي بكر المديني الحافظ من كتاب دستور المذكرين بإسناده المتّصل عن وهب بن منبّه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلّى ليلة عاشوراء أربع ركعات من آخر الليل، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي عشر مرات، و«قل هو الله أحد» عشر مرات، و«قل أعوذ برب الفلق» عشر مرات، و«قل أعوذ برب الناس» عشر مرات، فإذا سلم قرأ «قل هو الله أحد» مائة مرة، بنى الله تعالى له في الجنة مائة ألف ألف مدينة من نور، في كل مدينة ألف ألف قصر، في كل قصر ألف ألف بيت، في كل بيت ألف ألف سرير، في كل سرير ألف ألف فراش، في كل فراش زوجة من الحور العين، في كل بيت ألف ألف مائدة، في كل مائدة ألف ألف قصعة، في كل قصعة مائة ألف ألف لونٍ، ومن الخدم على كل مائدة ألف ألف وصيف، ومائة ألف ألف وصيفة، على عاتق كل وصيف وصيفة منديل.
قال وهب بن منبّه: صُمَّتْ أذناي إن لم أكن سمعت هذا من ابن عباس)[32].
وهذه الرّواية فيها إشكالات عديدة، أوّلها: أنّها رواية عاميّة من كتاب «دستور المذكّرين» المتقدّم ذكره، وثانيها: أنّها من طريق وهب بن منبّه، أحد منابع الخرافات الإسرائيليّة في التراث السنيّ[33]، وثالثها: أنّ أسلوب ذكر الثواب الوارد في الرواية أشبه بحديث العامّة ولا سيّما وضّاعيهم، ولم يُرَ له نظيرٌ في الأحاديث الواردة من طرق الثقات عند الإماميّة. وليس الكلام هاهنا عن عظمة مقدار الثواب، فلا إشكال لنا من هذه الجهة، وإنّما على لحن الرّواية وأسلوبها، فهو أشبه ما يكون بحديث العامّة، وكونه مرويّاً في كتاب «دستور المذكّرين» يؤيّد ذلك. وهذا الأسلوب في ذكر الثّواب رائج في أحاديث العامّة وما يُروى من طرقهم ولا سيّما عند وضّاعيهم، ومن ذلك ما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وهي خطبة طويلة جداً عن النبيّ -صلى الله عليه وآله-، ومما جاء فيها: (ومن بنى لله مسجداً أعطاه الله بكلِّ شبرٍ -أو قال: بكل ذراع- أربعين ألف مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت ولؤلؤ، في كل مدينة أربعين ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف دار، في كل دار أربعون ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، وعلى كل سرير زوجة من الحور العين، وفي كل بيت أربعون ألف وصيفة، وفي كل بيت أربعون ألف ألف مائدة، على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة، في كل قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعام، ويعطي الله وليَّه من القوة ما يأتي على الأزواج وذلك الطعام والشراب في يوم واحد، ومن تولى أذان مسجد من مساجد الله يريد بذلك وجه الله أعطاه الله ثواب أربعين ألف ألف نبيّ، وأربعين ألف ألف صديق، وأربعين ألف ألف شهيد، ويدخل في شفاعته أربعون ألف ألف أمة، في كل أمة أربعون ألف ألف رجل، وله في كل جنّة من الجنان أربعون ألف ألف مدينة، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كل قصر أربعون ألف ألف دار، في كل دار أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، على كل سرير زوجة من الحور العين، سعة كل بيت منها سعة الدنيا أربعين ألف ألف مرة، بين يدي كل زوجة أربعون ألف ألف وصيفة، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة، على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة، في كل قصعة أربعون ألف ألف لون..إلخ)[34].
وهو شبيه أيضاً بما رواه الصّدوق -بإسنادٍ من أسانيد العامّة لا من طرق أصحابنا الإماميّة[35]- في خبر طويل عن فضائل شهر رجب، وفيه عن ثواب صيام شهر رجب كلّه: (ومن صام من رجب ثلاثين يوماً نادى منادٍ من السّماء: يا عبد الله، أما ما مضى فقد غُفِرَ لك فاستأنف العمل فيما بقي، وأعطاه الله عز وجل في الجنان كلّها في كل جنة أربعين ألف مدينة من ذهب، في كلّ مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كلّ قصرٍ أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة من ذهب، على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة، في كل قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعام والشراب، لكل طعام وشراب من ذلك لون على حدة، وفي كل بيت أربعون ألف ألف سرير من ذهب، طول كل سرير ألفا ذراع في ألفي ذراع، على كل سرير جارية من الحور، عليها ثلاثمائة ألف ذؤابة من نور، تحمل كل ذؤابة منها ألف ألف وصيفة [!!]، تغلفها بالمسك والعنبر إلى أن يوافيها صائم رجب، هذا لمن صام شهر رجب كلّه)[36].
وإجمالاً: هذا النوع الرديء من الألفاظ لم يُعهد في أخبار الإماميّة المعتبرة، بل هو معهودٌ في الروايات الموضوعة عند العامّة، فلا وثوق بمثل هذه الروايات، بل هي أقربُ إلى الكذب والوضع.

الرواية الثالثة
قال السيّد ابن طاوس: (ومن ذلك ما رويناه أيضاً في كتاب دستور المذكّرين بإسناده المتّصل عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلّى ليلة عاشوراء مائة ركعة بالحمد مرة و«قل هو الله أحد» ثلاث مرات، ويسلم بين كلّ ركعتين، فإذا فرغ من جميع صلاته قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله الا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» سبعين مرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلّى هذه الصلاة من الرجال والنساء ملأ الله قبره إذا مات مسكاً وعنبراً، ويدخل إلى قبره في كل يوم نور إلى أن ينفخ في الصور، وتوضع له مائدة منها نعيم يتناعم به أهل الدنيا منذ يوم خلق إلى أن ينفخ في الصور، وليس من الرجال والنساء إذا وضع في قبره إلا يتساقط شعورهم إلّا من صلى هذه الصّلاة، وليس أحد يخرج من قبره إلّا أبيض الشّعر إلّا من صلّى هذه الصّلاة.
والذي بعثني بالحقّ إنه من صلّى هذه الصّلاة فإنّ الله عزّ وجلّ ينظر إليه في قبره بمنزلة العروس في حجلته إلى أن ينفخ في الصّور، فإذا نفخ في الصّور يخرج من قبره كهيئته إلى الجِنان كما يُزفّ العروس إلى زوجها. ثمّ ذكر تمام الحديث في تعظيم يوم عاشوراء وعمل الخير فيه، وقد قصدنا ما يتعلق بليلة عاشوراء)[37].
وهذه الرّواية فيها إشكالات عديدة، أوّلها: أنّها رواية عاميّة من كتاب «دستور المذكّرين» وقد تقدّم الكلام فيه، وثانيها: أنّ إسنادها إلى أبي أمامة عن النبيّ -صلّى الله عليه وآله- مجهولٌ.
ثُمّ إنّ تعليق السيّد ابن طاوس في ذيل الرّواية يزيد الرّيب في كونها من موضوعات العامّة؛ فإنّه ذكر أنّ للرواية تتمّةً في تعظيم يوم عاشوراء وعمل الخير فيه، وهذا مشابه لحديث العامّة في شأن عاشوراء من قبيل التصدّق والتوسعة على العيال والصوم والاختضاب والاغتسال والاكتحال وتلاوة القرآن والصّلاة وإفطار الصّائم وغير ذلك من أعمال الخير مما لم يرد شيء منه في روايات أهل البيت عليهم السّلام، فليس يوم عاشوراء في أحاديث الإماميّة وقتاً معيّناً لمثل هذه الأعمال وإن كانت حسنةً في نفسها، وإنّما هو يوم مصيبةٍ وحزنٍ وعزاءٍ وزيارةٍ -كما هو المنصوص في الآثار المعتبرة عن الأئمّة عليهم السّلام-.

الرواية الرّابعة
قال السيّد ابن طاوس: (ومن ذلك ما رأيناه في بعض كتب العبادات عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من صلّى مائة ركعة ليلة عاشوراء يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و«قل هو الله أحد» ثلاث مراتٍ، ويسلّم بين كل ركعتين، فإذا فرغ من جميع صلاته قال: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأستغفر الله» سبعين مرة. وذكر من الثواب والإقبال ما يبلغه كثير من الآمال والأعمال، ويطول به شرح المقال)[38]، ولم يحدّد السيّد -رحمه الله- المراد من هذه الكتب، وهذه الصّلاة لم أرَها في كتب الخاصّة والعامّة بهذه السياقة. نعم؛ ذكر بعض علماء العامّة في الصلوات التي نصّوا على اختلاقها صلاة مائة ركعة في كل ركعة يقرأ بعد الفاتحة سورة الإخلاص ثلاث مرات، وقد تقدّم ذكرها ضمن ما ذكره أبو الحسنات اللكنويّ الهنديّ في العبادات الموضوعة ليلة عاشوراء.

الرّواية الخامسة
قال السيّد ابن طاوس: (من الصّلوات يوم عاشوراء في رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يصلّي ليلة عاشوراء أربع ركعات في كل ركعة الحمد مرة، و«قل هو الله أحد» خمسون مرّة، فإذا سلّمت من الرابعة فأكثر ذكر الله تعالى، والصّلاة على رسوله، واللّعن لأعدائهم ما استطعت)[39].
وهذه الرواية مجهولة المصدر؛ إذ لم يُعرف الكتاب الذي نُقلت منه، وهي أشبه ببعض صلوات العامّة المذكورة في هذه اللّيلة، كما أنّ التعبّد باللّعن في ليلة عاشوراء في صدر الإسلام -حيث إنّ الرواية نبويّة- لا يخلو من غرابةٍ لا سيّما بملاحظة الفضاء العامّ لروايات الحقبة النبويّة. على أنّ جهة اللّعن غير واضحةٍ؛ فإنّ عنوان (أعداء الله والرّسول) عامٌّ، ويُحتمل أن يكون من مختلقات النّواصب الشّاميين المتعبّدين بالعداء لأهل البيت عليهم السّلام.

الرّواية السّادسة
قال: (ومن الصّلوات والدّعوات ليلة عاشوراء ما ذكره صاحب المختصر من المنتخب، فقال ما هذا لفظه: الدعاء في ليلة عاشوراء أن يصلي عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة واحدة، و«قل هو الله أحد» مائة مرة. وقد روي أن يصلي مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة و«قل هو الله أحد» ثلاث مرات، فإذا فرغت منهنّ وسلّمتَ تقول: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» مائة مرة -وقد روي سبعين مرة- و«أستغفر الله» مائة مرة، -وقد روي سبعين مرة-، و«صلّى الله على محمّد وآل محمّد» مائة مرة، وقد روي سبعين مرة)[40].
وكتاب «المختصر من المنتخب» لم يُعرَفْ مؤلّفه، وإنْ كانت بعض المنقولات عنه تُبرز صبغةً شيعيّةً[41]، ولم يُذكر للرواية إسنادٌ، كما أنّ الكيفيّة الثّانية تُشبه إلى حدٍّ ما بعض صلوات العامّة في هذه الليلة ممّا رواه الحافظ أبو موسى المدينيّ في «دستور المذكّرين»، وقد تقدّم ذكرها في الرواية الثّالثة المنقولة عن أبي أمامة عن النبيِّ.
وهذه الرّواية وإن كانت من كتابٍ مؤلِّفُه شيعيٌّ على الظّاهر إلّا أنّه لا يُعرَف مأخذها ولا إسنادها، ومن المحتمل بقوّة أن تكون من صلوات العامّة لشباهتها بها، ولذا لا يُكتفى بمثل هذه الرواية في إثبات كون هذه الليلة من ليالي العبادة والإحياء.
ثُمّ ذكرَ السيّد ابن طاوس الدّعاءَ بطوله عن كتاب الرياض -وهو غير معروفٍ أيضاً- وفي أواخر الدّعاء صلاة بتراء من دون ذكر الصّلاة على آل محمّد[42].

ذكر القرائن المؤيّدة لاستبعاد صدور هذه الروايات

بعد التأمّل في الروايات المذكورة، نذكر جملة من القرائن التي تبعث على الرّيب في صدور روايات إحياء ليلة العاشر -فضلاً عمّا ذكرناه من الإشكالات في كلّ موضع سابق-، ومنها:
القرينة الأولى: إنّ الأعمال المذكورة في إحياء ليلة العاشر من المحرّم مأخوذةٌ من كتب العامّة، أو كتبٍ مجهولةٍ لا يُعرف مؤلّفوها، وبهذا لا يظهر أنّ هذه الأخبار نابعةٌ من الكتب المعتبرة في تراث الإماميّة المتقدّمين.
القرينة الثّانية: إنّ معظم الأخبار المرويّة لبيان فضل الإحياء في هذه الليلة مرويّةٌ عن النبيّ -صلى الله عليه وآله- وليس فيها إلّا رواية واحدةٌ عن أمير المؤمنين عليه السلام -سيأتي ذكرها والكلام حولها-، وهذا يلوّح بكون تلك الروايات عاميّة المصدر، فإنّ هذا لم يكد يتّفق حدوثه في روايات ليالي الإحياء في شهور السّنة كلها، فما من ليلةِ إحياءٍ إلّا وكان أكثر أخبارها عن أئمّة أهل البيت -عليهم السّلام-، وإذا كانت هذه الليلة من ليالي الإحياء حقّاً، فلم لم يظهر ذلك من سيرة الأئمّة -عليهم السّلام- ولم يروَ عنهم فيها شيءٌ؟! فهذا مما يؤيّد عدم جريان سيرتهم -عليهم السّلام- على الاهتمام بإحياء هذه اللّيلة.
القرينة الثّالثة: من الأمور اللّافتة للنظر أيضاً خلوّ هذه الأعمال من التعرّض لذكر سيّد الشهداء -عليه السّلام- ومصيبته، بينما إذا عاينّا أعمال ليلة النّصف من شعبان، فمع كونها من السّنن المأثورة قبل ولادة صاحب الزّمان -عليه السّلام- إلّا أنّه أُثرت فيها أعمال تعرّضت لذكره الشّريف -عجّل اللهُ فرجَه-، وقد اعتنى الأئمّة -عليهم السّلام- باستحضار ذكر سيّد الشهداء -عليه السّلام- في مواضع عديدة ليست قريبةً زماناً من يوم عاشوراء، فحثّوا على زياته في الأوّل من رجب والنصف من شعبان ويوم عرفة والعيدين، وليلة عاشوراء أولى بأن تكون مشحونةً بذكر سيّد الشهداء ومع ذلك لا تكاد تجدُ ذكراً له في هذه الأعمال.
القرينة الرّابعة: من الأمور التي تزيد الرّيب في صحّة هذه الروايات -بعد الالتفات إلى خلوّ الأصول الحديثية عند الإماميّة منها- قوّةُ دواعي الوضع عند رواتها بحسب ما يظهر من الظّروف الزمانيّة والمكانيّة لظهور هذه الأحاديث؛ وذلك لوجود اتّجاه سياسي دينيّ يعمل على تحويل يوم عاشوراء إلى يوم بهجة وشكر وتوسعة وعبادة.
القرينة الخامسة: الظّاهر من روايات الأئمّة -عليهم السّلام- أنّ الإحياء عادةً ما يكون في ليالي الأعياد كما في ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى أو الليالي المباركة التي تُعرف بالخير والبركة واستجابة الدّعاء كما هو الحال بالنسبة إلى ليلة النّصف من شعبان وليالي القدر، وليلة عاشوراء ليست كذلك عند أهل البيت -عليهم السّلام-، بل هي ليلة حزن وعزاء وزيارة، ويوم عاشوراء من الأيام التي نُعتِتْ بالشّؤم -كما في خبر جعفر بن عيسى عن الرّضا عليه السّلام- ورُتّب على ذلك أثرٌ بأنّه ليس يوم صومٍ، فلا يُترقّب أن تكون ليلة العاشر من ليالي الإحياء التي يُطلب فيها الخير والبركة بالصّلاة والدّعاء والتضرّع، ومن هنا نُلاحظ أنّه لا يوجد انسجام بين طبيعة هذه الأعمال المرويّة في إحياء هذه الليلة وبين ما لهذه الليلة من خصوصيّات عند أئمّتنا -عليهم السّلام-، بل إنّه قد نُهِي عن بعض العبادات في عاشوراء؛ وهذا النّهي الصّادر من الأئمّة -عليه السّلام- إنّما هو مضادّة للأكاذيب الأمويّة التي بُثّت في الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ -صلى الله عليه وآله- بالحثّ على العبادة والتوسعة.
روى الكلينيّ بإسناده عن جعفر بن عيسى، قال: (سألت الرضا -عليه السلام- عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني؟! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين -عليه السلام-، وهو يوم يتشأم به آل محمّد -صلى الله عليه وآله- ويتشأم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشأم به أهل الإسلام لا يُصام ولا يتبرك به)[43]، فنجدُ أنّ الإمام قد نهى عن الصّوم مع كونه عملاً حسناً في نفسه، وليس ذلك إلّا لعدم وجود المناسبة بين هذا العمل وذلك الوقت المعيّن.
وروى أيضاً بإسناده عن زيدٍ النرسيّ، قال: (سمعتُ عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله -عليه السلام- عن صوم يوم عاشوراء، فقال: من صامه كان حظُّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وآل زياد. قال: قلت: وما كان حظُّهم من ذلك اليوم؟ قال: النار، أعاذنا الله من النار، ومن عملٍ يقرب من النار)[44]، وهنا نرى أنّ الإمام يبيّن أنّ الصوم مع كونه عبادة توجب الثواب إلّا أنّه أوجب العقوبة هاهنا؛ لدخول عاملٍ آخر يسعى إلى تحويل يوم عاشوراء من يوم شؤم ومصيبة وعزاء إلى يوم طاعةٍ وشكرٍ وقربةٍ؛ رغبةً منهم في البركة وإغفالاً للنّاس عن مصيبة الحسين -عليه السّلام-.
ورُوي أنّ الصّادق -عليه السّلام- سُئل عن صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء فقال: (تاسوعاء يومٌ حوصر فيه الحسين عليه السّلام وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشّام، وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه كرّم الله وجوههم، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السّلام ناصرٌ، ولا يمدّه أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب).
ثم قال: (وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين -عليه السلام- صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله عراةً، أفصومٌ يكون في ذلك اليوم؟! كلا وربّ البيت الحرام، ما هو يومُ صومٍ، وما هو إلّا يوم حزنٍ ومصيبةٍ دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرحٍ وسرورٍ لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشّام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرّك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطاً عليه، ومن ادّخر إلى منزله ذخيرةً أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك)[45]، وقول الإمام هنا ظاهرٌ في حصر يوم عاشوراء بالحزن والمصيبة، فليس هو من أوقات ذلك النوع من العبادات، والنكتة نفسها تجري في شأن ليلة عاشوراء أيضاً، فهي ليلة حزن وعزاء أيضاً.
وروى الشيخ الصّدوق بإسناده عن الرّضا -عليه السّلام-: (من ترك السّعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر فيه لمنزله شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد -لعنهم الله- إلى أسفل درك من النار)[46]، وهذه الرواية ردٌّ من الإمام على روايات التوسعة التي افتراها بنو أميّة، ورواها العامّة، وهذا يشير إلى موقف أهل البيت -عليهم السّلام- المعارض لمفتريات الأمويين في شأن عاشوراء.

 قراءة أخرى في روايات أعمال ليلة العاشر

قال الشّيخ المفيد في «المقنعة»: (ويغلظ عقاب من أتى محظوراً في ليالي الجمع وأيّامها، وليالي العبادات وأيّامها، كليلة النّصف من شعبان، وليلة الفطر ويومه، ويوم سبعة وعشرين من رجب، وخمسة وعشرين من ذي القعدة، وليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول ويومه، وليلة الغدير ويومه، وليلة عاشوراء ويومه)[47].
وروى الشّيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» مرسلاً: (وروى الحارث بن عبد الله عن عليٍّ ݠ، قال: إنِ استطعتَ أن تحافظ على ليلة الفطر وليلة النّحر وأول ليلة من المحرم وليلة عاشوراء وأول ليلة من رجب وليلة النّصف من شعبان فافعل، وأكثر فيهنّ من الدّعاء والصّلاة وتلاوة القرآن)[48].
ومن الممكن أنّ يُقال إنّ قول الشّيخ المفيد ومرسلة الشيخ الطوسيّ يشيران إلى وجود بعض الأحاديث في إحياء ليلة عاشوراء بالعبادة، وأنّ هذا الأمر كان في سيرة النبيِّ صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام، إلّا أنّ هذه السنّة لم تظهر جليّةً في سيرة الأئمّة من بعدهما، ولعلّ الوجه في ذلك: أنّ يوم عاشوراء قبل نزول شهر رمضان كان يوم صيامٍ بحسب ما تفيده جملةٌ من الأخبار، فيناسب أن تكون ليلته ليلة عبادة، ثمّ لمّا نُسخ صوم عاشوراء بنزول شهر رمضان ارتفت خصوصيّة هذا اليوم وليلته، ثمّ إنّ الأئمّة بعد قتل الحسين عليه السّلام بالغوا في النّهي عن العبادات المخصوصة في عاشوراء فتأكّد بذلك عدم محبوبيّة الإحياء نبذاً ومخالفةً لسيرة النّواصب الذين كانوا يتعبدون طلباً للبركة والخير في يوم عاشوراء وليلته. هذا كلّه على تقدير صحّة ما رُوي عن النبيّ -صلّى الله عليه وآله-، وإلّا فإنّ مجموع هذه الأخبار لا يورث اطمئناناً بكون هذه اللّيلة من ليالي الإحياء.
روى الكلينيّ بإسناده عن نجيّة بن الحارث العطّار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صوم يوم عاشوراء، فقال: (صومٌ متروكٌ بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة)[49].
وروى بإسنادٍ آخر عن زرارة عن الباقر والصّادق عليهما السلام: (لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصرٍ من الأمصار)[50].
وروى الكلينيّ بإسناده عن أبي الجارود عن الباقر عليه السلام: (فرض الله عزّوجلّ على العباد خمساً، أخذوا أربعاً وتركوا واحداً. قلت: أتسمّيهنَّ لي، جُعلت فداك؟ فقال: الصّلاة، وكان النّاس لا يدرون كيف يصلّون، فنزل جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد، أخبرهم بمواقيت صلاتهم. ثمّ نزلت الزّكاة، فقال: يا محمّد، أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم. ثمّ نزل الصّوم فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل صوم شهر رمضان بين شعبان وشوّال...)[51].
قال المازندرانيّ: (وفيه دلالةٌ على أنّه نُسِخَ صوم عاشوراء بصوم هذا الشّهر)[52].
وقد روى بعض علماء العامّة ما يشهد لهذا الأمر، فقد روى أبو داود الطيالسيّ بإسناده عن جابر بن سمرة، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام عاشوراء ويحثُّنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فُرِضَ رمضان لم يأمرنا به ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده)[53].
وروى أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (دخل الأشعث بن قيس على عبد الله -يعني: ابن مسعود-، يوم عاشوراء وهو يتغدى، فقال: يا أبا محمّد، ادنُ للغداء، قال: أوليس اليوم عاشوراء؟ قال: وتدري ما يوم عاشوراء؟ إنّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان، فلما أنزل رمضان ترك)[54].
وروى بإسنادٍ آخر عن عبد الله بن عمر أنّه قال في صوم يوم عاشوراء: (صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه، فلما فُرِضَ رمضان تُرِكَ)[55].
وروى بإسنادٍ آخر عن قيس بن سعد بن عُبادة: (أمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نصوم عاشوراء قبل أن ينزل صيام رمضان، فلما نزل صيام رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا، ونحن نفعله)[56].
وروى بإسنادٍ آخر عن عائشة: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلمّا نزل صوم رمضان، كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فكان من شاء صامه، ومن شاء لم يصمه)[57].
والحاصل من هذه الأخبار وغيرها أنّ صوم يوم عاشوراء هو نافلةٌ منسوخةٌ بنزول شهر رمضان، وتأكّد ذلك بعدول الأئمّة عليهم السلام عن هذه السّيرة بعد مقتل الحسين عليه السلام نبذاً لموافقة النّواصب، وعلى أيّ تقديرٍ فهذا يبيّن أنّ هذا اليوم كان يمتاز بخصوصيّة -ولو بمرتبةٍ معيّنةٍ- قبل نزول شهر رمضان، فمن غير المستبعد أن تكون ليلة عاشوراء كذلك، فتكون من ليالي الإحياء بالعبادة، لما ليومها من فضلٍ، وهذا يبرز الوجه في كون معظم روايات الإحياء عن النبيِّ صلى الله عليه وآله، إلّا أنّه لمّا نزل صوم شهر رمضان أعرض النبيّ صلى الله عليه وآله عن صوم هذا اليوم وإحياء ليلته.
وعلى ما تقدّم يكون إحياء ليلة العاشر من المحرّم في سيرة النبيِّ صلى الله عليه وآله من التنفّل بالعبادة، وقد عدل عنه بعد نزول شهر رمضان، ولمّا قُتل الحسين عليه السلام تأكّد إعراض الأئمّة عن إحيائها، وهذا هو السّبب في عدم وجود رواياتٍ في شأن ليلة العاشر في سيرة الأئمّة من بعد الحسين عليه السلام، حيث إنّهم عدلوا عن إحيائها لأنها نافلة منسوخة بنزول شهر رمضان -وفيه نوافل بديلة-، وتأكّد الإعراض عنه بعد مقتل الحسين صلوات الله عليه، وعلى فرض عدم ثبوت الأوّل -وهو وجود الخصوصية ثمّ نزول النّسخ- فلا مناص من التسليم بالثّاني وأنّ سيرتهم بعد مقتل سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء لم يظهر فيها أيّ اعتناء بإحياء هذه اللّيلة بالعبادة.
والحاصل: إنّ معظم كتب الحديث عند الإماميّة خاليةٌ من الإشارة إلى وجود خصوصيّة في ليلة عاشوراء في سيرة النبيِّ صلى الله عليه وآله، ورواية الشّيخ الطوسيّ في مصباحه مرسلة لا يمكن البناء عليها لاستفادة مثل هذا الأمر، ومن هنا يمكن القول بأنّ إحياء ليلة العاشر من المحرّم غير ثابتٍ في سيرة النبيّ والأئمّة عليهم السّلام، وأنّ هذه الأخبار المذكورة في إحيائها إمّا أنّها ناظرةٌ إلى نافلةٍ منسوخةٍ -وهذا قد يكون السرّ في إعراض قدماء الإماميّة عن الاهتمام بها-، أو أنّها مجعولة من قبل الوضّاعين عند العامّة -ولا سيّما أنّ جملةً وافرةً منها هي من كتبهم وبأسانيدهم-، وعلى تقدير التّسليم بوجود مثل هذه السّيرة فلا مناص من التسليم بكونها منسوخة، بل مع التّسليم بكونها نافلةً منسوخةً لا مناصّ من التّسليم بأنّ جملةً من هذه الأخبار موضوعةٌ لما يظهر عليها من أمارات الكذب وتناقلها عبر رواةٍ غير موثوقين في أخذ الدّين عنهم، فضلاً عن المبالغات الشّديدة في متونها بشأن ثواب هذه اللّيلة بلحنٍ غريبٍ لا يشبه حديث الثّقات وهو أشبه بلحن أحاديث الرّواة الوضّاعين عند العامّة.

الأمر الثالث: حول إحياء سيّد الشهداء -عليه السّلام- ليلة العاشر من المحرّم

ذكر المؤرّخون أنّ الحسين -عليه السّلام- قد أحيا ليلة العاشر من المحرّم بالصّلاة والدّعاء وتلاوة القرآن، فقد نقل الحافظ ابن كثير عن أبي مخنف روايةً طويلةً وفيها: (وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون، وخيول حرس عدوِّهم تدور من ورائهم، عليها عزرة بن قيس الأحمسي والحسين يقرأ: «ولَا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا أنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليَزْدَادُوا إثْماً ولَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ • مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»)[58].
وقال السيّد ابن طاوس: (قال الراوي: وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويِّ النّحل ما بين راكعٍ وساجدٍ وقائمٍ وقاعدٍ)[59].
ولكن لا يُستفاد من هذا أنّ الإحياء في هذه الليلة مسنونٌ بخصوصه؛ فإنّ إحياء سيّد الشهداء -عليه السّلام- وأصحابه كان لعلّة خصوصيّة الظّرف (الزّمان والمكان) حيث كان اليوم اللّاحق يوم قتالٍ وشهادةٍ، ولو كان هذا الأمر معمولاً به من باب العمل بالسُّنّة لظُفِر به في سيرة الأئمّة -عليهم السّلام-، ولظهر ذلك في روايات الإماميّة عنهم، ولكنّك قد عرفت عدم ورود شيء معتبرٍ يحضّ على إحياء هذه الليلة، وأنّه لم يرد في شأنها ما يثبت أنّها من ليالي الإحياء.
ولذا فالمتعيّن -والذي يلائم خصوصيّة يوم عاشوراء- أن تكون ليلته ليلة عزاء وزيارة، فلا ينبغي التّقصير في إقامة مجالس العزاء والمحافظة على مظاهر الحزن والجزع على مصيبة سيّد الشهداء -صلوات الله عليه-، وإحياء هذه الليلة بهذه الأعمال.
روى الثقة الجليل ابن قولويه القميّ: (حدثني أبي وأخي وجماعة مشايخي، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن علي المدائني، قال: أخبرني محمّد بن سعيد البلخيّ، عن قبيصة، عن جابر الجعفي، قال: دخلت على جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم عاشوراء، فقال لي: هؤلاء زوار الله وحقٌّ على المزور أن يكرم الزائر، من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطخاً بدمه كأنما قُتِلَ معه في [عرصته][60])[61].
وهذه تدلّ على استحباب المبيت عند سيّد الشهداء -عليه السّلام- في هذه الليلة، وتختصّ بالحثّ على المبيت في الحائر الحسينيّ، ولا يظهر منها ما يتعلّق بكون هذه الليلة من ليالي الإحياء المسنون لمن هم خارج تلك البقعة الشريفة.

نتائج البحث:
1- لم يتضمّن تراث الإماميّة المتقدّمين إلى القرن الخامس الهجريّ - في الكتب الجامعة والمعتمدة- شيئاً من الروايات في فضل إحياء ليلة العاشر من المحرّم بالعبادة، ومن هنا يضعف الوثوق بكون هذه الليلة من ليالي الإحياء المسنون بالعنوان الخاصّ. نعم؛ انفرد الشيخ الطوسيّ بروايةٍ مرسلةٍ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ذكرنا توجيهاً آخر لها على فرض صدورها، وأنّه من المحتمل أن تكون العبادة في ليلة عاشوراء نافلة منسوخة بعد نزول شهر رمضان، وتأكّد ذلك بعد مقتل الحسين عليه السلام، ويؤيّد ذلك عدم ظهور هذا الأمر في سيرة الأئمّة عليهم السلام ولا سيّما بعد مقتل الحسين.
2- جميع الروايات التي نقلها السيّد ابن طاوس رحمه الله في فضل إحياء هذه الليلة إمّا من مصادر عاميّة أو مجهولة الهويّة لم نتمكّن من التعرّف على وثاقة مؤلّفيها أو مذاهبهم أو مصادرهم التي نقلوا عنها.
3- تشير الشّواهد التاريخيّة الكثيرة إلى أنّ بني أميّة -لعنهم الله- قد أكثروا من وضع الأحاديث في فضل الأعمال الحسنة في ليلة عاشوراء ويومها، وحيثُ إنّ مصدر أكثر هذه الأخبار من كتب العامّة فيمكن الاطمئنان بأنّ جملةً من هذه الأحاديث موضوعة؛ لقوّة دواعي الكذب عندهم وشدّة سعي النّواصب في ذلك، ويعزّز ذلك شهادة علماء الرّجال عند العامّة بوجود وضّاعين في أسانيدها، فضلاً عمّا في متونها من الاضطراب والكذب والمبالغة.
4- إنّ نهي الأئمّة -عليهم السّلام- عن بعض العبادات في عاشوراء، وإشارتهم إلى عدم التلاؤم بين طبيعة تلك الأعمال وما عليه يوم عاشوراء من الشؤم يشير إلى أنّ هذا اليوم وليلته ليسا من سنخ ليالي وأيّام العبادة التي سُنَّ إحياؤها؛ فإنّ العبادات المأثورة في ليالي الإحياء عادةً ما تكون في ليالي الأعياد أو في ليالي الخير والبركة، وقد عرفت وصف عاشوراء بالشؤم، فليس هو من مظانّ هذا النوع من القربات، ومن هنا يقوى استبعاد ورود نصوصٍ عن الأئمّة -عليهم السّلام- في الحث على الصّلاة والدّعاء وفعل الخيرات -على نحو الخصوصيّة والتعبّد به في هذه الليلة-.
والحاصل: لم يثبت من وجهٍ شرعيٍّ معتبرٍ أنّ إحياء ليلة العاشر من المحرم من السّنن المأثورة عن الأئمّة الطّاهرين عليهم السّلام، وإنّما الرّاجح في هذه اللّيلة هو إحياؤها بإقامة العزاء وذكر المصائب الجليلة التي حلّت بآل الرّسول -صلوات الله عليهم أجمعين-، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال العلّامة المجلسيّ: (ثم اعلم أن بعض الأصحاب يرجعون في المندوبات إلى أخبار المخالفين ورواياتهم ويذكرونها في كتبهم، وهو لا يخلو من إشكالٍ؛ لورود النهي في كثيرٍ من الأخبار عن الرجوع إليهم والعمل بأخبارهم، لا سيّما إذا كان ما ورد في أخبارهم هيئة مخترعة وعبادة مبتدعة لم يُعهَد مثلها في الأخبار المعتبرة)، انظر: بحار الأنوار، ج2، ص257.
[2] علل الشرائع، ج2، ص42، رقم الحديث 403، الباب 162: باب العلّة التي من أجلها صار يوم عاشوراء أعظم الأيّام مصيبة، ح1.
[3] الأمالي، ص189-190، رقم الحديث 198، المجلس 27، ح1.
([4] روى الشيخ الطوسيّ بإسناده عن عليّ بن الحسن، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن كثير النواء، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجوديّ فأمر نوح عليه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر عليه السلام: «أتدرون ما هذا اليوم؟! هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه على آدم وحواء عليهما السلام، وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه السلام، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام»، انظر: تهذيب الأحكام، ج4، ص375، كتاب الصّيام، باب وجوه الصّيام وشرح جميعها على البيان، ح14. وهذا الخبر محمولٌ على التقيّة ولا سيّما أنّ راويه كثير النواء وهو بتريٌّ، وهو يوافق أخبار العامّة في تعظيم يوم عاشوراء والتي ذكروا فيها أحداث كثيرة اتّفق وقوعها كلّها في هذا اليوم، وقد تعرّض لهذا الفيض الكاشانيّ في (الوافي، ج11، ص76-77،) وقدّم خبر ميثم التمّار على رواية كثير النواء.
[5] الأمالي، ص667، رقم الحديث 1397، المجلس 36، ح4.
[6] مصباح المتهجّد، ص775.
[7] الجامع لشُعب الإيمان، ج5، ص334، رقم الحديث 3517.
[8] الضعفاء، ج3، ص144، رقم الترجمة 1256، رقم الحديث 1213.
[9] الضعفاء، ج3، ص467، رقم الترجمة 1624، رقم الحديث 1555.
[10] الفردوس بمأثور الخطاب، ج3، ص605، رقم الحديث 5897.
[11] الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ج2، ص432، رقم الحديث 1004.
[12] الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ج2، ص433-434، رقم الحديث 1005.
[13] كذا في المطبوع، والصحيح: (سريج).
[14] الموضوعات، ج2، ص567-569، رقم الحديث 1140.
[15] الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ج2، ص570-571، رقم الحديث 1141.
[16] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، ص110-111.
[17] الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ج2، ص567.
[18] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج2، ص131.
[19] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ج25، ص309-310.
[20] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ج24، ص202.
[21] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ج25، ص300.
[22] منهاج السنّة النبوية، ج7، ص39.
[23] المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ص103-104.
[24] فتح المعين بشرح قرّة العين بمهمّات الدين، ص280.
[25] موسوعة مؤلّفات محمد بن عبد الوهاب، المجلّد الثالث (آداب المشي إلى الصّلاة)، ص52.
[26] الإقبال، ج3، ص45.
[27] الإقبال، ج3، ص44.
[28] سير أعلام النبلاء، ج15، ص345.
[29] قال ما ترجمته: (آن گونه كه از اسناد و متون نقل شده در آن بدست مى آيد گويا تمايل صريح شيعى نداشته، گرچه مشتمل بر روايتى بوده كه استحباب ادعيه را در شب عاشورا متذكر مى‌شده است)، انظر: كتابخانه ابن طاوس، ص247
[30] الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، ج2، ص432، رقم الحديث 1004.
[31] ميزان الاعتدال، ج3، ص656، رقم الترجمة 7989.
[32] الإقبال، ج3، ص46.
[33] قال الحافظ الذهبيّ في ترجمته: (وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، وهو الأُسوار، الإمام، العلامة، الأخباري، القصصي، أبو عبد الله الأبناوي، اليماني، الذماري، الصنعاني)، ثم قال: (وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب)، انظر: سير أعلام النبلاء، ج4، ص544-545.
[34] انظر: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، ج1، ص309-319، رقم الحديث 205.
[35] إسناد الصّدوق: (حدّثنا محمّد بن أبي إسحاق بن أحمد اللّيثيّ، قال: حدّثنا محمد بن الحسين الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو الحسين علي بن محمّد بن علي المفتي، قال: حدثنا الحسن بن محمّد المروزيّ، عن أبيه، عن يحيى بن عياش، قال: حدّثنا عليّ بن عاصم، قال: حدّثنا أبو هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله..).
[36] الأمالي، ص627-632، رقم الحديث 844، المجلس 80، ح1.
[37] الإقبال، ج3، ص46-47.
[38] الإقبال، ج3، ص47.
[39] الإقبال، ج3، ص47.
[40] الإقبال، ج3، ص48.
[41] الإقبال، ج3، ص70.
[42] الإقبال، ج3، ص49-50.
[43] الكافي، ج7، ص593-594، رقم الحديث 6582، كتاب الصّيام، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح5.
[44] الكافي، ج7، ص594، رقم الحديث 6583، كتاب الصّيام، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح6.
[45] الكافي، ج7، ص594-596، رقم الحديث 6584، كتاب الصّيام، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح7.
[46] الأمالي، ص191، رقم الحديث 201، المجلس 27، ح4/علل الشرائع، ج2، ص43، رقم الحديث 404، الباب 162: باب العلّة التي من أجلها صار يوم عاشوراء أعظم الأيّام مصيبة، ح2.
[47] المقنعة، ص782.
[48] مصباح المتهجد، ص852-853.
[49] الكافي، ج7، ص592، رقم الحديث 6581، كتاب الصّيام، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح4.
[50] الكافي، ج7، ص591-592، رقم الحديث 6580، كتاب الصّيام، باب صوم عرفة وعاشوراء، ح3.
[51] الكافي، ج2، ص14-15، رقم الحديث 764، كتاب الحجّة، باب ما نصَّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة عليهم السّلام واحداً فواحداً، ح6.
[52] شرح أصول الكافي، ج6، ص123.
[53] مسند أبي داود الطيالسي، ج2، ص135، رقم الحديث 821.
[54] مسند أحمد بن حنبل، ج7، ص123، رقم الحديث 4024.
[55] مسند أحمد بن حنبل، ج8، ص63، رقم الحديث 4483.
[56] مسند أحمد بن حنبل، ج24، ص224، رقم الحديث 15477.
[57] مسند أحمد بن حنبل، ج40، ص278-279، رقم الحديث 24230.
[58] البداية والنهاية، ج11، ص532.
[59] الملهوف على قتلى الطفوف، ص154.
[60] في المطبوع: (عصره)، والظّاهر أنّ الصّحيح ما أثبتناه.
[61] كامل الزيارات، ص345، رقم الحديث 546، الباب 71: باب ح1.

السبت، 30 ديسمبر 2023

هل نقل أبو تمّام شعراً عن جابر بن حيّان الكوفيّ في ديوان الحماسة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
هل نقل أبو تمّام شعراً عن جابر بن حيّان الكوفيّ في ديوان الحماسة؟


ورد في (ديوان الحماسة) لأبي تمّام بتحقيق الدّكتور عبد الله بن عبد الرّحيم عسيلان ما نصّه:
(وقال جابرُ بن حيّان:
فإن يقتسم مالي بَنِيَّ ونسوتي ** فلن يقسموا خُلقي الجميل ولا فعلي
أهين لهم مالي وأعلمُ أنّني ** سأورثه الأحياء سيرةَ مَنْ قبلي
وما وجد الأضياف فيما ينوبهم ** لهم عند عِلَّاتِ الزَّمانِ أباً مثلي)[1].
وقد يُقال: إنّ أبا تمّام قريبُ العهد بجابر بن حيّان الكوفيّ؛ فإنّهُ مات سنة 228 أو 231 أو 232 هجريّة كما ذُكر في ترجمته[2]، ونقله الشّعر عنه يشير إلى وجوده الحقيقيّ.

الجواب: نعم؛ ورد هذا النّقلُ في (ديوان الحماسة) لأبي تمّام، ولكن قد اختُلِفَ في ضبط اسم الشّاعر المذكور على عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ اسمه (جابر بن حُبَاب) بضمّ الحاء وفتح الباء الموحّدة.
وهذا الضّبط قد ذُكر في هامش نسخةٍ منسوخةٍ عن نسخةٍ بخطّ أبي الفتح ابن جنّي، وهي محفوظة في مكتبة عاطف باشا بتركيا، برقم (2041)، وفي هامش نسخةٍ منسوخةٍ عن نسخةٍ بخطِّ الشيخ أبي زكريّا يحيى بن عليّ الخطيب التبريزيّ شارح الحماسة، وهي محفوظة في مكتبة فاضل أحمد بتركيّا برقم (1237).
وضبطه المرزوقيّ في شرحه لديوان الحماسة بهذا النّحو أيضاً[3]، وقد توثّقنا من ضبط المطبوع بالنّظر في نسخةٍ خطيّة محفوظة في مكتبة نور عثمانيّه بتركيا برقم (3999)، وتاريخ نسخها يعود إلى سنة 671 هجريّة.
الوجه الثّاني: أنّ اسمه (جابر بن خبّاب) بفتح الخاء المُعجمة وتشديد الباء الموحّدة.
وهذا الضّبط ذكره أبو القاسم زيد بن عليّ الفارسيّ في (شرح كتاب الحماسة)[4].
وقد أشار السيّد فضل الله الرّاونديّ في «الحماسة ذات الحواشي» إلى هذا الضّبط أيضاً فقال: («وقال جابر بن حيّان» أبو رياش هكذا، ويُروى «خُبَاب»، ويُروى «خَبّاب»، البياريّ: «حُباب»).
الوجه الثّالث: أنّ اسمه (جابر بن حيّان) بفتح الحاء وتشديد الياء.
وهذا قد ضُبط في جملةٍ من النّسخ، ولكن ذكر بعض الأدباء أنّ هذا الرّجل هو جابر بن حيّان الجعديّ، أحد الشّعراء الإسلاميّين.
قال الدّكتور محمّد عثمان عليّ في تحقيقه لشرح الحماسة لأبي القاسم الفارسيّ عند تعرّضه لموضع الخلاف: (ثمّة اضطراب في أبيات هذا الشّاعر، فهو عند المصنّف «خبّاب» بالخاء والباء المشدّدة، وعند المرزوقيّ: «حُبَاب» بحاءٍ مضمومةٍ وباءٍ مفتوحةٍ، وعند التبريزيّ «حيّان» بحاءٍ وياءٍ مشدّدةٍ، وأظنُّه الصّحيح لأنّي وجدتُ في هامش الأصل عن الشيخ أبي طاهر الشّيرازيّ: «هو جابر بن حيّان الجعديّ، إسلاميّ»)[5].
وقد اعتمد المحقّق المذكور في تحقيق هذا الشّرح على نسخةٍ فريدةٍ كُتبت سنة 438 هجريّة وقُوبِلت أشعارها مع نسخة قرأها النّاسخُ على أبي طاهر الشّيرازيّ، وقد صرّح الناسخ بأنّه نقل عنها في حواشي نسخته، قال في آخر النّسخة: (قابلتُ أشعارَ الحماسة من أوّل الكتاب إلى آخره دون الشّروح بالنّسخة التي قرأتها على الشيخ الإمام أبي طاهر عليّ بن عبيد الله الشّيرازيّ ونقلتُ حواشيها إلى حواشي هذه النّسخة من الرّوايات الصّحيحة والأسامي المصحّحة لشعراء الحماسة..).
وأبو طاهر هو الأديب اللّغويّ عليّ بن عُبيد الله الشّيرازيّ، ذكره الباخرزيّ في (دمية القصر) فقال: (ارتبطه الصاحب نظام الملك، حرس الله دولته، لحُسْنِ خَطّه وفوز قِدْحِه من الأدب، ووفور قسطه. فلم تنفّسه المدّة، ولا نفعته العدّة حتّى انتقل إلى جوار ربّه. ورأيتُ في الخزانة النظاميّة بنيسابور ديوان شعره بخطّ يده..إلخ)[6].
وقد وقع في بعض أسانيد أبي طاهر السّلفي مُنعوتاً بـ(اللّغويّ)[7].
ثُمّ إنّي وجدتُ بعد ذلك في نسخةٍ من شرحٍ منسوبٍ لابن فارس -محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإيراني- وفيها ينصُّ المؤلّف على أنّ قائل هذه الأبيات هو الجعديّ أيضاً.

والحاصل: إنّ النسخ قد اختلفت في ضبط اسم صاحب هذا الشّعر، وعلى الوجهين الأوّلين فليس هو جابر بن حيّان الكوفيّ كما هو واضح، وعلى الوجه الثّالث قد ذكر بعض أهل الأدب أنّه جابر بن حيّان الجعديّ، وأمّا جابر بن حيان الكوفيّ فلا يُعلم من المذكور في ترجمته أنّه جعديٌّ.

(1) ديوان الحماسة، نسخة مكتبة عاطف باشا - تركيا، رقمها (2041).

(2) ديوان الحماسة، نسخة مكتبة فاضل أحمد - تركيا، رقمها (1237).

(3) شرح الحماسة للمرزوقيّ، نسخة مكتبة نور عثمانيه - تركيا، رقمها (3999)

(4) صورة عن مخطوط كتاب (الحماسة ذات الحواشي) للسيّد فضل الله الراونديّ

(5) صورة عن مخطوط الشرح المنسوب لابن فارس (مكتبة مجلس الشورى الإيرانيّ)

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحماسة، ج2، ص341.
[2] سير أعلام النبلاء، ج11، ص67.
[3] شرح ديوان الحماسة، ج2، ص1199.
[4] شرح كتاب الحماسة، ج2، ص315.
[5] شرح كتاب الحماسة، ج2، هامش ص315.
[6] دمية القصر وعُصرة أهل العصر، ج1، ص488.
[7] معجم السفر، ص91، رقم الحديث 292.

الخميس، 30 نوفمبر 2023

دراسة حول شخصيّة جابر بن حيّان في التّراث الإسلاميّ

بسم الله الرّحمن الرّحيم
دراسة حول شخصيّة جابر بن حيّان في التّراث الإسلاميّ

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين، أمّا بعدُ:

فإنّ شخصيّة جابر بن حيان الصوفيّ من الشخصيّات المثيرة للجدل في التراث الإسلاميّ، وذلك لامتياز ما نُسب إليه من علومٍ ومكانةٍ من جهةٍ، ولما وقع من تشكيك في وجوده من جهةٍ أخرى، ولا يخفى أنّ إبداء النّظر في مسألة وجوده أو عدمه تستلزم استقصاء ما نُقل حول شخصيّته في التراث الإسلاميّ أولاً، والنّظر في ما وصل إلينا من تراثٍ منسوبٍ إليه ثانياً، وبناءً على هذا، يمكن التّحقيق في مسألة وجود هذه الشّخصية، وكذلك تحديد البيئة التي خرج منها هذا التّراث المنسوب إليها.
وتكمن أهميّة الحديث في هذه المسألة أنّ التحقيق في مسائل التراث العربيّ والإسلاميّ يقرّب الباحث إلى تصوّرات أكثر دقّة وواقعيّة خلال دراسة التراث، وتحول دون استنباط نتائج خاطئة في دراسة تاريخ العرب والإسلام، بالإضافة إلى أنّ هذه المسألة ترتبط بسيرة الإمام الصّادق عليه السّلام من جهة دعوى ارتباط هذه الشخصيّة به -صلوات الله عليه-، والتحقيق في سيرة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ذو فوائد جمّة، ولا سيّما في ما يرتبط بتحليل سيرتهم وعرضها في إطار فهم منهج أهل البيت صلوات الله عليهم، فإنّ تحقيق المسائل المرتبطة بسيرتهم بدقّة يساعد في تقديم صورة أكثر وضوحاً حول تاريخهم ومنهجهم -صلوات الله عليهم أجمعين-.

[1] جابر بن حيّان في التراث الإسلاميّ.
لا نجدُ ذكراً لجابر بن حيان في مصنّفات الشّيعة الرّوائيّة سواءً في الأسانيد أو في المتون، خلا رواية واحدة في كتاب «طب الأئمّة»[1]، وهو من الكتب التي لا تتوفر فيها صفات الاعتبار. كما لم نجد له ذكراً في كتب الرّجال. نعم؛ أقدمُ نصٍّ عثرنا عليه هو من كلام ابن النّديم في فهرسته، وقد ذكر الاختلاف في وجوده، وهذا يبيّن أنّ التشكيك في وجوده لم يكن طارئاً في القرون الأخيرة، وإنّما كان مبدؤه في عصر المتقدّمين.
قال ابن النّديم: (هو أبو عبد الله جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفيّ، المعروف بالصوفيّ، واختلف النّاس في أمره، فقالت الشّيعة إنه من كبارهم وأحد الأبواب، وزعموا أنّه كان صاحب جعفر الصّادق رضي الله عنه وكان من أهل الكوفة. وزعم قومٌ من الفلاسفة أنّه كان منهم، وله في المنطق والفلسفة مصنّفات. وزعم أهلُ صناعة الذّهب والفضّة أنّ الرئاسة انتهت إليه في عصره، وأنّ أمره كان مكتوماً، وزعموا أنّه كان يتنقل في البلدان لا يستقرُّ به بلدٌ خوفاً من السّلطان على نفسه.
وقيل: إنّه كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليهاً ومتحقِّقاً بجعفر بن يحيى، فمن زعم هذا قال: إنّه عنى بسيِّده جعفر هو البرمكيّ[2]، وقالت الشّيعة: إنّما عنى جعفر الصّادق.
وحدّثني بعض الثقات ممن يتعاطى الصنعة أنّه كان ينزل في شارع باب الشّام في دربٍ يُعرَفُ بدرب الذّهب، وقال لي هذا الرجل: إنّ جابراً كان أكثر مقامه بالكوفة، وبها كان يدبِّرُ الإكسير لصحّة هوائها، ولمّا أصيب بالكوفة الأزج الذي وُجِدَ فيه هاون ذهبٍ فيه نحو مائتي رطل، ذكر هذا الرّجل أنّ الموضع الذي أُصِيْبَ ذلك فيه كان دار جابر بن حيّان، فإنّه لم يُصَبْ في ذلك الأزج غير الهاون فقط، وموضع قبّته بُنِيَ للحلّ والعقد. هذا في أيّام عزّ الدولة ابن معز الدولة.
وقال لي أبو أسبكتكين دستاردار أنّه هو الذي خرج لتَسَلُّم ذلك.
وقال جماعةٌ من أهل العلم وأكابر الوراقين: إنّ هذا الرجل -يعني جابراً- لا أصل له ولا حقيقة.
وبعضهم قال: إنّه ما صنّف وإنْ كان له حقيقةٌ إلّا كتاب الرّحمة، وإنّ هذه المصنَّفات صنَّفها النّاس ونحلوه إيّاها.
وأنا أقول: إنّ رجلاً فاضلاً يجلس ويتعب ويصنِّفُ كتاباً يحتوي على ألفي ورقةٍ، يُتعِبُ قريحته وفكره بإخراجه ويتعب يده وجسمه بنسخه ثمّ ينحله لغيره -إمّا موجوداً أو معدوماً- ضربٌ من الجهل، وإنّ ذلك لا يستمرُّ على أحدٍ، ولا يدخل تحته من تحلّى ساعةً واحدةً بالعلم. وأيُّ فائدةٍ في هذا وأي عائدة؟![3] والرّجل له حقيقةٌ، وأمره أظهر وأشهر، وتصنيفاته أعظم وأكثر، ولهذا الرّجل كتبٌ في مذاهب الشّيعة، أنا أوردها في مواضعها، وكتبٌ في معانٍ شتّى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب.
وقد قيل: إنّ أصله من خراسان، والرّازيّ يقول في كتبه المؤلفة في الصّنعة: قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان)[4].

وأمّا نصوص علماء أهل السنّة فأقدمها فيما رأينا يعودُ إلى القرن الرّابع الهجريّ، فقد نقل عنه المطهّر بن طاهر المقدسيّ في كتابه (البدء والتّاريخ) -الذي ألّفه سنة 355هجريّة-، قال: (حكى ‌جابر ‌بن ‌حيّان أنّه إذا انتهى مسير الكواكب إلى غايةٍ، وتفرّقت في أبراجها، وتشوّشت حركات الفلك واضطربت كما كانت قبل اجتماع الكواكب في أوّل دقيقة من الحمل اختلفت أحوال العالم، وتفاوتت أرباع السّنة وفصولها، فلا يستقرّ شتاءٌ ولا صيف..إلخ)[5].
ونقل أبو ريحان البيرونيّ -المتوفّى في القرن الخامس الهجريّ- في كتابه (الجماهر في معرفة الجواهر) مرّتين عن كتبٍ لجابر بن حيّان[6]، إحداهما عن (كتاب الرّحمة)، قال: (وقال ‌جابر ‌بن ‌حيان في كتاب الرحمة إنّه كان عندنا مغناطيس يرفع وزن مائة درهم من الحديد، ثمّ إنّه لم يرفع بعد ما مضى زمانٌ عليه وزن ثمانين درهماً، ووزنه على حاله لم ينقص شيئاً، وإنّما النّقصان وقع في قوّته)[7]، هذا المطلب مذكورٌ في النّسخة الواصلة إلينا من (كتاب الرّحمة)[8].
وقال جمال الدّين عليّ بن يوسف القفطيّ -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): (‌جابر ‌بن ‌حيّان الصّوفيّ الكوفيّ، كان متقدِّماً في العلوم الطبيعيّة، بارعاً منها في صناعة الكيمياء، وله فيها تآليف كثيرة ومصنَّفات مشهورة، وكان مع هذا مُشرِفاً على كثيرٍ من علوم الفلسفة، ومتقلِّداً للعلم المعروف بعلم الباطن، وهو مذهب المتصوِّفين من أهل الإسلام)[9].
وذكره ابن خلّكان -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- في ترجمة الإمام الصّادق عليه السّلام فقال: (وكان تلميذه أبو موسى ‌جابر ‌بن ‌حيّان الصّوفيّ الطّرسوسي قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصّادق وهي خمسمائة رسالة)[10].
وممّن ذكره من علماء الشيعة الإماميّة: السيّد ابن طاوس -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- حيث قال: (وممّن وقفتُ على كتابٍ منسوبٍ إليه من علماء الشّيعة: جابر بن حيّان من أصحاب الصّادق -صلوات الله عليه- يسمى «الفهرست»، والنّجاشي ذكر جابر بن حيّان، وذكر في باب الأشربة ما هذا لفظه: إنّ الطّالع في الفلك لا يكذبُ في الدّلالة على ما يدلُّ أبداً. هذا آخر لفظه في المعنى، ثمّ شرح ما يدلُّ على فضله في علم النّجوم وغيرها، وقد ذكره ابن النّديم في رجال الشّيعة وأنّ له تصانيف على مذهبنا)[11][12].
وقد ورد ذكره أيضاً في كلمات جملةٍ من المتأخّرين، وأكثرها لا يعدو ما ذُكِر؛ إذ لم يكن لدى العلماء من أهل التّراجم معلومات وفيرة حول هذه الشّخصية.
وأمّا بالنسبة إلى الخلاف في وجوده: فيظهر من كلمات ابن النّديم المتقدّمة أنّ الخلاف في وجود شخصيّة حقيقيّة باسم جابر بن حيّان قديمٌ، وقد ذكرنا عبارات جملةٍ من العلماء الذين نقلوا عن كتب جابر أو أتوا على ذكره ولم يتعرّضوا لذلك بنفي أو إثبات بشكل صريح، فسكوتهم عن إنكار ذلك إمّا للاعتقاد بوجود هذه الشّخصية أو لعدم التّحقيق في هذه المسألة.
وممّن صرّح برأيه في شأن جابر: ابن تيميّة الحرّاني (ت: 728هـ) فقد نصّ على أنّه مجهولٌ لا يُعرَف[13]، وابن نباتة المصريّ (ت: 768هـ) فقد ذهب إلى أنّ جابراً شخصيّةٌ لا وجود لها وأنّ عنوان (جابر بن حيّان) مجرّد اسم موضوع[14]، وأمّا شهاب الدّين الآلوسيّ (ت: 1270هـ) فقد قال في تفسيره بأنّ إنكار وجوده حُمقٌ[15]، ويظهر من الشيخ أسد حيدر في كتابه (الإمام الصّادق والمذاهب الأربعة) ميلٌ شديدٌ إلى أنّ جابراً شخصيّةٌ حقيقيّةٌ وقد أخذ علمه عن الصّادق عليه السّلام[16]، ويرى السيّد أحمد المددي - وهو من العلماء المعاصرين- أنّه شخصيّة خياليّة لا وجود لها[17].

[2] التّراث المنسوب إلى جابر بن حيّان
قال ابن النديم في ذكر أسماء كتب جابر في صنعة الكيمياء: (له فهرست كبير يحتوي على جميع ما ألَّف في الصّنعة وغيرها، وله فهرست صغير يحتوي على ما ألّف في الصّنعة فقط)[18]، ثمّ ذكر جملةً من هذه الكتب، ونقل عن جابرٍ أنّه قال: (ألّفتُ ثلاث مائة كتابٍ في الفلسفة، وألف وثلاث مائة كتابٍ في الحِيَل على مثال «كتاب تقاطر»، وألف وثلاث مائة رسالة في صنائع مجموعة وآلات الحرب، ثمّ ألّفتُ في الطبّ كتاباً عظيماً، وألّفتُ كتباً صغاراً وكباراً، وألّفتُ في الطبّ نحو خمس مائة كتابٍ مثل كتاب «المجسَّة والتّشريح»، ثمّ ألّفتُ كتب المنطق على رأي أرسطاطاليس، ثمّ ألّفتُ كتاب «الزّيج اللّطيف» نحو ثلاث مائة ورقة، «كتاب شرح أقليدس»، «كتاب شرح المِجَسْطيّ»، «كتاب المرايا»، «كتاب الجاروف» الذي نقضه المتكلّمون -وقد قيل: إنّه لأبي سعيد المصري- ، ثمّ ألّفتُ كتباً في الزُّهد والمواعظ، وألّفتُ كتباً في العزائم كثيرةً حسنةً، وألّفتُ كتباً في النّيرنجات، وألّفت في الأشياء التي يُعمل بخواصها كتباً كثيرةً، ثمّ ألّفتُ بعد ذلك خمس مائة كتابٍ نقضاً على الفلاسفة، ثمّ ألّفتُ كتاباً في الصّنعة يُعرَفُ بـ«كتاب الملك»، وكتاباً يُعرَفُ بـ«الرّياض»)[19]، وهذه الكتب والرسائل تزيد على ثلاثة آلاف كتابٍ ورسالةٍ، وقد وقعت هذه المصنّفات محلّاً للكلام أيضاً، فقد نقل ابن النّديم عن جماعةٍ من أهل العلم أنّ جابراً لم يؤلِّف إلّا كتاب الرّحمة، وأمّا سائر الكتب فقد نحله النّاسُ إيّاها[20]، وقد يؤيّد هذه الدعوى أنّ هذا العدد الكبير من الكتب والرّسائل قابل للتأمّل، وأنّه قد لا يكون من تأليف شخصٍ واحدٍ، إلّا أنّه بالتأمّل في صِغر أحجام جملة من رسائله وكتبه قد لا يكون هذا الإشكال وجيهاً.
وتقدّم عن ابن خلّكان قوله: (قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصّادق وهي خمسمائة رسالة)[21]، وهذه الرسائل في صنعة الكيمياء[22].
وقد وصلت إلينا جملةٌ من الرّسائل المنسوبة إلى جابر بن حيّان، قام بتحقيقها ونشرها المستشرق اليهوديّ پول كراوس (ت: 1944م) تحت عنوان (مختار رسائل جابر بن حيّان)، وطبعتها مكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 1354هـ/1935م، وقد أعاد الدّكتور عبد الرّحمن بدوي طبعها مع تصديرها بمقدّمةٍ بقلمه، وترجمةٍ للمستشرق كراوس.
وأعدّ أحمد فريد المزيديّ ثلاثين كتاباً ورسالةً من مصنّفات جابر، وطُبعت في مجلّد واحد، صدرت الطّبعة الأولى منه سنة 1427هـ/2006م عن دار الكتب العلميّة في بيروت[23].

[3] جابر بن حيّان بين الوجود والعدم
إنّ المعطيات المتقدّمة في كلمات العلماء، بالإضافة إلى ما وقفنا عليه في التّراث المنسوب إلى شخصيّة جابر بن حيّان لا تكفي للتسليم بوجوده، ويشهد بذلك جملةٌ من القرائن:

القرينة الأولى: من المسلَّم به في كلمات الذين ذكروا جابراً أنّه كان معاصراً للإمام الصّادق عليه السّلام في زمن الدّولة العبّاسيّة، وهذا يعني أنّه في طبقة القرن الثّاني الهجريّ، كما أنّه اشتهر وصفه بـ(الكوفيّ)، وتكرر ذكر صلته بالإمام الصّادق عليه السّلام، ومع ذلك لا نرى له حضوراً واضحاً في تراث الشّيعة، بل لم يُظفَر بذكره في كتب التّاريخ والتّراجم أيضاً، فلا نجدُ في الكتب المعتبرة المتقدّمة على زمان ابن النّديم نقلاً يفيد أنّ أحداً رآه أو لقيه أو خالطه سواءً في الكوفة أو بمحضر الإمام الصّادق عليه السّلام أو في موسم الحجّ، وما إلى ذلك من مواضع يلتقي فيها الشّيعة ببعضهم. والتعذّر بعلّة التحفّظ والتقيّة لا توجب خفاءً إلى هذا المقدار؛ فإنّ كثيراً من الرّواة المتصلين بالأئمّة عليهم السّلام قد أتت كتب الحديث والرجال والتاريخ على ذكرهم ولو بنبذةٍ يسيرةٍ، بينما نرى أنّ رجلاً عالماً مصنّفاً متبحّراً في العلوم لم ترد بحقّه أدنى إشارة في كتب الشّيعة القدماء.
وممّا يزيد الرّيب في ذلك: أنّ ابن النّديم قد ذكر جملةً من الكتب المنسوبة إلى جابر بن حيّان، ومن عبارته يظهرُ أنّ جابراً كان ذا علاقةٍ بالبلاط العبّاسيّ، فقد ذكر ابن النّديم أنّه ألّف كتاب (إسطقس الأسّ الأوّل)، وكتاب (إسطقس الأسّ الثّاني)، وكتاب (الكمال) للبرامكة، وكتاباً آخر لعليّ بن يقطين، وكتاباً لعليّ بن إسحاق البرمكيّ، وكتاب (تليين الحجارة) لمنصور بن أحمد البرمكيّ، وكتاب (أغراض الصّنعة) لجعفر بن يحيى البرمكيّ. كما أنّ رسائله تتضمّن نصوصاً تشير إلى مخالطته لرجال البلاط العبّاسيّ، ومن ذلك قوله: (وحقّ سيدي، لقد خلّصت به -أي بالإكسير- من هذه العلّة أكثر من ألف نفسٍ فكان هذا ظاهراً بين النّاس جميعاً في يومٍ واحدٍ فقط. ولقد كنتُ يوماً من الأيّام بعد ظهور أمري بهذه العلوم وبخدمة سيّدي عند يحيى بن خالدٍ وكانت له جاريةٌ نفيسةٌ لم يكن لأحدٍ مثلها جمالاً وكمالاً وأدباً وعقلاً وصنائع توصف بها، وكانت قد شربت دواءً مُسهِّلاً لعلّةٍ كانت بها..إلخ)[24]، واللافت للنّظر في هذه الفقرة قوله: (فكان هذا ظاهراً بين النّاس جميعاً..)، وقوله: (بعد ظهور أمري بهذه العلوم) ، ومع ذلك لا نرى شيئاً ظاهراً في كتب التّاريخ والتّراجم والرّجال وغيرها.
وقال في موضعٍ آخر: (دعاني يوماً من الأيّام في شهر رمضان في اليوم السّابع منه جعفرُ بن يحيى، ويحيى معنا وخالد معنا أخو جعفر، فأقمنا عنده لشراء شيء من الإماء، ثمّ إنّ ذلك انقضى وأخذنا في ذكر الخواص في هذه الأركان خاصّةً فبلغنا إلى خواص الدّهن..إلخ)[25].
وقوله: (كنت يوماً عند إسحاق بن موسى بن يقطين وعنده رجلٌ فاضلٌ من الصّنعويّين، لم أرَ مثله في الطّالبين لهذه الصّناعة..)[26].
وهذا كلّه ينافي الاعتذار عن غموض شخصيّته باستتاره واختفائه عن السّلطان أو تحفّظه على ما عنده من العلوم، وفيه اقتضاء الشّهرة عند الخاصّ والعامّ، فإنّ المؤرّخين وأصحاب التّراجم أتوا على ذكر من خالط السّلاطين والوزراء من العلماء والمترجمين والمغنّين والنّدماء، فكيف غاب عنهم ذكره؟ وكيف اختفت أخباره من التراث الإسلامي فلم يظهر له أثرٌ سوى هذه الرّسائل المنسوبة إليه؟
ومن الجدير بالذّكر أنّ جملةً ممّن ذكروا جابراً لم يكن لهم مستندٌ سوى هذه الرّسائل المنسوبة إليه، ولم تكن لديهم أخبارٌ خاصّةٌ عنه، ولتُلاحظ عبارة المطهّر بن طاهر المقدسيّ وأبي ريحان البيرونيّ؛ فإنّهما ناظران إلى ما في تلك الرسائل المنسوبة.

القرينة الثّانية: قال ابن النّديم في عبارته المتقدّمة: (واختلف النّاس في أمره، فقالت الشّيعة إنه من كبارهم وأحد الأبواب)، والتّعبير عن جابر بن حيّان بكونه باباً لا يخلو من غرابةٍ؛ فإنّ كتب الشّيعة القدماء لم تجرِ على هذا المصطلح، كما أنّ الشيعة لم تذكره في كتبها فضلاً عن أن تذكره بعنوان بابٍ من الأبواب، بل إنّ هذا يزيد الرّيب بشأنه، فلو كانت الشيعة الإماميّة تذكر أنّه بابٌ للأئمّة لورد ذلك في كتبهم، ولا سيّما أنّه من الخواص المقرّبين، ولكن الصّحيح أنّ مراده من الشّيعة هم بعض فرق الغلاة منهم، فإنّ هذا المصطلح ذو ارتباطٍ بتراث الغلاة[27]، وهو ما يفتح الباب للتّساؤل حول ارتباط تراث جابر ببيئة الغلاة، ويضعّف الوثوق بدعوى وجود هذه الشّخصية مع هذا المقدار من الغموض والخفاء حولها.
أقول: من خلال نظرةٍ فاحصةٍ في رسائل جابر بن حيّان يظهرُ بوضوحٍ أنّ مدوّن هذه الرّسائل ذو ارتباطٍ ببيئة الغلاة وأفكارها، فإنّ جملةً من العبارات في رسائل متعددة تبيّن علاقةً بين هذه الرّسائل وأفكار الغلوّ، فمن هذه العبارات:
1- ما قاله في كتاب (إخراج ما في القوّة إلى الفعل): (وذلك أنّ الشّمس قد رُوي أنّها رُدَّتْ لأمير المؤمنين لمّا فاتته الصّلاة، كما رُدَّتْ له لمّا ظهر الميمُ في شخص إبراهيم، فإنّ إنساناً ناظره فقال: أنا أُحيي وأُميت. كما احتُجَّ عليه، وكان المناظر بليغاً لم يكن عامّياً؛ لأنّ إبراهيم مكان الميم في الوقت، والمُناظِرُ أمير المؤمنين. ومعنى قوله: ݨفبُهِتَ الذِي كَفَرَݩ ليس المُنَاظِرُ، إنّما بُهِتَ مَنْ كان حاضراً من العميان -لعنهم الله ولعن أمثالهم-، ورُدّت مثل ذلك في هذا الزّمان لإقامة الظّاهر للصّلاة والمعنى واحد في العمى والتّلبيس لمن حضر)[28].
ومصطلح (الميم) من المصطلحات المستعملة بكثرة في متون الغلاة، ويريدون به النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وآله-، وفي هذه العبارة يشير إلى مطلب أساسيّ في عقيدة الغلاة وهو تكرُّر ظهور الاسم -وهو السيّد الميم بحسب تعبيرهم- في كل دورٍ بأشخاص مختلفين، فظهر الميم في أحد الأزمنة السّابقة بصورة شخص النبيّ إبراهيم عليه السّلام.
كما أنّ تفسيره للآية الكريمة مخالفٌ لظاهر القرآن، فضلاً عن الجنبة الباطنيّة في تأويله إيّاها، فقد جعل النبيّ إبراهيم هو النبيّ محمّد (الميم)، وجعل المناظِرَ له هو (أمير المؤمنين) الذي ظهر بصورةٍ أخرى، فلذلك قال: (والمناظِرُ أمير المؤمنين) ثم نفى أنّ الذي بُهِتَ هو المُنَاظِر، بل من كان حاضراً من العميان -على حدّ تعبيره-.
2- ما قاله في كتاب (إخراج ما في القوّة إلى الفعل) في بيان معنى الطلسم: (فإنّا رويناه عن معدن الحكمة وصانعه خبَّرني به فقال: يا جابر. فقلت: لبّيك يا مولاي. فقال: أتدري لم يُسمَّى الطلسم طلسماً؟ قلت: لا والله يا مولاي ما أدري. فقال: فكِّر فيه، فإنّه من عِلْمك. ففكّرتُ فيه سنةً فلم أعلم ما هو. فقلت: لا والله يا مولاي ما أدري ما هو. فقال: لولا أنِّي غرستُك بيدي وأنشأتُك أوّلاً وآخراً إلى وقت هذا لقلتُ إنَّك مُظلِمٌ، ويلك اقلبْهُ. فقلت: نعم يا مولاي. فإذا معناه مُسلَّط من جهة الغلبة والتّسليط. فخررتُ ساجداً فقال: لو كان سجودك لي وجِدُّكَ لكُنتَ من الفائزين، قد سجد لي آباؤك الأوّلون. وسجودك لي يا جابر سجودُك لنفسك، أنت والله فوق ذلك. فخررتُ ساجداً فقال: يا جابر، والله ما تحتاجُ إلى هذا كلّه. فقلتُ: صدقتَ يا مولاي. فقال: قد عَلِمْنا ما أردتَ، وعلمتَ ما أردتُ، فكن على نيلك)[29].
ومع غضّ النّظر عن سخافة المطلب في هذه الرواية المكذوبة، فإنّ السّجود للأئمّة عليهم السّلام منهيٌّ عنه، ولم يُعهد في رواياتنا المعتبرة ولا في سيرة الشيعة القدماء، وكذا قول: (قد سجد لي آباؤك الأوّلون) أقرب إلى طريقة الغلاة من منهج الشيعة الإماميّة.
3- قوله: (وإنّما علينا الاجتهاد في الكلام، وعليك القبول منّا، فإن قبلت لم تندم، ووحقّ سيديّ عليه السّلام إن لم تقبل لتكونّن مثل رعاع العامّة السّفلة الأضداد لعنهم الله أكثر مما قد لعنهم)[30]، وقوله: (ولكن هذه الكتب يا أخي معجزات سيّدي، وليس -وحقّه العظيم- يظفر بما فيها من العلوم إلّا أخونا، فأمّا من سواه من إخواننا الذين لم ندّخر هذا من أجلهم ولا صنّفناه لهم فإنّما يظفر منها بما ظهر من علومنا فيها وصنائعنا التي وضعناها وأودعناها إياها، وأمّا غير هؤلاء من الأضداد والسّفلة والأرذال والسّفهاء المظلمي النّفوس الأقذار العقول فما يزيدهم الله بها إلّا عمىً وضلالةً وجهلاً وبلادةً)[31]، والتّعبير عن المخالفين بـ(الأضداد) رائجٌ في كتب الغلاة، وهو مستعمل للإشارة إلى حكام الجور والمخالفين.
4- قوله: (وإنّما ذكرنا أمر الشّرع في حواشي كتبنا؛ لأنّ الشرع الأول إنّما هو للفلاسفة فقط، إذ كان أكثر الفلاسفة أنبياء كنوحٍ وإدريس وفوثاغورس وثاليس القديم وعلى مثل ذلك إلى الإسكندر)[32].
وجماعات من الغلاة يميلون إلى تقديس الفلاسفة القدماء وإسباغ صفات الألوهيّة أو النبوّة عليهم، ومن نماذج ذلك ما رواه أبو سعيد الطبرانيّ في (الرّسالة الجوهريّة الكلبيّة): (ورُوي أنّ أبا الفتح محمّد بن الحسن البغداديّ رضي الله تعالى عنه [روى] عن العالم منه السّلام، قال: إنّ المعنى -عزّ عزُّه- كان ظاهراً بأرسطاطاليس، والاسم ظاهراً بأفلاطون، والباب ظاهراً بسقراط، واليتيمان ظاهران بقراطيس وجالينوس)[33].
5- قوله في «كتاب الخمسين» ما نصّه: (وأمّا أسماء الأشخاص الذين يكونون في هذا الباب خمسة وخمسون)، وذكر منها: النبيّ، الإمام، الباب اليتيم، وهي مراتب خاصّة في تراث الغلاة، ثم قال: (وقال قومٌ: كلّ واحدٍ من هذه الأشخاص يعلمُ علم الإمام، فيجوز أن يكونوا أئمّةً. لكن لأهل النّظر ميزة قاطعة، وهو أنّ حدّ الإمام عنده أنّه التّامّ العِلم العامِل به، والباقون لا يعملون به ولا يحكمون. فأمّا الحجاب اثنان أصحابه: محمودٌ، وهو من يوسَم بالعلم وصحبة القوم، فإذا سُئل أوصل وتلطّف، ومذمومٌ وهو يستر ويخايل. وأمّا اليتيم فهو تربية الإمام ولا يُطلَق له البتّة، وهو محجوبٌ لا يراه أحدٌ سوى الإمام. وأمّا الباب فهو الرّائض الرّياضة الكبرى الكليّة، ليس وراءها غير الوصول بقوله: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها. فدلَّ على أنّه المِفتاح.
فنحتاجُ أن نوضّح هل كلّ نبيٍّ وإمامٍ ويتيمٍ وبابٍ يقبل حدّ نبيّ وإمام ويتيم وباب، ثم ينبع على سائر الأشخاص؟ فأمّا أهل الوحي والمعجز فزعموا أنّهم ليس واحداً وإن تساووا فيما ذكرناه؛ لأنّهم لو كانوا بمعنى واحد ما تغيّرت معجزاتهم وسننهم، فظهر أنّ كلّاً منهم مخالفٌ للآخر، أعني: النبيَّ للنبيِّ والإمام للإمام وسائر الباقين على ذلك).
ثم قال: (وليس كلّ إمامٍ من يتيمٍ وإن كان بعض الأئمّة من يتيمٍ، وليس صورة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية عند أمير المؤمنين بمنزلته عند النبيّ؛ لأن ليس فيهم يتيم، وأمير المؤمنين كان يتيماً.
وأيضاً: فإنّ الجماعة ليس فيها من كان باباً، وعليٌّ كان باباً. فهذا فضلان وإن كانت أشخاصهم متساوية. وأمّا باقي الأئمّة فإنّهم أخذوا من آبائهم وموصى إليهم، فلذلك فُضّل الحسين على الحسن؛ لأنّه أخذ عن أبيه، والحسين أخذ عن أبيه والحسن.
وإن قيل: «إنّ الحسن أخذ عن النبيّ وعن عليّ وعن سلمان» لأنّ الحسين قد أخذ عن الثّلاثة وعن أخيه، وليس فيهم من أخذ عن أخيه من الباقية غير الحسين.
وفُضّل محمّد بن الحنفية لأنّه لا يُروى أنّ أمير المؤمنين علّمه فقط شيئاً ظاهراً إلّا بمعنى سماع كلامه وبقوله: «أنت ابني حقّاً». وليس هذا موضعه لأنّه طويل، وخلف النّاس فيه كثير.
فأمّا الرّابع: فيكاد يكون كالتالي، أعني أنّ منزلة عليّ بن الحسين تكاد تكون كمنزلة الحسن).
وقال أيضاً: (فأمّا الفرق بين الإمام والنبيّ: أنّ النبيّ ناطق، والإمام صامت. والنبيّ آمرٌ والحجاب مأمورٌ، والإمام مأمور عالم بما أُمِرَ، والحجاب ليس عالماً بكلّ ما أُمِرَ. والنبيُّ فاعلٌ وحاكمٌ وآمرٌ، واليتيم لا فاعل ولا حاكم ولا آمر. والإمام صامت وناطق، واليتيم لا صامت ولا ناطق ولا عالم بكلّ ما أُمِرَ. والحجاب مأمور واليتيم غير مأمور. والنبيّ الجامع والباب واحد. والإمام حاكم، والباب مرشد. والباب يعلم والحجاب لا يعلم. والباب متّصل واليتيم منفصل. والباب ثابت واليتيم منتقل، والفرق بين الأنبياء على قدر المِلل، والأئمّة على قدر التأخّر، والسّلام)[34].
وهذه الاصطلاحات والمراتب من قبيل الباب واليتيم والحجاب وغيرها مبثوثة بكثرة وأنحاء مختلفة في كتب الغلاة.
6- ومنها قوله أيضاً: (والقوم قد نصبوا لكلّ دورٍ ستّة أشخاصٍ. وطائفةٌ قال: إنْ كان الأمرُ مستقيماً من الأوّل إلى السّادس كان الأمور منوطاً في الأئمّة، وإن كان الأمر مضطرباً كان وجود النّاطق..إلخ)[35].
وهذه العبارة تلوّح بما عليه الإسماعيليّة في مسألة الأدوار ووجود النّاطق فيها؛ فإنّ الإسماعيلية تعتقد بالأدوار السّبعة، وأنّ الدّور السّادس ابتدأ بنبوّة النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وآله-، وفي هذا الدّور ستّة أئمّة ثُم يكون ختم الدّور بالإمام السّابع وهو عندهم محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصّادق.
ومن هنا يقرب جدّاً أن تكون المتون المنسوبة إلى جابر بن حيّان قد خرجت من البيئة الإسماعيليّة، وقد ألّفتها جماعةٌ منهم ونسبوها إلى هذا العنوان، وهم لهم تجارب مماثلة في هذا الجانب، ولا سيّما أنّ هذه الرّسائل تمثّل نسخةً مبكّرةً ومتقدّمة من «رسائل إخوان الصّفا»؛ فإنّ وجوه التشابه بينها متعدّدة، من جهة الجنبة الباطنيّة التي تتضمّنها، والارتباط بالتراث اليونانيّ، وإيضاح هذا الأمر يحتاج إلى دراسة منفردة تهتمُّ بالمقارنة بين رسائل جابر ورسائل إخوان الصّفا.

[4] بيان عدم الوثوق بنسبة هذه المسائل والعلوم إلى الصّادق عليه السّلام.
مع غضّ النّظر عن مسألة وجود جابر نفياً أو إثباتاً، أو على تقدير التّسليم بوجوده، فإنّه لا يمكن الاطمئنان بأنّه قد أخذ هذه المسائل والعلوم عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام.
ومع البناء على عدم الاعتداد بالتراث المنسوب إليه، فيصبح الأمر أكثر ضبابيّةً؛ لأنّ المنقول في كتب التراث الإسلاميّ في القرون الأولى لا يكاد يفي بإثبات اتّصاله بالصّادق عليه السّلام، فضلاً عمّا يكتنف ذلك القول من إشكالات تقدّمت الإشارة إليها.
وأمّا مع البناء على الالتفات إلى مضامين تراثه الواصل إلينا، فإنّ الأمر أكثر إشكالاً، وذلك أنّ هذه الرّسائل احتوت على مطالب منكرة تدلّ على تخليطٍ عظيمٍ وبُعدٍ عن طريقة المتشرّعة، فإنّها لا تلائم سيرة ذوي الدّين، فكيف بمن يُدّعى أنّه من خواص الصّادق عليه السّلام؟! بالإضافة إلى أمورٍ أخرى تبعّد هذه النّسبة المكذوبة.
فمن ذلك: ما تقدّم ذكره من كلامه عن سجوده للصّادق عليه السّلام وسائر المطالب المشيرة إلى الغلوّ.
ومن ذلك: ما أورده في بعض رسائله حول تسخير الكواكب العلويّة واستخدامها، وهو أشبه بطريقة أهل السّحر والطلسمات وأمثالهم، فقد ذكر مطلباً في كتابه (إخراج ما في القوّة إلى الفعل) حول تسخير الكواكب العلويّة فقال: (أمّا العلويّات واستخدامها فكلامٌ لاهوتيٌّ عظيمٌ، والكلام أيضاً فيه ندر جداً، صعبٌ، ممتنع الوجود إلّا لذوي العقول البالغة التّامّة وذوي الرّياضة والفوائد الكاملة..)، ثم قال تحت عنوان «القول في كيفيّة خدمة العُلويّات»: (هذا يكون لشيئين لا غير، وهما: الرّصد والبخور. فأمّا الرّصد فأن تنظر نزول أيّ كوكبٍ أردتَ إلى أيّ درجةٍ أردتَ لعمل ذلك الشيء بعينه. وأمّا البخور فلكلّ كوكبٍ بخوران، أحدهما للمماثلة، والآخر للمقابلة..إلخ)، ثمّ ذكر البخور المعدّ لاستخدام كلّ كوكب من الكواكب العلويّة مثل الزّهرة وعطارد وزحل[36]، وقال في موضع آخر: (وانظر وحقّ سيديّ لقد عرضته عليه فقال لي: وحقّ جدّي ليظهرنّ لك في العالَم بعد وقتك أمرٌ عظيمٌ من هذا العلم. ووالله لئن استغرقت كلامي في هذه العلوم لا أعوَزَك معها في العالم شيٌ ولتعلَمنَّ العجائب، وليس علمُ الموازين نافعاً في علم الصّنعة فقط، بل هو نافعٌ فيما هو أعظم منها وهو علم الطّلسمات والكهانة والنّواميس العظيمة والتي على مثلها تتذابح النّاس، فاعلم وافهم ما أقوله)[37]. وهذا النّمط من الأعمال معروف عن بعض ذوي المشرب الباطنيّ كالمتصوّفة، ومن هنا اتّهمه ابن خلدون بأخذ جملةٍ من علومه عن المشتغلين بالسّحر[38].
ومن ذلك: ما قاله في صناعة الموسيقى وتأليفه فيها: (أمّا أمر الموسيقى فقد ذكرنا في كتبنا هذه كتاباً فيه بديع الأمر، لا يعملُ أحدٌ من النّاس مثله، قد استوفينا فيه صغير ما في الصّناعة وكبيره، ونحن نذكرُ هاهنا منه شيئاً يكون طريقاً للمتعلِّم فيما يحتاج إليه، وذلك أنّ حروف المدّ واللّين ثلاثة، وهي التي عليها مدار اللّحن والقرع، لأنّ الموسيقى إنّما هو مساواةٌ بين الصّوت بالنّغمة وقرع الوتر في زمانه..)[39]، وفي بداية كلامه كان قد وصف علم الموسيقى بـ«العلم النّفيس الكبير»[40]. وهذا ليس من طريقة عامّة الشّيعة فضلاً عن خواصّهم، بل ليس من ديدن المتشرّعة كما تشهد به سيرتهم.
ومن ذلك: قوله أنّه كان يدعو بأدعية الفلاسفة، ونقل دعاءً شبيهاً بأدعيتهم -كما نصّ على ذلك- ونسبه إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: (وإذ قد بسطت لذلك فلنقل ما سبب ذلك: إنِّي كنتُ آلفتُ سيّدي -صلوات الله عليه- كثيراً، وكنتُ لَهِجاً بالأدعية وبخاصّة ما كان يدعو به الفلاسفة، وكنتُ أعرضه عليه، وكان منها ما استحسنه، ومنها ما يقول: «النّاسُ كلُّهم يدعون بهذا، وليس فيه خاصيّة»، فلمّا أكثرتُ عليه علّمني هذا الدّعاء، وهو من جنس دعاء الفلاسفة، بل هو وتلك واحد إذا قُرِئت جميعاً، ولكن له فيه اختيارٌ وزيادات).
ثم ذكر متن الدّعاء وهو: (اللّهم أنت أنت، يا من هو هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو، اللهم أنت خالق الكلّ، اللهم أنت خالق العقل، اللهم أنت واهب النّفس النفسانيّة، اللهم أنت خالق العِلّة، اللهم أنت خالق الرّوح، اللّهم أنت قبل الزّمان والمكان وخالقهما، اللهم أنت فاعل الخلق بالحركة والسّكون وخالقهما، اللهم إنّي قصدتُك فتفضّل عليّ بموهبة العقل الرّصين، وإرشادي في مسلكي إلى الصّراط المستقيم، اللّهم بك فلا شيء أعظم منك نوّر قلبي، وأوضح لي سبيل القصد إلى مرضاتك، اللّهم إنّي قصدتك ونازعتني نفساي، نفسي النفسانيّة نازعتني إليك، ونفسي الحيوانيّة نازعتني إلى طلب الدّنيا، اللهم فبك لا أعظم منك، يا فاعل الكلّ، صلّ على محمّد عبدك ورسولك وعلى آله وأصحابه المنتجبين، واهدِ نفسي النفسانيّة إلى ما أنت أعلم به من مرادها منها، وبلّغ نفسي الحيوانيّة منك آمالها فتكون عندك، إذا بلّغتها ذلك فقد بلّغتها الدّنيا والآخرة، إنّه سهلٌ عليك، اللّهم إنّي أعلم أنّك لا تخاف خللاً ولا نقصاناً يوهنك برحمتك وكرمك هب لي ما سألتك من الدّنيا والآخرة..إلخ)[41].
كما أنّ هذه الرّسائل لا تخلو من مبالغاتٍ وغرائبَ شتّى، ومنها قوله: (فإنّا قد عملنا رسالةً مفردةً في وضع الحروف، لو اتُّفِقَ عليها وقتاً من الأوقات لأغنت النّاس عن التّصحيف وغيره، وعرّفتهم بكلام الطّير -إن كان كلاماً-، وصرير البكر، وطحن الرّحاء، وجميع الأصوات، وهي كبيرةٌ يُفهم منها كلّ لغةٍ، يقال لها رسالة «ا.ب.ت.ث»، فاطلبها فإنّها من غريب كتبي، وكان سيّدي -صلوات الله عليه- يعشقها ويديم النّظر فيها لحُسنها، فهي عجيبةٌ غريبةٌ، تفهم منها حركة كلّ شيءٍ متحرّك، ونطق كلّ صوتٍ، إمّا بمعنى تحته أو بغير معنى مثل زئير الأسد ونباح الكلب وصهيل الدوابّ وأمثال ذلك)[42].
وله قصصٌ أخرى من ضرب الخيال يصعب الوثوق بوقوعها مع هذه الحال، وقد ذكرها في مواضع متفرّقة[43].
ومن ذلك أيضاً: ما بثّه في كتبه -وهو ينسب أكثر علومه للصّادق عليه السلام- من نظريّات طبيعيّة مبنيّة على علوم الطبيعة والهيئة في التراث اليونانيّ وغيره ممّا أصبح بطلانه في زماننا الحاضر من البديهيّات، وهذا أكبر داحضٍ لدعوى مصنّف هذه الرسائل أنّ علمه مأخوذ من الصّادق عليه السّلام.
ومن ذلك أيضاً: أنّ الفضاء العامّ لهذه الرّسائل إنْ بلحاظ طبيعة بعض الأبحاث المطروحة أو بلحاظ الألفاظ المستعملة[44] لا ينسجم مع المشهد العلميّ في النّصف الأوّل من القرن الثّاني الهجريّ، بل هي أقرب إلى القرن الثّالث الهجريّ الذي شهد طفرةً في ميدان التّرجمة والفلسفة والانفتاح على التراث اليونانيّ و«العلوم الهرمسيّة» بنطاقٍ أوسع.

[5] كلمة أخيرة: الكيمياء في البيئة الإسلاميّة خلال القرون الأولى.
يرى النّاظر في التراث الإسلاميّ اختلافاً شديداً بين العلماء في علم الكيمياء، فمنهم من يرى صحّته، ومنهم يطعن عليه ويحرّمه ويرى أنّه ضرب من الشّعبذة ولا واقع له، ولفهم حقيقة الخلاف لا بدّ من الوقوف على تصوّرٍ واضحٍ لهذا العلم في تلك العصور، فإنّه لم يكن بالصّيغة التي نعرفها في زماننا الحاضر.
عُرف هذا العلم بـ«علم الصّنعة»، وهو علم ينظرُ في أحوال المعادن والنباتات وغيرها، ولكنّه لم يكن علماً متمحِّضاً في الجانب التجريبيّ، وإنّما رُبط بمسائل من التراث الفلسفيّ الباطنيّ وأعمالٍ ترتبط بالطّلسمات والأوفاق وتسخير الكواكب وعلم الأبراج، بالإضافة إلى دعاوى القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة كالذّهب والفضّة.
وفي هذا السّياق، تؤكّد رسائل جابر بن حيّان عدم تمحّض الكيمياء بالمجال التجريبيّ الخالص، بل تعتبرُ الكيمياء ضرباً من الأسرار التي تختصُّ بـ«الإخوان»[45]، وأنّ الرّياضة الرّوحية ذات صلةٍ بها[46].
ومن النصوص المهمّة التي تدلّ على أنّ تراث «علم الصّنعة» ممتزجٌ بالجوانب الباطنيّة ما حكاه ابن النديم عن أهل صناعة الكيمياء، قال: (زعم أهلُ صناعة الكيمياء -وهي صنعة الذّهب والفضّة من غير معادنها- أنّ أوّل من تكلّم على علم الصّنعة هرمس الحكيم البابليّ، المنتقل إلى مصر عند افتراق النّاس عن بابل، وأنّه ملك مصر، وكان حكيماً فيلسوفاً، وأنّ الصّنعة صحّت له، وله في ذلك عدّة كتب، وأنّه نظر في خواصّ الأشياء وروحانيّاتها، وصحّ له ببحثه ونظره علم صناعة الكيمياء، ووقف على عمل الطّلسمات، وله في ذلك كتب كثيرة)[47].
ومن ذلك أيضاً ما ذكره ضمن مصنّفات إصطفن الرّاهب حيث قال: (إصطفن الرّاهب، هذا الرّجل كان بالموصل، ويُسمّى ميخائيل، وكان يُحكى عنه أنّه عَمِل الكيمياء، فلمّا مات ظهرت كتبه بالموصل، فرأيتُ منها شيئاً وهو: كتاب الرّشد...، كتاب الأدعية والقرابين التي تُستعمل قبل صناعة الكيمياء)[48].
فهذا كلّه يدلّ على أنّ صنعة الكيمياء لم تكن متمحّضة في الجانب التجريبيّ، وإنّما تتخلّلها أمور ذات جنبة باطنيّة تتلاءم مع مشرب جماعاتٍ من الباطنيّين -الأعمّ من المتصوّفة والغلاة- من قبل التعلّق بالطلاسم والأوفاق والاهتمام بالنّجوم والكواكب وغير ذلك، بالإضافة إلى محاولة مقاربة هذه المسائل مع فلسفة أهل الباطن، ولعلّ هذا الوجه في اشتهار عنوان جابر بن حيّان بـ «الصّوفيّ».
ولقد لفت النّظر -في هذا السّياق- اهتمام جملةٍ من الغلاة والباطنيّين بهذا العلم[49]، ومنهم: محمّد بن عليّ الشّلمغانيّ، حيث قال ابن النّديم في ترجمته: (ابنُ أبي العزاقر، أبو جعفر، محمّد بن عليّ الشّلمغانيّ، وقد استقيصتُ ذكره في أخبار الشّيعة، وكان له قدمٌ في صناعة الكيمياء. وله من الكتب: كتاب الخمائر، كتاب الحَجَر، كتاب شرح كتاب الرّحمة لجابر، كتاب البرّانيّات)[50].
ومنهم: إبراهيم بن محمّد بن أحمد بن أبي عون، قال ياقوت الحمويّ في ترجمته: (وكان من أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ الشلمغانيّ المعروف بابن أبي العزاقر... وكان يتعاطى الكيمياء، وله كتب معروفة)[51].
ومنهم: الحسين بن منصور الحلّاج، قال ابن النّديم: (قرأتُ بخطِّ أبي الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر طيفور: الحسين بن منصور الحلّاج، وكان رجلاً محتالاً مُشعبِذاً، يتعاطى مذاهب الصّوفيّة ويتحلّى ألفاظهم، ويدّعي كلّ علمٍ، وكان صفراً من ذلك، وكان يعرف شيئاً من علم الكيمياء..)[52].
وقال ابن الجوزيّ: (قال أبو بكر الصوليّ: قد رأيتُ الحلّاج وجالسته، فرأيت جاهلاً يتعاقل، وغبيّاً يتبالغ، وفاجراً يتزهّد، وكان ظاهره أنّه ناسك صوفيّ، فإذا علم أن أهل بلدة يرون الاعتزال صار معتزليّاً، أو يرون الإمام صار إماميّاً، وأراهم أنّ عنده علماً من إمامتهم، أو رأى أهل السنّة صار سنيّاً، وكان خفيف الحركة، مُشعبِذاً، قد عالج الطبّ، وجرّب الكيمياء، وكان مع جهله خبيثاً، وكان يتنقل في البلدان)[53].
ثمّ إنِّي رأيتُ عبارةً للشّيخ الصّدوق (رحمه الله) في حديثه عن الغلاة الحلّاجيّة يقول فيها: (ومن علاماتهم أيضاً دعوى علم الكيمياء ولا يعلمون منه إلا الدّغل وتنفيق الشَّبَه[54] والرّصاص على المسلمين)[55]، وهذه العبارة تشير إلى شيوع هذا العلم في أوساط جماعاتٍ من الغلاة ذوي الميول الباطنيّة.
ومن هنا يتبيّن أنّ المنكرين لعلم الكيمياء لم ينكروا الجانب التجريبيّ فيه، وإنّما ما شابه من مسائل باطنيّة لا تمتّ للشريعة بصلةٍ، بالإضافة إلى إنكارهم القدرة على انقلاب الأعيان وتحويل النّحاس إلى ذهبٍ، وفي هذا قال ابن الجوزيّ: (وأبلهُ من هؤلاء من يتشاغل بعلم ‌الكيمياء؛ فإنّه هذيان فارغ، وإذا كان لا يُتصوّر قلب الذهب نحاساً، لم يتصور قلب النحاس ذهباً، فإنّما فاعل هذا مستحلٌّ للتدليس على النّاس في النقود، هذا إذا صحّ له مراده)[56].
وقال الفخر الرّازيّ: (وبهذا الطّريق نعلمُ فساد ما يدّعيه قومٌ من الكيمياء، لأنّا نقول: لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذّهب ذهباً لكان إمّا أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال، فكان ينبغي أن يُغنوا أنفسهم بذلك عن المشقّة والذلّة أو لا يمكنهم إلا بالآلات العظام والأموال الخطيرة، فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكّنين من ذلك، بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك؛ لأنّه أنفع لهم من فتح البلاد الذي لا يتم إلا بإخراج الأموال والكنوز، وفي علمنا بانصراف النّفوس والهمم عن ذلك دلالةٌ على فساد هذا القول)[57].
وقال العلّامة المجلسيّ رحمه الله في هذا العلم: (ويظهر من بعض الأخبار تحقّقه، لكن علم غير المعصوم به غير معلوم، ومَنْ رأينا وسمعنا ممّن يدّعي علم ذلك منهم أصحاب خديعةٍ وتدليسٍ ومكرٍ وتلبيسٍ، ولا يتبعهم إلا مخدوع، وصرف العمر فيه لا يسمن ولا يغني من جوع)[58].
ويتلخّص مما ذكرنا أنّ لعلم الكيمياء في القرون الأولى سماتٌ عديدة:
السّمة الأولى: الارتباط بالعلوم الباطنيّة والروحيّة، ولذا مال إليه جماعاتٌ من ذوي الميول الباطنيّة من المتصوّفة وبعض فرق الغلاة.
السّمة الثّانية: اشتهاره بدعوى القدرة على قلب أعيان المعادن، وهذه الدّعوى لم تكن محلّ تسليم وقبول.
السّمة الثّالثة: استناد أصول هذا العلم إلى تراث الأمم السّابقة ولا سيّما التراث اليونانيّ والهرمسيّ.
ومن هذا المنطلق اتّخذ كثير من علماء المسلمين موقفاً سلبيّاً تجاه هذا العلم ومنتحلي صنعته، وتراث جابر بن حيّان لا يخرج عن الإطار العامّ لهذا العلم، بل هو من أقدم بذوره التاريخيّة، وهو ما يجعله محلّاً للتأمّل والتّساؤل من جهاتٍ شتّى.

خلاصة الدراسة
1- إنّ الأدلّة على وجود شخصيّة حقيقيّة باسم جابر بن حيّان غير وافيةٍ للإثبات، ومن هنا فإنّ أصل وجود شخصيّة بهذه المواصفات أمر مشكوك.
2- التراث المنسوب إلى جابر بن حيّان ذو صلةٍ بأفكار الغلاة والباطنيّين والتراث الفلسفيّ والعلميّ اليونانيّ.
3- إنّ نسبة جابر بن حيان وملحقاته إلى دائرة خواصّ الإمام الصّادق عليه السّلام غير صحيحة؛ وتنافيها جملة من القرائن، منها: عدم ظهور أدلّة تاريخيّة كافية للإثبات، فساد المطالب المبثوثة في رسائل جابر بن حيّان من الجهة الشرعيّة، وعدم انسجام لغة ومطالب هذه الرّسائل مع لغة القرن الثّاني الهجريّ إجمالاً.
4- نسبة مساهمة الإمام الصّادق عليه السّلام في علم الكيمياء استناداً إلى تراث جابر بن حيّان غير صحيحة؛ فإنّ الدّلائل لا تفي بإثبات وجود هذه الشّخصية فضلاً عن ارتباطها بالإمام، بالإضافة إلى أنّ علم الكيمياء بصيغته السّابقة في القرون الأولى لا يخلو من شوائب التراث الباطنيّ وأفكار الغلوّ وغيرها من الاتجاهات الفكريّة في ذلك الوقت.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: بحار الأنوار، ج59، ص186.
[2] لا يخفى ضعف هذا القول وعدم انسجامه مع التراث المنسوب إلى جابر بن حيّان، فإنّه عبّر في بعض رسائله بما يبيّن أنّ سيّده هو جعفر بن محمّد عليه السّلام، فضلاً عن إكثار الحلف بحقّه في رسائله، وتعبيره عنه بقوله (صلوات الله عليه)، وهذا كله لا يتلاءم مع كون سيّده جعفر بن يحيى البرمكيّ، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص533/رسائل جابر بن حيان، ص463.
[3] لا يخفى أنّ ما ذكره ابن النّديم مجرد استحسان، ويكفي في إبطاله ما يقع في الخارج من نسبة كتب مكذوبة إلى بعض الأشخاص المعروفين، وقد وقع ذلك فنُسبت كتب مكذوبة إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وبعض أصحابهم، كما أنّ بعض من يعمل على ترويج بعض الأفكار لا يرى بأساً بتأليف كتبٍ كثيرةٍ من دون نسبتها إليه، ويكفي في ذلك رسائل إخوان الصّفا التي ألّفتها مجموعة مجهولة، ولم تنسب الكتاب إلى أشخاصها الحقيقيّة.
[4] الفهرست، ج2، ص451-452.
[5] البدء والتاريخ، ج2، ص236.
[6] قال عند حديثه عن حجر الفيروزج: (اعلم أنّ ‌جابر ‌بن ‌حيّان الصوفيّ يسمّيه في كتاب «النُّخَب في الطّلمسات» حجر الغلبة..)، انظر: الجماهر في معرفة الجواهر، ص275.
[7] الجماهر في معرفة الجواهر، ص348.
[8] رسائل جابر بن حيّان، ص585-586.
[9] إخبار العلماء بأخبار الحكماء، ص124.
[10] وفيات الأعيان، ج1، ص327، رقم الترجمة 131.
[11] فرج المهموم، ص146.
[12] ينبغي الوقوف في عبارة السيّد ابن طاوس على أمرين:
الأمر الأوّل: ما نسبه إلى النجاشيّ أنّه ذكر جابر بن حيّان، ولا يوجد في رجاله أثرٌ لذكره، ومن المحتمل أن يكون النجاشيّ ذكره في كتابٍ آخر، ولا سيّما أنّ للنجاشيّ كتاباً آخر في موضوع علم النّجوم، ذكره في ترجمته لنفسه. انظر: رجال النجاشيّ، ص101، رقم الترجمة 253.
الأمر الثّاني: ما نسبه إلى عبارة ابن النّديم من أنّ جابر بن حيان له تصانيف على مذهبنا، وعبارة ابن النديم: (ولهذا الرّجل كتبٌ في مذاهب الشّيعة) وهو أعمّ من التشيع الإماميّ الاثني عشريّ، فليس لهذه الدّعوى دليل. نعم؛ يُنسب إليه كتابٌ في الإمامة، والظّاهر من ملاحظة سائر كلماته في شأن الإمامة أنّ كلامه فيها على النّسق الإسماعيليّ.
[13] مجموع الفتاوى، ج29، ص374.
[14] قال في كتابه (سرح العيون): (وأمّا جابر بن حيّان المذكور فلا أعرف له ترجمةً صحيحةً في كتابٍ يُعتَمد على نقله، وهذا دليلٌ على قول أكثر النّاس إنّه اسمٌ موضوعٌ، وضعه المصنِّفون في هذا الفنّ، ويزعمون أنّه كان في زمن جعفر الصّادق رضي الله عنه، وأنّه إذا قال في كتبه: «قال لي سيّدي» و«سمعتُ من سيّدي» فإنّه يعني به جعفراً الصّادق رضي الله عنه، ومع ذلك فإنّ الله تعالى أعلمُ بحقيقتها)، انظر: سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، ص225.
[15] روح المعاني، ج20، ص118.
[16] الإمام الصّادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص445-448.
[17] انظر: نگاهی به دریا، ج1، ص356.
[18] الفهرست، ج2، ص452-453.
[19] الفهرست، ج2، ص458.
[20] الفهرست،ج2، ص452.
[21] وفيات الأعيان، ج1، ص327، رقم الترجمة 131.
[22] وقد أشير إليها في بعض رسائل جابر بن حيان، ومن ذلك ما قاله في كتاب الحدود: (واعرف قدر هذا الكتاب، فلو قلتُ أن ليس في جميع كتبنا هذه الخمس مائة كتاب إلّا مقصراً عنه في الشَّرَف لقلتُ حقّاً)، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص102. وقد كان ينسب هذه العلوم إلى الصّادق عليه السّلام، فقال في الجزء الثّاني من (كتاب الأحجار على رأي بليناس): (وحقّ سيدي، لولا أنّ هذه الكتب باسم سيّدي -صلوات الله عليه- لما وصلتَ إلى حرفٍ من ذلك آخر الأبد أنت ولا غيرك إلّا في كلّ برهة عظيمة من الزمان فاحمد الله كثيراً الذي أوضح لك هذه السبيل)، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص164. وقال في كتاب (نار الحجر): (واعلم أنّي ما صنّفتُ بعد هذه الكتب الأربعة إلّا كتاباً واحداً جامعاً لتدبيرالباب الأعظم وكتبنا الخمسمائة التي على رأي سيّدي صلوات الله عليه...)، انظر: رسائل جابر بن حيّان، ص104.
[23] المعتمد في توثيق الأقوال: كتاب (مختار رسائل جابر بن حيّان) بتحقيق كراوس، الذي طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة، وطبعة (رسائل جابر بن حيّان) التي أعدّها أحمد فريد المزيديّ ونشرتها دار الكتب العلميّة ببيروت. وحيث إنّ الاسمين مختلفان فيتميّز النقل عن كل طبعة.
[24] مختار رسائل جابر بن حيان، ص303.
[25] مختار رسائل جابر بن حيان، ص306.
[26] مختار رسائل جابر بن حيان، ص309.
[27] انظر: پژوهش‌هاى رجالى، سيّد محمّد جواد شبيري زنجانى، دلالت منصب وكالت از معصوم بر وثاقت، ص53-54.
[28] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص35-36.
[29] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص79-80.
[30] مختار رسائل جابر بن حيان، ص317.
[31] مختار رسائل جابر بن حيان، ص546.
[32] مختار رسائل جابر بن حيان، ص510.
[33] انظر: سلسلة التراث العلوي، ج4، كتاب الرسالة الجوهرية الكلبية، ص36.
[34] مختار رسائل جابر بن حيان، ص489-493.
[35] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص493.
[36] مختار رسائل جابر بن حيان، ص86-90.
[37] مختار رسائل جابر بن حيان، ص431-432.
[38] كتاب العِبَر وديوان المبتدأ والخبر، ج2، ص292-293/ج2، ص324.
[39] انظر: مختار رسائل جابر بن حيّان، ص11.
[40] مختار رسائل جابر بن حيان، ص11.
[41] مختار رسائل جابر بن حيان، ص455-458.
[42] مختار رسائل جابر بن حيان، ص14-15.
[43] انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص485-488.
[44] تطفح رسائل جابر بن حيّان بمفردات علميّة وفلسفيّة، ولا يظهر لها حضور في التراث الرّوائيّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام ولا في التراث الكلاميّ عند المسلمين في تلك الحقبة، ومن ذلك استعمال مفردة (المعجزة) للدلالة على الفعل الخارق للعادة، ومفردات فلسفية متأخّرة من قبيل: الأيس واللّيس، الظهور والكمون، الكون والفساد، العالم العُلْويّ، الهيولى..إلخ. انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص37-113-275-299.
[45] مختار رسائل جابر بن حيان، ص319-320/ص338-339/ص433/ص450/ص475.
[46] مختار رسائل جابر بن حيان، ص455-459.
[47] الفهرست، ج2، ص441-442.
[48] الفهرست، ج2، ص462-463.
[49] ارتباط التراث الكيميائيّ بالتراث الفلسفيّ الباطنيّ -الإسماعيليّ والصوفيّ- ظاهرٌ بوضوحٍ في تراث جابر بن حيان وغيره ممن ألّف في هذا الميدان، انظر: الكيمياء والكيميائيّون في التراث العربيّ الإسلاميّ من القرن الثّاني إلى القرن الثّامن الهجريين، ص265-292.
[50] الفهرست، ج2، ص465. وانظر أيضاً: الدرّ الثّمين في أسماء المصنّفين، ص182.
[51] معجم الأدباء، ج1، ص106، رقم الترجمة 31.
[52] الفهرست، ج1، ص675.
[53] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج13، ص202.
[54]) قال الفراهيديّ: (الشَّبَهُ: ضربٌ من النّحاس يُلْقَى عليه دواءٌ فيَصْفرّ، وسُمّي شَبَهاً؛ لأنّه شُبِّه بالذّهب)، انظر: العين، ج3، ص404.
[55] الاعتقادات، ص325، باب الاعتقاد في نفي الغلوّ والتفويض.
[56] صيد الخاطر، ص637.
[57] مفاتيح الغيب، ج3، ص223-224.
[58] بحار الأنوار، ج57، ص185.