بسم الله الرّحمن الرّحيم
دراسة حول شخصيّة جابر بن حيّان في التّراث الإسلاميّ
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين، أمّا بعدُ:
فإنّ شخصيّة جابر بن حيان الصوفيّ من الشخصيّات المثيرة للجدل في التراث الإسلاميّ، وذلك لامتياز ما نُسب إليه من علومٍ ومكانةٍ من جهةٍ، ولما وقع من تشكيك في وجوده من جهةٍ أخرى، ولا يخفى أنّ إبداء النّظر في مسألة وجوده أو عدمه تستلزم استقصاء ما نُقل حول شخصيّته في التراث الإسلاميّ أولاً، والنّظر في ما وصل إلينا من تراثٍ منسوبٍ إليه ثانياً، وبناءً على هذا، يمكن التّحقيق في مسألة وجود هذه الشّخصية، وكذلك تحديد البيئة التي خرج منها هذا التّراث المنسوب إليها.
وتكمن أهميّة الحديث في هذه المسألة أنّ التحقيق في مسائل التراث العربيّ والإسلاميّ يقرّب الباحث إلى تصوّرات أكثر دقّة وواقعيّة خلال دراسة التراث، وتحول دون استنباط نتائج خاطئة في دراسة تاريخ العرب والإسلام، بالإضافة إلى أنّ هذه المسألة ترتبط بسيرة الإمام الصّادق عليه السّلام من جهة دعوى ارتباط هذه الشخصيّة به -صلوات الله عليه-، والتحقيق في سيرة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ذو فوائد جمّة، ولا سيّما في ما يرتبط بتحليل سيرتهم وعرضها في إطار فهم منهج أهل البيت صلوات الله عليهم، فإنّ تحقيق المسائل المرتبطة بسيرتهم بدقّة يساعد في تقديم صورة أكثر وضوحاً حول تاريخهم ومنهجهم -صلوات الله عليهم أجمعين-.
[1] جابر بن حيّان في التراث الإسلاميّ.
لا نجدُ ذكراً لجابر بن حيان في مصنّفات الشّيعة الرّوائيّة سواءً في الأسانيد أو في المتون، خلا رواية واحدة في كتاب «طب الأئمّة»[1]، وهو من الكتب التي لا تتوفر فيها صفات الاعتبار. كما لم نجد له ذكراً في كتب الرّجال. نعم؛ أقدمُ نصٍّ عثرنا عليه هو من كلام ابن النّديم في فهرسته، وقد ذكر الاختلاف في وجوده، وهذا يبيّن أنّ التشكيك في وجوده لم يكن طارئاً في القرون الأخيرة، وإنّما كان مبدؤه في عصر المتقدّمين.
قال ابن النّديم: (هو أبو عبد الله جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفيّ، المعروف بالصوفيّ، واختلف النّاس في أمره، فقالت الشّيعة إنه من كبارهم وأحد الأبواب، وزعموا أنّه كان صاحب جعفر الصّادق رضي الله عنه وكان من أهل الكوفة. وزعم قومٌ من الفلاسفة أنّه كان منهم، وله في المنطق والفلسفة مصنّفات. وزعم أهلُ صناعة الذّهب والفضّة أنّ الرئاسة انتهت إليه في عصره، وأنّ أمره كان مكتوماً، وزعموا أنّه كان يتنقل في البلدان لا يستقرُّ به بلدٌ خوفاً من السّلطان على نفسه.
وقيل: إنّه كان في جملة البرامكة ومنقطعا إليهاً ومتحقِّقاً بجعفر بن يحيى، فمن زعم هذا قال: إنّه عنى بسيِّده جعفر هو البرمكيّ[2]، وقالت الشّيعة: إنّما عنى جعفر الصّادق.
وحدّثني بعض الثقات ممن يتعاطى الصنعة أنّه كان ينزل في شارع باب الشّام في دربٍ يُعرَفُ بدرب الذّهب، وقال لي هذا الرجل: إنّ جابراً كان أكثر مقامه بالكوفة، وبها كان يدبِّرُ الإكسير لصحّة هوائها، ولمّا أصيب بالكوفة الأزج الذي وُجِدَ فيه هاون ذهبٍ فيه نحو مائتي رطل، ذكر هذا الرّجل أنّ الموضع الذي أُصِيْبَ ذلك فيه كان دار جابر بن حيّان، فإنّه لم يُصَبْ في ذلك الأزج غير الهاون فقط، وموضع قبّته بُنِيَ للحلّ والعقد. هذا في أيّام عزّ الدولة ابن معز الدولة.
وقال لي أبو أسبكتكين دستاردار أنّه هو الذي خرج لتَسَلُّم ذلك.
وقال جماعةٌ من أهل العلم وأكابر الوراقين: إنّ هذا الرجل -يعني جابراً- لا أصل له ولا حقيقة.
وبعضهم قال: إنّه ما صنّف وإنْ كان له حقيقةٌ إلّا كتاب الرّحمة، وإنّ هذه المصنَّفات صنَّفها النّاس ونحلوه إيّاها.
وأنا أقول: إنّ رجلاً فاضلاً يجلس ويتعب ويصنِّفُ كتاباً يحتوي على ألفي ورقةٍ، يُتعِبُ قريحته وفكره بإخراجه ويتعب يده وجسمه بنسخه ثمّ ينحله لغيره -إمّا موجوداً أو معدوماً- ضربٌ من الجهل، وإنّ ذلك لا يستمرُّ على أحدٍ، ولا يدخل تحته من تحلّى ساعةً واحدةً بالعلم. وأيُّ فائدةٍ في هذا وأي عائدة؟![3] والرّجل له حقيقةٌ، وأمره أظهر وأشهر، وتصنيفاته أعظم وأكثر، ولهذا الرّجل كتبٌ في مذاهب الشّيعة، أنا أوردها في مواضعها، وكتبٌ في معانٍ شتّى من العلوم قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب.
وقد قيل: إنّ أصله من خراسان، والرّازيّ يقول في كتبه المؤلفة في الصّنعة: قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان)[4].
وأمّا نصوص علماء أهل السنّة فأقدمها فيما رأينا يعودُ إلى القرن الرّابع الهجريّ، فقد نقل عنه المطهّر بن طاهر المقدسيّ في كتابه (البدء والتّاريخ) -الذي ألّفه سنة 355هجريّة-، قال: (حكى جابر بن حيّان أنّه إذا انتهى مسير الكواكب إلى غايةٍ، وتفرّقت في أبراجها، وتشوّشت حركات الفلك واضطربت كما كانت قبل اجتماع الكواكب في أوّل دقيقة من الحمل اختلفت أحوال العالم، وتفاوتت أرباع السّنة وفصولها، فلا يستقرّ شتاءٌ ولا صيف..إلخ)[5].
ونقل أبو ريحان البيرونيّ -المتوفّى في القرن الخامس الهجريّ- في كتابه (الجماهر في معرفة الجواهر) مرّتين عن كتبٍ لجابر بن حيّان[6]، إحداهما عن (كتاب الرّحمة)، قال: (وقال جابر بن حيان في كتاب الرحمة إنّه كان عندنا مغناطيس يرفع وزن مائة درهم من الحديد، ثمّ إنّه لم يرفع بعد ما مضى زمانٌ عليه وزن ثمانين درهماً، ووزنه على حاله لم ينقص شيئاً، وإنّما النّقصان وقع في قوّته)[7]، هذا المطلب مذكورٌ في النّسخة الواصلة إلينا من (كتاب الرّحمة)[8].
وقال جمال الدّين عليّ بن يوسف القفطيّ -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): (جابر بن حيّان الصّوفيّ الكوفيّ، كان متقدِّماً في العلوم الطبيعيّة، بارعاً منها في صناعة الكيمياء، وله فيها تآليف كثيرة ومصنَّفات مشهورة، وكان مع هذا مُشرِفاً على كثيرٍ من علوم الفلسفة، ومتقلِّداً للعلم المعروف بعلم الباطن، وهو مذهب المتصوِّفين من أهل الإسلام)[9].
وذكره ابن خلّكان -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- في ترجمة الإمام الصّادق عليه السّلام فقال: (وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصّوفيّ الطّرسوسي قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصّادق وهي خمسمائة رسالة)[10].
وممّن ذكره من علماء الشيعة الإماميّة: السيّد ابن طاوس -المتوفّى في القرن السّابع الهجريّ- حيث قال: (وممّن وقفتُ على كتابٍ منسوبٍ إليه من علماء الشّيعة: جابر بن حيّان من أصحاب الصّادق -صلوات الله عليه- يسمى «الفهرست»، والنّجاشي ذكر جابر بن حيّان، وذكر في باب الأشربة ما هذا لفظه: إنّ الطّالع في الفلك لا يكذبُ في الدّلالة على ما يدلُّ أبداً. هذا آخر لفظه في المعنى، ثمّ شرح ما يدلُّ على فضله في علم النّجوم وغيرها، وقد ذكره ابن النّديم في رجال الشّيعة وأنّ له تصانيف على مذهبنا)[11][12].
وقد ورد ذكره أيضاً في كلمات جملةٍ من المتأخّرين، وأكثرها لا يعدو ما ذُكِر؛ إذ لم يكن لدى العلماء من أهل التّراجم معلومات وفيرة حول هذه الشّخصية.
وأمّا بالنسبة إلى الخلاف في وجوده: فيظهر من كلمات ابن النّديم المتقدّمة أنّ الخلاف في وجود شخصيّة حقيقيّة باسم جابر بن حيّان قديمٌ، وقد ذكرنا عبارات جملةٍ من العلماء الذين نقلوا عن كتب جابر أو أتوا على ذكره ولم يتعرّضوا لذلك بنفي أو إثبات بشكل صريح، فسكوتهم عن إنكار ذلك إمّا للاعتقاد بوجود هذه الشّخصية أو لعدم التّحقيق في هذه المسألة.
وممّن صرّح برأيه في شأن جابر: ابن تيميّة الحرّاني (ت: 728هـ) فقد نصّ على أنّه مجهولٌ لا يُعرَف[13]، وابن نباتة المصريّ (ت: 768هـ) فقد ذهب إلى أنّ جابراً شخصيّةٌ لا وجود لها وأنّ عنوان (جابر بن حيّان) مجرّد اسم موضوع[14]، وأمّا شهاب الدّين الآلوسيّ (ت: 1270هـ) فقد قال في تفسيره بأنّ إنكار وجوده حُمقٌ[15]، ويظهر من الشيخ أسد حيدر في كتابه (الإمام الصّادق والمذاهب الأربعة) ميلٌ شديدٌ إلى أنّ جابراً شخصيّةٌ حقيقيّةٌ وقد أخذ علمه عن الصّادق عليه السّلام[16]، ويرى السيّد أحمد المددي - وهو من العلماء المعاصرين- أنّه شخصيّة خياليّة لا وجود لها[17].
[2] التّراث المنسوب إلى جابر بن حيّان
قال ابن النديم في ذكر أسماء كتب جابر في صنعة الكيمياء: (له فهرست كبير يحتوي على جميع ما ألَّف في الصّنعة وغيرها، وله فهرست صغير يحتوي على ما ألّف في الصّنعة فقط)[18]، ثمّ ذكر جملةً من هذه الكتب، ونقل عن جابرٍ أنّه قال: (ألّفتُ ثلاث مائة كتابٍ في الفلسفة، وألف وثلاث مائة كتابٍ في الحِيَل على مثال «كتاب تقاطر»، وألف وثلاث مائة رسالة في صنائع مجموعة وآلات الحرب، ثمّ ألّفتُ في الطبّ كتاباً عظيماً، وألّفتُ كتباً صغاراً وكباراً، وألّفتُ في الطبّ نحو خمس مائة كتابٍ مثل كتاب «المجسَّة والتّشريح»، ثمّ ألّفتُ كتب المنطق على رأي أرسطاطاليس، ثمّ ألّفتُ كتاب «الزّيج اللّطيف» نحو ثلاث مائة ورقة، «كتاب شرح أقليدس»، «كتاب شرح المِجَسْطيّ»، «كتاب المرايا»، «كتاب الجاروف» الذي نقضه المتكلّمون -وقد قيل: إنّه لأبي سعيد المصري- ، ثمّ ألّفتُ كتباً في الزُّهد والمواعظ، وألّفتُ كتباً في العزائم كثيرةً حسنةً، وألّفتُ كتباً في النّيرنجات، وألّفت في الأشياء التي يُعمل بخواصها كتباً كثيرةً، ثمّ ألّفتُ بعد ذلك خمس مائة كتابٍ نقضاً على الفلاسفة، ثمّ ألّفتُ كتاباً في الصّنعة يُعرَفُ بـ«كتاب الملك»، وكتاباً يُعرَفُ بـ«الرّياض»)[19]، وهذه الكتب والرسائل تزيد على ثلاثة آلاف كتابٍ ورسالةٍ، وقد وقعت هذه المصنّفات محلّاً للكلام أيضاً، فقد نقل ابن النّديم عن جماعةٍ من أهل العلم أنّ جابراً لم يؤلِّف إلّا كتاب الرّحمة، وأمّا سائر الكتب فقد نحله النّاسُ إيّاها[20]، وقد يؤيّد هذه الدعوى أنّ هذا العدد الكبير من الكتب والرّسائل قابل للتأمّل، وأنّه قد لا يكون من تأليف شخصٍ واحدٍ، إلّا أنّه بالتأمّل في صِغر أحجام جملة من رسائله وكتبه قد لا يكون هذا الإشكال وجيهاً.
وتقدّم عن ابن خلّكان قوله: (قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصّادق وهي خمسمائة رسالة)[21]، وهذه الرسائل في صنعة الكيمياء[22].
وقد وصلت إلينا جملةٌ من الرّسائل المنسوبة إلى جابر بن حيّان، قام بتحقيقها ونشرها المستشرق اليهوديّ پول كراوس (ت: 1944م) تحت عنوان (مختار رسائل جابر بن حيّان)، وطبعتها مكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 1354هـ/1935م، وقد أعاد الدّكتور عبد الرّحمن بدوي طبعها مع تصديرها بمقدّمةٍ بقلمه، وترجمةٍ للمستشرق كراوس.
وأعدّ أحمد فريد المزيديّ ثلاثين كتاباً ورسالةً من مصنّفات جابر، وطُبعت في مجلّد واحد، صدرت الطّبعة الأولى منه سنة 1427هـ/2006م عن دار الكتب العلميّة في بيروت[23].
[3] جابر بن حيّان بين الوجود والعدم
إنّ المعطيات المتقدّمة في كلمات العلماء، بالإضافة إلى ما وقفنا عليه في التّراث المنسوب إلى شخصيّة جابر بن حيّان لا تكفي للتسليم بوجوده، ويشهد بذلك جملةٌ من القرائن:
القرينة الأولى: من المسلَّم به في كلمات الذين ذكروا جابراً أنّه كان معاصراً للإمام الصّادق عليه السّلام في زمن الدّولة العبّاسيّة، وهذا يعني أنّه في طبقة القرن الثّاني الهجريّ، كما أنّه اشتهر وصفه بـ(الكوفيّ)، وتكرر ذكر صلته بالإمام الصّادق عليه السّلام، ومع ذلك لا نرى له حضوراً واضحاً في تراث الشّيعة، بل لم يُظفَر بذكره في كتب التّاريخ والتّراجم أيضاً، فلا نجدُ في الكتب المعتبرة المتقدّمة على زمان ابن النّديم نقلاً يفيد أنّ أحداً رآه أو لقيه أو خالطه سواءً في الكوفة أو بمحضر الإمام الصّادق عليه السّلام أو في موسم الحجّ، وما إلى ذلك من مواضع يلتقي فيها الشّيعة ببعضهم. والتعذّر بعلّة التحفّظ والتقيّة لا توجب خفاءً إلى هذا المقدار؛ فإنّ كثيراً من الرّواة المتصلين بالأئمّة عليهم السّلام قد أتت كتب الحديث والرجال والتاريخ على ذكرهم ولو بنبذةٍ يسيرةٍ، بينما نرى أنّ رجلاً عالماً مصنّفاً متبحّراً في العلوم لم ترد بحقّه أدنى إشارة في كتب الشّيعة القدماء.
وممّا يزيد الرّيب في ذلك: أنّ ابن النّديم قد ذكر جملةً من الكتب المنسوبة إلى جابر بن حيّان، ومن عبارته يظهرُ أنّ جابراً كان ذا علاقةٍ بالبلاط العبّاسيّ، فقد ذكر ابن النّديم أنّه ألّف كتاب (إسطقس الأسّ الأوّل)، وكتاب (إسطقس الأسّ الثّاني)، وكتاب (الكمال) للبرامكة، وكتاباً آخر لعليّ بن يقطين، وكتاباً لعليّ بن إسحاق البرمكيّ، وكتاب (تليين الحجارة) لمنصور بن أحمد البرمكيّ، وكتاب (أغراض الصّنعة) لجعفر بن يحيى البرمكيّ. كما أنّ رسائله تتضمّن نصوصاً تشير إلى مخالطته لرجال البلاط العبّاسيّ، ومن ذلك قوله: (وحقّ سيدي، لقد خلّصت به -أي بالإكسير- من هذه العلّة أكثر من ألف نفسٍ فكان هذا ظاهراً بين النّاس جميعاً في يومٍ واحدٍ فقط. ولقد كنتُ يوماً من الأيّام بعد ظهور أمري بهذه العلوم وبخدمة سيّدي عند يحيى بن خالدٍ وكانت له جاريةٌ نفيسةٌ لم يكن لأحدٍ مثلها جمالاً وكمالاً وأدباً وعقلاً وصنائع توصف بها، وكانت قد شربت دواءً مُسهِّلاً لعلّةٍ كانت بها..إلخ)[24]، واللافت للنّظر في هذه الفقرة قوله: (فكان هذا ظاهراً بين النّاس جميعاً..)، وقوله: (بعد ظهور أمري بهذه العلوم) ، ومع ذلك لا نرى شيئاً ظاهراً في كتب التّاريخ والتّراجم والرّجال وغيرها.
وقال في موضعٍ آخر: (دعاني يوماً من الأيّام في شهر رمضان في اليوم السّابع منه جعفرُ بن يحيى، ويحيى معنا وخالد معنا أخو جعفر، فأقمنا عنده لشراء شيء من الإماء، ثمّ إنّ ذلك انقضى وأخذنا في ذكر الخواص في هذه الأركان خاصّةً فبلغنا إلى خواص الدّهن..إلخ)[25].
وقوله: (كنت يوماً عند إسحاق بن موسى بن يقطين وعنده رجلٌ فاضلٌ من الصّنعويّين، لم أرَ مثله في الطّالبين لهذه الصّناعة..)[26].
وهذا كلّه ينافي الاعتذار عن غموض شخصيّته باستتاره واختفائه عن السّلطان أو تحفّظه على ما عنده من العلوم، وفيه اقتضاء الشّهرة عند الخاصّ والعامّ، فإنّ المؤرّخين وأصحاب التّراجم أتوا على ذكر من خالط السّلاطين والوزراء من العلماء والمترجمين والمغنّين والنّدماء، فكيف غاب عنهم ذكره؟ وكيف اختفت أخباره من التراث الإسلامي فلم يظهر له أثرٌ سوى هذه الرّسائل المنسوبة إليه؟
ومن الجدير بالذّكر أنّ جملةً ممّن ذكروا جابراً لم يكن لهم مستندٌ سوى هذه الرّسائل المنسوبة إليه، ولم تكن لديهم أخبارٌ خاصّةٌ عنه، ولتُلاحظ عبارة المطهّر بن طاهر المقدسيّ وأبي ريحان البيرونيّ؛ فإنّهما ناظران إلى ما في تلك الرسائل المنسوبة.
القرينة الثّانية: قال ابن النّديم في عبارته المتقدّمة: (واختلف النّاس في أمره، فقالت الشّيعة إنه من كبارهم وأحد الأبواب)، والتّعبير عن جابر بن حيّان بكونه باباً لا يخلو من غرابةٍ؛ فإنّ كتب الشّيعة القدماء لم تجرِ على هذا المصطلح، كما أنّ الشيعة لم تذكره في كتبها فضلاً عن أن تذكره بعنوان بابٍ من الأبواب، بل إنّ هذا يزيد الرّيب بشأنه، فلو كانت الشيعة الإماميّة تذكر أنّه بابٌ للأئمّة لورد ذلك في كتبهم، ولا سيّما أنّه من الخواص المقرّبين، ولكن الصّحيح أنّ مراده من الشّيعة هم بعض فرق الغلاة منهم، فإنّ هذا المصطلح ذو ارتباطٍ بتراث الغلاة[27]، وهو ما يفتح الباب للتّساؤل حول ارتباط تراث جابر ببيئة الغلاة، ويضعّف الوثوق بدعوى وجود هذه الشّخصية مع هذا المقدار من الغموض والخفاء حولها.
أقول: من خلال نظرةٍ فاحصةٍ في رسائل جابر بن حيّان يظهرُ بوضوحٍ أنّ مدوّن هذه الرّسائل ذو ارتباطٍ ببيئة الغلاة وأفكارها، فإنّ جملةً من العبارات في رسائل متعددة تبيّن علاقةً بين هذه الرّسائل وأفكار الغلوّ، فمن هذه العبارات:
1- ما قاله في كتاب (إخراج ما في القوّة إلى الفعل): (وذلك أنّ الشّمس قد رُوي أنّها رُدَّتْ لأمير المؤمنين لمّا فاتته الصّلاة، كما رُدَّتْ له لمّا ظهر الميمُ في شخص إبراهيم، فإنّ إنساناً ناظره فقال: أنا أُحيي وأُميت. كما احتُجَّ عليه، وكان المناظر بليغاً لم يكن عامّياً؛ لأنّ إبراهيم مكان الميم في الوقت، والمُناظِرُ أمير المؤمنين. ومعنى قوله: ݨفبُهِتَ الذِي كَفَرَݩ ليس المُنَاظِرُ، إنّما بُهِتَ مَنْ كان حاضراً من العميان -لعنهم الله ولعن أمثالهم-، ورُدّت مثل ذلك في هذا الزّمان لإقامة الظّاهر للصّلاة والمعنى واحد في العمى والتّلبيس لمن حضر)[28].
ومصطلح (الميم) من المصطلحات المستعملة بكثرة في متون الغلاة، ويريدون به النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وآله-، وفي هذه العبارة يشير إلى مطلب أساسيّ في عقيدة الغلاة وهو تكرُّر ظهور الاسم -وهو السيّد الميم بحسب تعبيرهم- في كل دورٍ بأشخاص مختلفين، فظهر الميم في أحد الأزمنة السّابقة بصورة شخص النبيّ إبراهيم عليه السّلام.
كما أنّ تفسيره للآية الكريمة مخالفٌ لظاهر القرآن، فضلاً عن الجنبة الباطنيّة في تأويله إيّاها، فقد جعل النبيّ إبراهيم هو النبيّ محمّد (الميم)، وجعل المناظِرَ له هو (أمير المؤمنين) الذي ظهر بصورةٍ أخرى، فلذلك قال: (والمناظِرُ أمير المؤمنين) ثم نفى أنّ الذي بُهِتَ هو المُنَاظِر، بل من كان حاضراً من العميان -على حدّ تعبيره-.
2- ما قاله في كتاب (إخراج ما في القوّة إلى الفعل) في بيان معنى الطلسم: (فإنّا رويناه عن معدن الحكمة وصانعه خبَّرني به فقال: يا جابر. فقلت: لبّيك يا مولاي. فقال: أتدري لم يُسمَّى الطلسم طلسماً؟ قلت: لا والله يا مولاي ما أدري. فقال: فكِّر فيه، فإنّه من عِلْمك. ففكّرتُ فيه سنةً فلم أعلم ما هو. فقلت: لا والله يا مولاي ما أدري ما هو. فقال: لولا أنِّي غرستُك بيدي وأنشأتُك أوّلاً وآخراً إلى وقت هذا لقلتُ إنَّك مُظلِمٌ، ويلك اقلبْهُ. فقلت: نعم يا مولاي. فإذا معناه مُسلَّط من جهة الغلبة والتّسليط. فخررتُ ساجداً فقال: لو كان سجودك لي وجِدُّكَ لكُنتَ من الفائزين، قد سجد لي آباؤك الأوّلون. وسجودك لي يا جابر سجودُك لنفسك، أنت والله فوق ذلك. فخررتُ ساجداً فقال: يا جابر، والله ما تحتاجُ إلى هذا كلّه. فقلتُ: صدقتَ يا مولاي. فقال: قد عَلِمْنا ما أردتَ، وعلمتَ ما أردتُ، فكن على نيلك)[29].
ومع غضّ النّظر عن سخافة المطلب في هذه الرواية المكذوبة، فإنّ السّجود للأئمّة عليهم السّلام منهيٌّ عنه، ولم يُعهد في رواياتنا المعتبرة ولا في سيرة الشيعة القدماء، وكذا قول: (قد سجد لي آباؤك الأوّلون) أقرب إلى طريقة الغلاة من منهج الشيعة الإماميّة.
3- قوله: (وإنّما علينا الاجتهاد في الكلام، وعليك القبول منّا، فإن قبلت لم تندم، ووحقّ سيديّ عليه السّلام إن لم تقبل لتكونّن مثل رعاع العامّة السّفلة الأضداد لعنهم الله أكثر مما قد لعنهم)[30]، وقوله: (ولكن هذه الكتب يا أخي معجزات سيّدي، وليس -وحقّه العظيم- يظفر بما فيها من العلوم إلّا أخونا، فأمّا من سواه من إخواننا الذين لم ندّخر هذا من أجلهم ولا صنّفناه لهم فإنّما يظفر منها بما ظهر من علومنا فيها وصنائعنا التي وضعناها وأودعناها إياها، وأمّا غير هؤلاء من الأضداد والسّفلة والأرذال والسّفهاء المظلمي النّفوس الأقذار العقول فما يزيدهم الله بها إلّا عمىً وضلالةً وجهلاً وبلادةً)[31]، والتّعبير عن المخالفين بـ(الأضداد) رائجٌ في كتب الغلاة، وهو مستعمل للإشارة إلى حكام الجور والمخالفين.
4- قوله: (وإنّما ذكرنا أمر الشّرع في حواشي كتبنا؛ لأنّ الشرع الأول إنّما هو للفلاسفة فقط، إذ كان أكثر الفلاسفة أنبياء كنوحٍ وإدريس وفوثاغورس وثاليس القديم وعلى مثل ذلك إلى الإسكندر)[32].
وجماعات من الغلاة يميلون إلى تقديس الفلاسفة القدماء وإسباغ صفات الألوهيّة أو النبوّة عليهم، ومن نماذج ذلك ما رواه أبو سعيد الطبرانيّ في (الرّسالة الجوهريّة الكلبيّة): (ورُوي أنّ أبا الفتح محمّد بن الحسن البغداديّ رضي الله تعالى عنه [روى] عن العالم منه السّلام، قال: إنّ المعنى -عزّ عزُّه- كان ظاهراً بأرسطاطاليس، والاسم ظاهراً بأفلاطون، والباب ظاهراً بسقراط، واليتيمان ظاهران بقراطيس وجالينوس)[33].
5- قوله في «كتاب الخمسين» ما نصّه: (وأمّا أسماء الأشخاص الذين يكونون في هذا الباب خمسة وخمسون)، وذكر منها: النبيّ، الإمام، الباب اليتيم، وهي مراتب خاصّة في تراث الغلاة، ثم قال: (وقال قومٌ: كلّ واحدٍ من هذه الأشخاص يعلمُ علم الإمام، فيجوز أن يكونوا أئمّةً. لكن لأهل النّظر ميزة قاطعة، وهو أنّ حدّ الإمام عنده أنّه التّامّ العِلم العامِل به، والباقون لا يعملون به ولا يحكمون. فأمّا الحجاب اثنان أصحابه: محمودٌ، وهو من يوسَم بالعلم وصحبة القوم، فإذا سُئل أوصل وتلطّف، ومذمومٌ وهو يستر ويخايل. وأمّا اليتيم فهو تربية الإمام ولا يُطلَق له البتّة، وهو محجوبٌ لا يراه أحدٌ سوى الإمام. وأمّا الباب فهو الرّائض الرّياضة الكبرى الكليّة، ليس وراءها غير الوصول بقوله: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها. فدلَّ على أنّه المِفتاح.
فنحتاجُ أن نوضّح هل كلّ نبيٍّ وإمامٍ ويتيمٍ وبابٍ يقبل حدّ نبيّ وإمام ويتيم وباب، ثم ينبع على سائر الأشخاص؟ فأمّا أهل الوحي والمعجز فزعموا أنّهم ليس واحداً وإن تساووا فيما ذكرناه؛ لأنّهم لو كانوا بمعنى واحد ما تغيّرت معجزاتهم وسننهم، فظهر أنّ كلّاً منهم مخالفٌ للآخر، أعني: النبيَّ للنبيِّ والإمام للإمام وسائر الباقين على ذلك).
ثم قال: (وليس كلّ إمامٍ من يتيمٍ وإن كان بعض الأئمّة من يتيمٍ، وليس صورة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية عند أمير المؤمنين بمنزلته عند النبيّ؛ لأن ليس فيهم يتيم، وأمير المؤمنين كان يتيماً.
وأيضاً: فإنّ الجماعة ليس فيها من كان باباً، وعليٌّ كان باباً. فهذا فضلان وإن كانت أشخاصهم متساوية. وأمّا باقي الأئمّة فإنّهم أخذوا من آبائهم وموصى إليهم، فلذلك فُضّل الحسين على الحسن؛ لأنّه أخذ عن أبيه، والحسين أخذ عن أبيه والحسن.
وإن قيل: «إنّ الحسن أخذ عن النبيّ وعن عليّ وعن سلمان» لأنّ الحسين قد أخذ عن الثّلاثة وعن أخيه، وليس فيهم من أخذ عن أخيه من الباقية غير الحسين.
وفُضّل محمّد بن الحنفية لأنّه لا يُروى أنّ أمير المؤمنين علّمه فقط شيئاً ظاهراً إلّا بمعنى سماع كلامه وبقوله: «أنت ابني حقّاً». وليس هذا موضعه لأنّه طويل، وخلف النّاس فيه كثير.
فأمّا الرّابع: فيكاد يكون كالتالي، أعني أنّ منزلة عليّ بن الحسين تكاد تكون كمنزلة الحسن).
وقال أيضاً: (فأمّا الفرق بين الإمام والنبيّ: أنّ النبيّ ناطق، والإمام صامت. والنبيّ آمرٌ والحجاب مأمورٌ، والإمام مأمور عالم بما أُمِرَ، والحجاب ليس عالماً بكلّ ما أُمِرَ. والنبيُّ فاعلٌ وحاكمٌ وآمرٌ، واليتيم لا فاعل ولا حاكم ولا آمر. والإمام صامت وناطق، واليتيم لا صامت ولا ناطق ولا عالم بكلّ ما أُمِرَ. والحجاب مأمور واليتيم غير مأمور. والنبيّ الجامع والباب واحد. والإمام حاكم، والباب مرشد. والباب يعلم والحجاب لا يعلم. والباب متّصل واليتيم منفصل. والباب ثابت واليتيم منتقل، والفرق بين الأنبياء على قدر المِلل، والأئمّة على قدر التأخّر، والسّلام)[34].
وهذه الاصطلاحات والمراتب من قبيل الباب واليتيم والحجاب وغيرها مبثوثة بكثرة وأنحاء مختلفة في كتب الغلاة.
6- ومنها قوله أيضاً: (والقوم قد نصبوا لكلّ دورٍ ستّة أشخاصٍ. وطائفةٌ قال: إنْ كان الأمرُ مستقيماً من الأوّل إلى السّادس كان الأمور منوطاً في الأئمّة، وإن كان الأمر مضطرباً كان وجود النّاطق..إلخ)[35].
وهذه العبارة تلوّح بما عليه الإسماعيليّة في مسألة الأدوار ووجود النّاطق فيها؛ فإنّ الإسماعيلية تعتقد بالأدوار السّبعة، وأنّ الدّور السّادس ابتدأ بنبوّة النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وآله-، وفي هذا الدّور ستّة أئمّة ثُم يكون ختم الدّور بالإمام السّابع وهو عندهم محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصّادق.
ومن هنا يقرب جدّاً أن تكون المتون المنسوبة إلى جابر بن حيّان قد خرجت من البيئة الإسماعيليّة، وقد ألّفتها جماعةٌ منهم ونسبوها إلى هذا العنوان، وهم لهم تجارب مماثلة في هذا الجانب، ولا سيّما أنّ هذه الرّسائل تمثّل نسخةً مبكّرةً ومتقدّمة من «رسائل إخوان الصّفا»؛ فإنّ وجوه التشابه بينها متعدّدة، من جهة الجنبة الباطنيّة التي تتضمّنها، والارتباط بالتراث اليونانيّ، وإيضاح هذا الأمر يحتاج إلى دراسة منفردة تهتمُّ بالمقارنة بين رسائل جابر ورسائل إخوان الصّفا.
[4] بيان عدم الوثوق بنسبة هذه المسائل والعلوم إلى الصّادق عليه السّلام.
مع غضّ النّظر عن مسألة وجود جابر نفياً أو إثباتاً، أو على تقدير التّسليم بوجوده، فإنّه لا يمكن الاطمئنان بأنّه قد أخذ هذه المسائل والعلوم عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام.
ومع البناء على عدم الاعتداد بالتراث المنسوب إليه، فيصبح الأمر أكثر ضبابيّةً؛ لأنّ المنقول في كتب التراث الإسلاميّ في القرون الأولى لا يكاد يفي بإثبات اتّصاله بالصّادق عليه السّلام، فضلاً عمّا يكتنف ذلك القول من إشكالات تقدّمت الإشارة إليها.
وأمّا مع البناء على الالتفات إلى مضامين تراثه الواصل إلينا، فإنّ الأمر أكثر إشكالاً، وذلك أنّ هذه الرّسائل احتوت على مطالب منكرة تدلّ على تخليطٍ عظيمٍ وبُعدٍ عن طريقة المتشرّعة، فإنّها لا تلائم سيرة ذوي الدّين، فكيف بمن يُدّعى أنّه من خواص الصّادق عليه السّلام؟! بالإضافة إلى أمورٍ أخرى تبعّد هذه النّسبة المكذوبة.
فمن ذلك: ما تقدّم ذكره من كلامه عن سجوده للصّادق عليه السّلام وسائر المطالب المشيرة إلى الغلوّ.
ومن ذلك: ما أورده في بعض رسائله حول تسخير الكواكب العلويّة واستخدامها، وهو أشبه بطريقة أهل السّحر والطلسمات وأمثالهم، فقد ذكر مطلباً في كتابه (إخراج ما في القوّة إلى الفعل) حول تسخير الكواكب العلويّة فقال: (أمّا العلويّات واستخدامها فكلامٌ لاهوتيٌّ عظيمٌ، والكلام أيضاً فيه ندر جداً، صعبٌ، ممتنع الوجود إلّا لذوي العقول البالغة التّامّة وذوي الرّياضة والفوائد الكاملة..)، ثم قال تحت عنوان «القول في كيفيّة خدمة العُلويّات»: (هذا يكون لشيئين لا غير، وهما: الرّصد والبخور. فأمّا الرّصد فأن تنظر نزول أيّ كوكبٍ أردتَ إلى أيّ درجةٍ أردتَ لعمل ذلك الشيء بعينه. وأمّا البخور فلكلّ كوكبٍ بخوران، أحدهما للمماثلة، والآخر للمقابلة..إلخ)، ثمّ ذكر البخور المعدّ لاستخدام كلّ كوكب من الكواكب العلويّة مثل الزّهرة وعطارد وزحل[36]، وقال في موضع آخر: (وانظر وحقّ سيديّ لقد عرضته عليه فقال لي: وحقّ جدّي ليظهرنّ لك في العالَم بعد وقتك أمرٌ عظيمٌ من هذا العلم. ووالله لئن استغرقت كلامي في هذه العلوم لا أعوَزَك معها في العالم شيٌ ولتعلَمنَّ العجائب، وليس علمُ الموازين نافعاً في علم الصّنعة فقط، بل هو نافعٌ فيما هو أعظم منها وهو علم الطّلسمات والكهانة والنّواميس العظيمة والتي على مثلها تتذابح النّاس، فاعلم وافهم ما أقوله)[37]. وهذا النّمط من الأعمال معروف عن بعض ذوي المشرب الباطنيّ كالمتصوّفة، ومن هنا اتّهمه ابن خلدون بأخذ جملةٍ من علومه عن المشتغلين بالسّحر[38].
ومن ذلك: ما قاله في صناعة الموسيقى وتأليفه فيها: (أمّا أمر الموسيقى فقد ذكرنا في كتبنا هذه كتاباً فيه بديع الأمر، لا يعملُ أحدٌ من النّاس مثله، قد استوفينا فيه صغير ما في الصّناعة وكبيره، ونحن نذكرُ هاهنا منه شيئاً يكون طريقاً للمتعلِّم فيما يحتاج إليه، وذلك أنّ حروف المدّ واللّين ثلاثة، وهي التي عليها مدار اللّحن والقرع، لأنّ الموسيقى إنّما هو مساواةٌ بين الصّوت بالنّغمة وقرع الوتر في زمانه..)[39]، وفي بداية كلامه كان قد وصف علم الموسيقى بـ«العلم النّفيس الكبير»[40]. وهذا ليس من طريقة عامّة الشّيعة فضلاً عن خواصّهم، بل ليس من ديدن المتشرّعة كما تشهد به سيرتهم.
ومن ذلك: قوله أنّه كان يدعو بأدعية الفلاسفة، ونقل دعاءً شبيهاً بأدعيتهم -كما نصّ على ذلك- ونسبه إلى الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: (وإذ قد بسطت لذلك فلنقل ما سبب ذلك: إنِّي كنتُ آلفتُ سيّدي -صلوات الله عليه- كثيراً، وكنتُ لَهِجاً بالأدعية وبخاصّة ما كان يدعو به الفلاسفة، وكنتُ أعرضه عليه، وكان منها ما استحسنه، ومنها ما يقول: «النّاسُ كلُّهم يدعون بهذا، وليس فيه خاصيّة»، فلمّا أكثرتُ عليه علّمني هذا الدّعاء، وهو من جنس دعاء الفلاسفة، بل هو وتلك واحد إذا قُرِئت جميعاً، ولكن له فيه اختيارٌ وزيادات).
ثم ذكر متن الدّعاء وهو: (اللّهم أنت أنت، يا من هو هو، يا من لا يعلم ما هو إلا هو، اللهم أنت خالق الكلّ، اللهم أنت خالق العقل، اللهم أنت واهب النّفس النفسانيّة، اللهم أنت خالق العِلّة، اللهم أنت خالق الرّوح، اللّهم أنت قبل الزّمان والمكان وخالقهما، اللهم أنت فاعل الخلق بالحركة والسّكون وخالقهما، اللهم إنّي قصدتُك فتفضّل عليّ بموهبة العقل الرّصين، وإرشادي في مسلكي إلى الصّراط المستقيم، اللّهم بك فلا شيء أعظم منك نوّر قلبي، وأوضح لي سبيل القصد إلى مرضاتك، اللّهم إنّي قصدتك ونازعتني نفساي، نفسي النفسانيّة نازعتني إليك، ونفسي الحيوانيّة نازعتني إلى طلب الدّنيا، اللهم فبك لا أعظم منك، يا فاعل الكلّ، صلّ على محمّد عبدك ورسولك وعلى آله وأصحابه المنتجبين، واهدِ نفسي النفسانيّة إلى ما أنت أعلم به من مرادها منها، وبلّغ نفسي الحيوانيّة منك آمالها فتكون عندك، إذا بلّغتها ذلك فقد بلّغتها الدّنيا والآخرة، إنّه سهلٌ عليك، اللّهم إنّي أعلم أنّك لا تخاف خللاً ولا نقصاناً يوهنك برحمتك وكرمك هب لي ما سألتك من الدّنيا والآخرة..إلخ)[41].
كما أنّ هذه الرّسائل لا تخلو من مبالغاتٍ وغرائبَ شتّى، ومنها قوله: (فإنّا قد عملنا رسالةً مفردةً في وضع الحروف، لو اتُّفِقَ عليها وقتاً من الأوقات لأغنت النّاس عن التّصحيف وغيره، وعرّفتهم بكلام الطّير -إن كان كلاماً-، وصرير البكر، وطحن الرّحاء، وجميع الأصوات، وهي كبيرةٌ يُفهم منها كلّ لغةٍ، يقال لها رسالة «ا.ب.ت.ث»، فاطلبها فإنّها من غريب كتبي، وكان سيّدي -صلوات الله عليه- يعشقها ويديم النّظر فيها لحُسنها، فهي عجيبةٌ غريبةٌ، تفهم منها حركة كلّ شيءٍ متحرّك، ونطق كلّ صوتٍ، إمّا بمعنى تحته أو بغير معنى مثل زئير الأسد ونباح الكلب وصهيل الدوابّ وأمثال ذلك)[42].
وله قصصٌ أخرى من ضرب الخيال يصعب الوثوق بوقوعها مع هذه الحال، وقد ذكرها في مواضع متفرّقة[43].
ومن ذلك أيضاً: ما بثّه في كتبه -وهو ينسب أكثر علومه للصّادق عليه السلام- من نظريّات طبيعيّة مبنيّة على علوم الطبيعة والهيئة في التراث اليونانيّ وغيره ممّا أصبح بطلانه في زماننا الحاضر من البديهيّات، وهذا أكبر داحضٍ لدعوى مصنّف هذه الرسائل أنّ علمه مأخوذ من الصّادق عليه السّلام.
ومن ذلك أيضاً: أنّ الفضاء العامّ لهذه الرّسائل إنْ بلحاظ طبيعة بعض الأبحاث المطروحة أو بلحاظ الألفاظ المستعملة[44] لا ينسجم مع المشهد العلميّ في النّصف الأوّل من القرن الثّاني الهجريّ، بل هي أقرب إلى القرن الثّالث الهجريّ الذي شهد طفرةً في ميدان التّرجمة والفلسفة والانفتاح على التراث اليونانيّ و«العلوم الهرمسيّة» بنطاقٍ أوسع.
[5] كلمة أخيرة: الكيمياء في البيئة الإسلاميّة خلال القرون الأولى.
يرى النّاظر في التراث الإسلاميّ اختلافاً شديداً بين العلماء في علم الكيمياء، فمنهم من يرى صحّته، ومنهم يطعن عليه ويحرّمه ويرى أنّه ضرب من الشّعبذة ولا واقع له، ولفهم حقيقة الخلاف لا بدّ من الوقوف على تصوّرٍ واضحٍ لهذا العلم في تلك العصور، فإنّه لم يكن بالصّيغة التي نعرفها في زماننا الحاضر.
عُرف هذا العلم بـ«علم الصّنعة»، وهو علم ينظرُ في أحوال المعادن والنباتات وغيرها، ولكنّه لم يكن علماً متمحِّضاً في الجانب التجريبيّ، وإنّما رُبط بمسائل من التراث الفلسفيّ الباطنيّ وأعمالٍ ترتبط بالطّلسمات والأوفاق وتسخير الكواكب وعلم الأبراج، بالإضافة إلى دعاوى القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة كالذّهب والفضّة.
وفي هذا السّياق، تؤكّد رسائل جابر بن حيّان عدم تمحّض الكيمياء بالمجال التجريبيّ الخالص، بل تعتبرُ الكيمياء ضرباً من الأسرار التي تختصُّ بـ«الإخوان»[45]، وأنّ الرّياضة الرّوحية ذات صلةٍ بها[46].
ومن النصوص المهمّة التي تدلّ على أنّ تراث «علم الصّنعة» ممتزجٌ بالجوانب الباطنيّة ما حكاه ابن النديم عن أهل صناعة الكيمياء، قال: (زعم أهلُ صناعة الكيمياء -وهي صنعة الذّهب والفضّة من غير معادنها- أنّ أوّل من تكلّم على علم الصّنعة هرمس الحكيم البابليّ، المنتقل إلى مصر عند افتراق النّاس عن بابل، وأنّه ملك مصر، وكان حكيماً فيلسوفاً، وأنّ الصّنعة صحّت له، وله في ذلك عدّة كتب، وأنّه نظر في خواصّ الأشياء وروحانيّاتها، وصحّ له ببحثه ونظره علم صناعة الكيمياء، ووقف على عمل الطّلسمات، وله في ذلك كتب كثيرة)[47].
ومن ذلك أيضاً ما ذكره ضمن مصنّفات إصطفن الرّاهب حيث قال: (إصطفن الرّاهب، هذا الرّجل كان بالموصل، ويُسمّى ميخائيل، وكان يُحكى عنه أنّه عَمِل الكيمياء، فلمّا مات ظهرت كتبه بالموصل، فرأيتُ منها شيئاً وهو: كتاب الرّشد...، كتاب الأدعية والقرابين التي تُستعمل قبل صناعة الكيمياء)[48].
فهذا كلّه يدلّ على أنّ صنعة الكيمياء لم تكن متمحّضة في الجانب التجريبيّ، وإنّما تتخلّلها أمور ذات جنبة باطنيّة تتلاءم مع مشرب جماعاتٍ من الباطنيّين -الأعمّ من المتصوّفة والغلاة- من قبل التعلّق بالطلاسم والأوفاق والاهتمام بالنّجوم والكواكب وغير ذلك، بالإضافة إلى محاولة مقاربة هذه المسائل مع فلسفة أهل الباطن، ولعلّ هذا الوجه في اشتهار عنوان جابر بن حيّان بـ «الصّوفيّ».
ولقد لفت النّظر -في هذا السّياق- اهتمام جملةٍ من الغلاة والباطنيّين بهذا العلم[49]، ومنهم: محمّد بن عليّ الشّلمغانيّ، حيث قال ابن النّديم في ترجمته: (ابنُ أبي العزاقر، أبو جعفر، محمّد بن عليّ الشّلمغانيّ، وقد استقيصتُ ذكره في أخبار الشّيعة، وكان له قدمٌ في صناعة الكيمياء. وله من الكتب: كتاب الخمائر، كتاب الحَجَر، كتاب شرح كتاب الرّحمة لجابر، كتاب البرّانيّات)[50].
ومنهم: إبراهيم بن محمّد بن أحمد بن أبي عون، قال ياقوت الحمويّ في ترجمته: (وكان من أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ الشلمغانيّ المعروف بابن أبي العزاقر... وكان يتعاطى الكيمياء، وله كتب معروفة)[51].
ومنهم: الحسين بن منصور الحلّاج، قال ابن النّديم: (قرأتُ بخطِّ أبي الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر طيفور: الحسين بن منصور الحلّاج، وكان رجلاً محتالاً مُشعبِذاً، يتعاطى مذاهب الصّوفيّة ويتحلّى ألفاظهم، ويدّعي كلّ علمٍ، وكان صفراً من ذلك، وكان يعرف شيئاً من علم الكيمياء..)[52].
وقال ابن الجوزيّ: (قال أبو بكر الصوليّ: قد رأيتُ الحلّاج وجالسته، فرأيت جاهلاً يتعاقل، وغبيّاً يتبالغ، وفاجراً يتزهّد، وكان ظاهره أنّه ناسك صوفيّ، فإذا علم أن أهل بلدة يرون الاعتزال صار معتزليّاً، أو يرون الإمام صار إماميّاً، وأراهم أنّ عنده علماً من إمامتهم، أو رأى أهل السنّة صار سنيّاً، وكان خفيف الحركة، مُشعبِذاً، قد عالج الطبّ، وجرّب الكيمياء، وكان مع جهله خبيثاً، وكان يتنقل في البلدان)[53].
ثمّ إنِّي رأيتُ عبارةً للشّيخ الصّدوق (رحمه الله) في حديثه عن الغلاة الحلّاجيّة يقول فيها: (ومن علاماتهم أيضاً دعوى علم الكيمياء ولا يعلمون منه إلا الدّغل وتنفيق الشَّبَه[54] والرّصاص على المسلمين)[55]، وهذه العبارة تشير إلى شيوع هذا العلم في أوساط جماعاتٍ من الغلاة ذوي الميول الباطنيّة.
ومن هنا يتبيّن أنّ المنكرين لعلم الكيمياء لم ينكروا الجانب التجريبيّ فيه، وإنّما ما شابه من مسائل باطنيّة لا تمتّ للشريعة بصلةٍ، بالإضافة إلى إنكارهم القدرة على انقلاب الأعيان وتحويل النّحاس إلى ذهبٍ، وفي هذا قال ابن الجوزيّ: (وأبلهُ من هؤلاء من يتشاغل بعلم الكيمياء؛ فإنّه هذيان فارغ، وإذا كان لا يُتصوّر قلب الذهب نحاساً، لم يتصور قلب النحاس ذهباً، فإنّما فاعل هذا مستحلٌّ للتدليس على النّاس في النقود، هذا إذا صحّ له مراده)[56].
وقال الفخر الرّازيّ: (وبهذا الطّريق نعلمُ فساد ما يدّعيه قومٌ من الكيمياء، لأنّا نقول: لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذّهب ذهباً لكان إمّا أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال، فكان ينبغي أن يُغنوا أنفسهم بذلك عن المشقّة والذلّة أو لا يمكنهم إلا بالآلات العظام والأموال الخطيرة، فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكّنين من ذلك، بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك؛ لأنّه أنفع لهم من فتح البلاد الذي لا يتم إلا بإخراج الأموال والكنوز، وفي علمنا بانصراف النّفوس والهمم عن ذلك دلالةٌ على فساد هذا القول)[57].
وقال العلّامة المجلسيّ رحمه الله في هذا العلم: (ويظهر من بعض الأخبار تحقّقه، لكن علم غير المعصوم به غير معلوم، ومَنْ رأينا وسمعنا ممّن يدّعي علم ذلك منهم أصحاب خديعةٍ وتدليسٍ ومكرٍ وتلبيسٍ، ولا يتبعهم إلا مخدوع، وصرف العمر فيه لا يسمن ولا يغني من جوع)[58].
ويتلخّص مما ذكرنا أنّ لعلم الكيمياء في القرون الأولى سماتٌ عديدة:
السّمة الأولى: الارتباط بالعلوم الباطنيّة والروحيّة، ولذا مال إليه جماعاتٌ من ذوي الميول الباطنيّة من المتصوّفة وبعض فرق الغلاة.
السّمة الثّانية: اشتهاره بدعوى القدرة على قلب أعيان المعادن، وهذه الدّعوى لم تكن محلّ تسليم وقبول.
السّمة الثّالثة: استناد أصول هذا العلم إلى تراث الأمم السّابقة ولا سيّما التراث اليونانيّ والهرمسيّ.
ومن هذا المنطلق اتّخذ كثير من علماء المسلمين موقفاً سلبيّاً تجاه هذا العلم ومنتحلي صنعته، وتراث جابر بن حيّان لا يخرج عن الإطار العامّ لهذا العلم، بل هو من أقدم بذوره التاريخيّة، وهو ما يجعله محلّاً للتأمّل والتّساؤل من جهاتٍ شتّى.
خلاصة الدراسة
1- إنّ الأدلّة على وجود شخصيّة حقيقيّة باسم جابر بن حيّان غير وافيةٍ للإثبات، ومن هنا فإنّ أصل وجود شخصيّة بهذه المواصفات أمر مشكوك.
2- التراث المنسوب إلى جابر بن حيّان ذو صلةٍ بأفكار الغلاة والباطنيّين والتراث الفلسفيّ والعلميّ اليونانيّ.
3- إنّ نسبة جابر بن حيان وملحقاته إلى دائرة خواصّ الإمام الصّادق عليه السّلام غير صحيحة؛ وتنافيها جملة من القرائن، منها: عدم ظهور أدلّة تاريخيّة كافية للإثبات، فساد المطالب المبثوثة في رسائل جابر بن حيّان من الجهة الشرعيّة، وعدم انسجام لغة ومطالب هذه الرّسائل مع لغة القرن الثّاني الهجريّ إجمالاً.
4- نسبة مساهمة الإمام الصّادق عليه السّلام في علم الكيمياء استناداً إلى تراث جابر بن حيّان غير صحيحة؛ فإنّ الدّلائل لا تفي بإثبات وجود هذه الشّخصية فضلاً عن ارتباطها بالإمام، بالإضافة إلى أنّ علم الكيمياء بصيغته السّابقة في القرون الأولى لا يخلو من شوائب التراث الباطنيّ وأفكار الغلوّ وغيرها من الاتجاهات الفكريّة في ذلك الوقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: بحار الأنوار، ج59، ص186.
[2] لا يخفى ضعف هذا القول وعدم انسجامه مع التراث المنسوب إلى جابر بن حيّان، فإنّه عبّر في بعض رسائله بما يبيّن أنّ سيّده هو جعفر بن محمّد عليه السّلام، فضلاً عن إكثار الحلف بحقّه في رسائله، وتعبيره عنه بقوله (صلوات الله عليه)، وهذا كله لا يتلاءم مع كون سيّده جعفر بن يحيى البرمكيّ، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص533/رسائل جابر بن حيان، ص463.
[3] لا يخفى أنّ ما ذكره ابن النّديم مجرد استحسان، ويكفي في إبطاله ما يقع في الخارج من نسبة كتب مكذوبة إلى بعض الأشخاص المعروفين، وقد وقع ذلك فنُسبت كتب مكذوبة إلى أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وبعض أصحابهم، كما أنّ بعض من يعمل على ترويج بعض الأفكار لا يرى بأساً بتأليف كتبٍ كثيرةٍ من دون نسبتها إليه، ويكفي في ذلك رسائل إخوان الصّفا التي ألّفتها مجموعة مجهولة، ولم تنسب الكتاب إلى أشخاصها الحقيقيّة.
[4] الفهرست، ج2، ص451-452.
[5] البدء والتاريخ، ج2، ص236.
[6] قال عند حديثه عن حجر الفيروزج: (اعلم أنّ جابر بن حيّان الصوفيّ يسمّيه في كتاب «النُّخَب في الطّلمسات» حجر الغلبة..)، انظر: الجماهر في معرفة الجواهر، ص275.
[7] الجماهر في معرفة الجواهر، ص348.
[8] رسائل جابر بن حيّان، ص585-586.
[9] إخبار العلماء بأخبار الحكماء، ص124.
[10] وفيات الأعيان، ج1، ص327، رقم الترجمة 131.
[11] فرج المهموم، ص146.
[12] ينبغي الوقوف في عبارة السيّد ابن طاوس على أمرين:
الأمر الأوّل: ما نسبه إلى النجاشيّ أنّه ذكر جابر بن حيّان، ولا يوجد في رجاله أثرٌ لذكره، ومن المحتمل أن يكون النجاشيّ ذكره في كتابٍ آخر، ولا سيّما أنّ للنجاشيّ كتاباً آخر في موضوع علم النّجوم، ذكره في ترجمته لنفسه. انظر: رجال النجاشيّ، ص101، رقم الترجمة 253.
الأمر الثّاني: ما نسبه إلى عبارة ابن النّديم من أنّ جابر بن حيان له تصانيف على مذهبنا، وعبارة ابن النديم: (ولهذا الرّجل كتبٌ في مذاهب الشّيعة) وهو أعمّ من التشيع الإماميّ الاثني عشريّ، فليس لهذه الدّعوى دليل. نعم؛ يُنسب إليه كتابٌ في الإمامة، والظّاهر من ملاحظة سائر كلماته في شأن الإمامة أنّ كلامه فيها على النّسق الإسماعيليّ.
[13] مجموع الفتاوى، ج29، ص374.
[14] قال في كتابه (سرح العيون): (وأمّا جابر بن حيّان المذكور فلا أعرف له ترجمةً صحيحةً في كتابٍ يُعتَمد على نقله، وهذا دليلٌ على قول أكثر النّاس إنّه اسمٌ موضوعٌ، وضعه المصنِّفون في هذا الفنّ، ويزعمون أنّه كان في زمن جعفر الصّادق رضي الله عنه، وأنّه إذا قال في كتبه: «قال لي سيّدي» و«سمعتُ من سيّدي» فإنّه يعني به جعفراً الصّادق رضي الله عنه، ومع ذلك فإنّ الله تعالى أعلمُ بحقيقتها)، انظر: سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، ص225.
[15] روح المعاني، ج20، ص118.
[16] الإمام الصّادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص445-448.
[17] انظر: نگاهی به دریا، ج1، ص356.
[18] الفهرست، ج2، ص452-453.
[19] الفهرست، ج2، ص458.
[20] الفهرست،ج2، ص452.
[21] وفيات الأعيان، ج1، ص327، رقم الترجمة 131.
[22] وقد أشير إليها في بعض رسائل جابر بن حيان، ومن ذلك ما قاله في كتاب الحدود: (واعرف قدر هذا الكتاب، فلو قلتُ أن ليس في جميع كتبنا هذه الخمس مائة كتاب إلّا مقصراً عنه في الشَّرَف لقلتُ حقّاً)، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص102. وقد كان ينسب هذه العلوم إلى الصّادق عليه السّلام، فقال في الجزء الثّاني من (كتاب الأحجار على رأي بليناس): (وحقّ سيدي، لولا أنّ هذه الكتب باسم سيّدي -صلوات الله عليه- لما وصلتَ إلى حرفٍ من ذلك آخر الأبد أنت ولا غيرك إلّا في كلّ برهة عظيمة من الزمان فاحمد الله كثيراً الذي أوضح لك هذه السبيل)، انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص164. وقال في كتاب (نار الحجر): (واعلم أنّي ما صنّفتُ بعد هذه الكتب الأربعة إلّا كتاباً واحداً جامعاً لتدبيرالباب الأعظم وكتبنا الخمسمائة التي على رأي سيّدي صلوات الله عليه...)، انظر: رسائل جابر بن حيّان، ص104.
[23] المعتمد في توثيق الأقوال: كتاب (مختار رسائل جابر بن حيّان) بتحقيق كراوس، الذي طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة، وطبعة (رسائل جابر بن حيّان) التي أعدّها أحمد فريد المزيديّ ونشرتها دار الكتب العلميّة ببيروت. وحيث إنّ الاسمين مختلفان فيتميّز النقل عن كل طبعة.
[24] مختار رسائل جابر بن حيان، ص303.
[25] مختار رسائل جابر بن حيان، ص306.
[26] مختار رسائل جابر بن حيان، ص309.
[27] انظر: پژوهشهاى رجالى، سيّد محمّد جواد شبيري زنجانى، دلالت منصب وكالت از معصوم بر وثاقت، ص53-54.
[28] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص35-36.
[29] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص79-80.
[30] مختار رسائل جابر بن حيان، ص317.
[31] مختار رسائل جابر بن حيان، ص546.
[32] مختار رسائل جابر بن حيان، ص510.
[33] انظر: سلسلة التراث العلوي، ج4، كتاب الرسالة الجوهرية الكلبية، ص36.
[34] مختار رسائل جابر بن حيان، ص489-493.
[35] مختار رسائل جابر بن حيّان، ص493.
[36] مختار رسائل جابر بن حيان، ص86-90.
[37] مختار رسائل جابر بن حيان، ص431-432.
[38] كتاب العِبَر وديوان المبتدأ والخبر، ج2، ص292-293/ج2، ص324.
[39] انظر: مختار رسائل جابر بن حيّان، ص11.
[40] مختار رسائل جابر بن حيان، ص11.
[41] مختار رسائل جابر بن حيان، ص455-458.
[42] مختار رسائل جابر بن حيان، ص14-15.
[43] انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص485-488.
[44] تطفح رسائل جابر بن حيّان بمفردات علميّة وفلسفيّة، ولا يظهر لها حضور في التراث الرّوائيّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام ولا في التراث الكلاميّ عند المسلمين في تلك الحقبة، ومن ذلك استعمال مفردة (المعجزة) للدلالة على الفعل الخارق للعادة، ومفردات فلسفية متأخّرة من قبيل: الأيس واللّيس، الظهور والكمون، الكون والفساد، العالم العُلْويّ، الهيولى..إلخ. انظر: مختار رسائل جابر بن حيان، ص37-113-275-299.
[45] مختار رسائل جابر بن حيان، ص319-320/ص338-339/ص433/ص450/ص475.
[46] مختار رسائل جابر بن حيان، ص455-459.
[47] الفهرست، ج2، ص441-442.
[48] الفهرست، ج2، ص462-463.
[49] ارتباط التراث الكيميائيّ بالتراث الفلسفيّ الباطنيّ -الإسماعيليّ والصوفيّ- ظاهرٌ بوضوحٍ في تراث جابر بن حيان وغيره ممن ألّف في هذا الميدان، انظر: الكيمياء والكيميائيّون في التراث العربيّ الإسلاميّ من القرن الثّاني إلى القرن الثّامن الهجريين، ص265-292.
[50] الفهرست، ج2، ص465. وانظر أيضاً: الدرّ الثّمين في أسماء المصنّفين، ص182.
[51] معجم الأدباء، ج1، ص106، رقم الترجمة 31.
[52] الفهرست، ج1، ص675.
[53] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج13، ص202.
[54]) قال الفراهيديّ: (الشَّبَهُ: ضربٌ من النّحاس يُلْقَى عليه دواءٌ فيَصْفرّ، وسُمّي شَبَهاً؛ لأنّه شُبِّه بالذّهب)، انظر: العين، ج3، ص404.
[55] الاعتقادات، ص325، باب الاعتقاد في نفي الغلوّ والتفويض.
[56] صيد الخاطر، ص637.
[57] مفاتيح الغيب، ج3، ص223-224.
[58] بحار الأنوار، ج57، ص185.