مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

السبت، 30 ديسمبر 2023

هل نقل أبو تمّام شعراً عن جابر بن حيّان الكوفيّ في ديوان الحماسة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
هل نقل أبو تمّام شعراً عن جابر بن حيّان الكوفيّ في ديوان الحماسة؟


ورد في (ديوان الحماسة) لأبي تمّام بتحقيق الدّكتور عبد الله بن عبد الرّحيم عسيلان ما نصّه:
(وقال جابرُ بن حيّان:
فإن يقتسم مالي بَنِيَّ ونسوتي ** فلن يقسموا خُلقي الجميل ولا فعلي
أهين لهم مالي وأعلمُ أنّني ** سأورثه الأحياء سيرةَ مَنْ قبلي
وما وجد الأضياف فيما ينوبهم ** لهم عند عِلَّاتِ الزَّمانِ أباً مثلي)[1].
وقد يُقال: إنّ أبا تمّام قريبُ العهد بجابر بن حيّان الكوفيّ؛ فإنّهُ مات سنة 228 أو 231 أو 232 هجريّة كما ذُكر في ترجمته[2]، ونقله الشّعر عنه يشير إلى وجوده الحقيقيّ.

الجواب: نعم؛ ورد هذا النّقلُ في (ديوان الحماسة) لأبي تمّام، ولكن قد اختُلِفَ في ضبط اسم الشّاعر المذكور على عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ اسمه (جابر بن حُبَاب) بضمّ الحاء وفتح الباء الموحّدة.
وهذا الضّبط قد ذُكر في هامش نسخةٍ منسوخةٍ عن نسخةٍ بخطّ أبي الفتح ابن جنّي، وهي محفوظة في مكتبة عاطف باشا بتركيا، برقم (2041)، وفي هامش نسخةٍ منسوخةٍ عن نسخةٍ بخطِّ الشيخ أبي زكريّا يحيى بن عليّ الخطيب التبريزيّ شارح الحماسة، وهي محفوظة في مكتبة فاضل أحمد بتركيّا برقم (1237).
وضبطه المرزوقيّ في شرحه لديوان الحماسة بهذا النّحو أيضاً[3]، وقد توثّقنا من ضبط المطبوع بالنّظر في نسخةٍ خطيّة محفوظة في مكتبة نور عثمانيّه بتركيا برقم (3999)، وتاريخ نسخها يعود إلى سنة 671 هجريّة.
الوجه الثّاني: أنّ اسمه (جابر بن خبّاب) بفتح الخاء المُعجمة وتشديد الباء الموحّدة.
وهذا الضّبط ذكره أبو القاسم زيد بن عليّ الفارسيّ في (شرح كتاب الحماسة)[4].
وقد أشار السيّد فضل الله الرّاونديّ في «الحماسة ذات الحواشي» إلى هذا الضّبط أيضاً فقال: («وقال جابر بن حيّان» أبو رياش هكذا، ويُروى «خُبَاب»، ويُروى «خَبّاب»، البياريّ: «حُباب»).
الوجه الثّالث: أنّ اسمه (جابر بن حيّان) بفتح الحاء وتشديد الياء.
وهذا قد ضُبط في جملةٍ من النّسخ، ولكن ذكر بعض الأدباء أنّ هذا الرّجل هو جابر بن حيّان الجعديّ، أحد الشّعراء الإسلاميّين.
قال الدّكتور محمّد عثمان عليّ في تحقيقه لشرح الحماسة لأبي القاسم الفارسيّ عند تعرّضه لموضع الخلاف: (ثمّة اضطراب في أبيات هذا الشّاعر، فهو عند المصنّف «خبّاب» بالخاء والباء المشدّدة، وعند المرزوقيّ: «حُبَاب» بحاءٍ مضمومةٍ وباءٍ مفتوحةٍ، وعند التبريزيّ «حيّان» بحاءٍ وياءٍ مشدّدةٍ، وأظنُّه الصّحيح لأنّي وجدتُ في هامش الأصل عن الشيخ أبي طاهر الشّيرازيّ: «هو جابر بن حيّان الجعديّ، إسلاميّ»)[5].
وقد اعتمد المحقّق المذكور في تحقيق هذا الشّرح على نسخةٍ فريدةٍ كُتبت سنة 438 هجريّة وقُوبِلت أشعارها مع نسخة قرأها النّاسخُ على أبي طاهر الشّيرازيّ، وقد صرّح الناسخ بأنّه نقل عنها في حواشي نسخته، قال في آخر النّسخة: (قابلتُ أشعارَ الحماسة من أوّل الكتاب إلى آخره دون الشّروح بالنّسخة التي قرأتها على الشيخ الإمام أبي طاهر عليّ بن عبيد الله الشّيرازيّ ونقلتُ حواشيها إلى حواشي هذه النّسخة من الرّوايات الصّحيحة والأسامي المصحّحة لشعراء الحماسة..).
وأبو طاهر هو الأديب اللّغويّ عليّ بن عُبيد الله الشّيرازيّ، ذكره الباخرزيّ في (دمية القصر) فقال: (ارتبطه الصاحب نظام الملك، حرس الله دولته، لحُسْنِ خَطّه وفوز قِدْحِه من الأدب، ووفور قسطه. فلم تنفّسه المدّة، ولا نفعته العدّة حتّى انتقل إلى جوار ربّه. ورأيتُ في الخزانة النظاميّة بنيسابور ديوان شعره بخطّ يده..إلخ)[6].
وقد وقع في بعض أسانيد أبي طاهر السّلفي مُنعوتاً بـ(اللّغويّ)[7].
ثُمّ إنّي وجدتُ بعد ذلك في نسخةٍ من شرحٍ منسوبٍ لابن فارس -محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإيراني- وفيها ينصُّ المؤلّف على أنّ قائل هذه الأبيات هو الجعديّ أيضاً.

والحاصل: إنّ النسخ قد اختلفت في ضبط اسم صاحب هذا الشّعر، وعلى الوجهين الأوّلين فليس هو جابر بن حيّان الكوفيّ كما هو واضح، وعلى الوجه الثّالث قد ذكر بعض أهل الأدب أنّه جابر بن حيّان الجعديّ، وأمّا جابر بن حيان الكوفيّ فلا يُعلم من المذكور في ترجمته أنّه جعديٌّ.

(1) ديوان الحماسة، نسخة مكتبة عاطف باشا - تركيا، رقمها (2041).

(2) ديوان الحماسة، نسخة مكتبة فاضل أحمد - تركيا، رقمها (1237).

(3) شرح الحماسة للمرزوقيّ، نسخة مكتبة نور عثمانيه - تركيا، رقمها (3999)

(4) صورة عن مخطوط كتاب (الحماسة ذات الحواشي) للسيّد فضل الله الراونديّ

(5) صورة عن مخطوط الشرح المنسوب لابن فارس (مكتبة مجلس الشورى الإيرانيّ)

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحماسة، ج2، ص341.
[2] سير أعلام النبلاء، ج11، ص67.
[3] شرح ديوان الحماسة، ج2، ص1199.
[4] شرح كتاب الحماسة، ج2، ص315.
[5] شرح كتاب الحماسة، ج2، هامش ص315.
[6] دمية القصر وعُصرة أهل العصر، ج1، ص488.
[7] معجم السفر، ص91، رقم الحديث 292.