بسم الله الرحمن الرحيم
شرح حديث ابن شبيب عن الرّضا عليه السلام - الحلقة الأولى
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله، الصادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين.
بعد وقوع فاجعة كربلاء، اصطبغ الإسلام بالصّبغة الحسينية، وصارت شهادةُ الحسين (عليه السلام) علماً من أعلام الدّين الإسلامي الذي حُصِّن بهذه الدماء الزكيّة، ولأجل حماية هذا الحصن المنيع أكّد الأئمة (عليهم السلام) على إبقاء الإمام الحسين (عليه السلام) محوراً أساسياً يستندُ إليه الدين، ويبقى ببقائه، فكان جزء كبير من جهاد الأئمة منحصراً في الحثّ على البكاء عليه، وزيارته، وإحياء ذكره، وتناقل معارفه، واستحضار مجاهدته للظالمين، وقد كان هذا الأمر ديدن الأئمة (عليهم السلام) في كل حقبةٍ؛ لئلا يندثر ذِكر سيّد شباب أهل الجنة، ويغيب الإسلام بغيابه. وفي هذا السياق، تعددت كلماتهم ومواعظهم (عليهم السلام) حول ما يتعلّق بالإمام، ومن أهمّ ما رُوي عنهم في ذلك «حديث ابن شبيب عن الرضا عليه السلام»، فهو من الأحاديث المهمّة والجامعة لجملةٍ من المطالب الأساسيّة من المعارف العظيمة التي تبيّنُ جملةً من مقاماته وأسرار شهادته، وغير ذلك من الفوائد المهمّة التي انطوى عليها هذا الحديث الشريف، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لنصرة سيّد الشهداء (عليه السلام) وأداء حقّه وبيان عظيم فضائله وجليل مقاماته بحقّ محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
صحّة إسناد الحديث
روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في أماليه هذا الحديث بإسناده: (حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريَّان بن شبيب، قال: دخلت على الرضا عليه السّلام..)[1].
وهذا الإسنادُ معتبرٌ، وتفصيل حال رجاله فيما يلي:
[1] محمّد بن عليّ ماجيلويه.
لم يُنصُّ على وثاقته، ولكنها استُفيدت من عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: إكثار الصّدوق الرواية عنه، فقد اعتمد على نقله بشكل كبير، حيث تكرر في مشيخة الفقيه في أكثر من خمسين طريقاً إلى كتب الأصحاب[2]، وهذا المقدار من الركون إلى روايته يكشفُ عن كونها سديدةً مرضيّةً، وهذا من أقوى الوجوه وأكثرها قُرباً.
الوجه الثاني: كونه من المعاريف الذين اشتهروا بالرواية ولم يرد في حقّهم قدحٌ مطلقاً.
الوجه الثّالث: ترضّي الصدوق عليه، حيث ذهب بعض العلماء إلى أنّ الترضّي من أمارات التوثيق، وإن لم يكن الترضي بنفسه دالّاً فالإكثار كذلك، وقد أكثر الصدوق من الترضّي عليه، وهذا المبنى فيه خلافٌ بين أهل العلم، وقد ذكرناه من باب الاستقصاء، والاعتماد في توثيقه على الوجه الأوّل.
[2] عليّ بن إبراهيم بن هاشم القميّ.
من أجلّاء الطائفة، وقد نصّ النجاشيّ على وثاقته فقال: (ثقةٌ في الحديث، ثبتٌ، مُعتَمدٌ، صحيح المذهب)[3].
[3] إبراهيم بن هاشم القميّ.
لم يُنصّ على وثاقته، ولكنها استُفيدت من عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: إكثار الكليني عنه في كتابه «الكافي»، وذلك المقدار الذي نقله كافٍ لبيان وثاقته وكونه معتمداً عليه في الرواية.
الوجه الثّاني: نقل السيّد ابن طاوس الاتّفاق على وثاقته[4]، ولو سُلّم بعدم ثبوت هذا الاتفاق فيكفي أنّ هذه الشهادة تستلزم وجود بعض الشهادات بوثاقته، وهذا كافٍ لإثبات الوثاقة. قال الشيخ جعفر السبحانيّ: (ومما تثبت به الوثاقة أو حسن حال الراوي أن يدعي أحدٌ من الأقدمين الإجماع على وثاقة الراوي إجماعاً منقولاً، فإنّه لا يقصر عن توثيق مدعي الإجماع بنفسه، وعلى ذلك يمكن الاعتماد على الإجماع المنقول في حقّ إبراهيم بن هاشم والد علي بن إبراهيم القمي، فقد ادّعى ابن طاوس الاتّفاق على وثاقته، فهذه الدعوى تكشف عن توثيق بعض القدماء لا محالة وهو يكفي في إثبات وثاقته، بل يمكن الاعتماد على مثل تلك الإجماعات المنقولة حتى إذا كانت في كلمات المتأخرين، فإنه يكشف أيضاً عن توثيق بعض القدماء لا محالة)[5].
الوجه الثالث: نشره لحديث الكوفيّين في قم، مع كونه معاصراً لأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ القميّ الذي كان متشدّداً في شأن الحديث.
الوجه الرابع: كونه من المعاريف الذين اشتهروا بالرواية ولم يرد في حقّهم قدحٌ مطلقاً.
الوجه الخامس: كثرة رواية الأجلّاء عنه، ومن ذلك: اعتماد الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم القميّ عليه حيث روى عنه ما يزيد عن 6000 رواية[6].
الوجه السادس: كونه من الرّواة «تفسير القميّ»، وفي استفادة الوثاقة من هذا الوجه نظر.
الوجه السابع: كونه من الرّواة في «كامل الزيارات»، وفي استفادة الوثاقة من هذا الوجه نظر.
[4] الريّان بن شبيب.
وهو ثقةٌ كما نصّ عليه النجاشيّ في رجاله[7].
أقول: يظهرُ أنّ هذه الرواية من بعض كتب عليّ بن إبراهيم القميّ، فإنّ ماجيلويه يروي كتبه، كما جاء في فهرست الشيخ الطوسيِّ عند ذكر طريقه إلى كتب (علي بن إبراهيم القميّ) فقد قال: (وأخبرنا محمّد بن محمّد بن النّعمان، عن محمّد بن عليِّ بن الحسين، عن أبيه ومحمد بن الحسن وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم..إلخ)[8]، ولذلك فإن كثرة رواية محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم قد جاءت من هذه الجهة، فقد كانت كتبه لديه.
ويُلاحظ أيضاً: أنّ الرواية تمرّ من طريق إبراهيم بن هاشم، ولا يخفى أن معظم رواياته قد جاءت عن طريق ابنه عليّ، فقد كان مكثراً عنه[9]، فمن هنا يقوى احتمال أن تكون الرواية من أحد كتب علي بن إبراهيم، وبذلك لا يضرُّ عدم توثيق محمد بن علي ماجيلويه؛ لأنّ كتب علي بن إبراهيم قد وصلت الصدوق من خلال أربعة شيوخ وهم: أبوه علي بن الحسين القميّ، محمد بن الحسن بن الوليد القميّ، حمزة بن محمد العلويّ، محمد بن علي ماجيلويه.
وبعبارة أخرى: إنّ الصدوق قد نقل هذه الرواية من بعض كتب (علي بن إبراهيم) وأظهر اتّصال روايته بها عبر أحد مشايخه الأربعة الذين ينقل عنهم هذه الكتب.
فإن قلتَ: ولماذا لم يذكرْ كل مشايخه في الرواية؟
قلتُ: ليس من ديدن الصدوق في الرواية أن يذكر كل مشايخه، يُعرَف هذا من خلال تتبع أسانيد إجازاته وما نقله في كتبه الروائيّة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال إجازاته المذكورة في «الفهرست» ومقارنتها مع الأسانيد التي يذكرها في كتب الحديث التي صنّفها، وسيظهرُ أنّه كان – في مواضع كثيرة – يقتصرُ على ذكر شيخٍ من الشيوخ، في حين أنّه ربما روى عن اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وذلك أنّ غايتهم غالباً رفع الحديث عن حدّ الإرسال وبيان كونه مُسنداً.
ومع غضّ النظر عن ذلك كله، فإنّه لا يتوقّف إثبات الرواية على اعتبار سندها فقط، بل يكفي في ذلك اعتضادها بالقرائن الموجبة للاطمئنان بالصدور، وظهور كون مضامينها متطابقة مع الروايات المعتبرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الأمالي، ص192-193، رقم الحديث 202، المجلس 27، ح5.
[2] معجم رجال الحديث، ج18، ص58.
[3] رجال النجاشي، ص260، رقم الترجمة 680.
[4] فلاح السائل، ص284، رقم الحديث 175، الفصل 19، ح6.
[5] كليات في علم الرجال، ص156-157.
[6] أُحصيت رواياته عن أبيه وقُدّرت بـ(6214) حديثاً، انظر: معجم رجال الحديث، ج12، ص213.
[7] رجال النجاشي، ص165، رقم الترجمة 436.
[8] الفهرست، ص266-267، رقم الترجمة 380.
[9] أُحصيت رواياته عن أبيه وقُدّرت بـ(6214) حديثاً، انظر: معجم رجال الحديث، ج12، ص213.