قائمة المقالات

الخميس، 15 يوليو 2021

دراسة حول نسبة ذيل دعاء عرفة إلى سيّد الشهداء (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، أمّا بعد:

وقع الكلامُ في صحة انتساب ذيل دعاء عرفة المروي عن سيّد الشهداء الحسين (عليه السّلام)، وهو المقطع الذي يبدأ بعبارة: (إلهي أنا الفقيرُ في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري..إلخ)، فقد شُكِّكَ في صحة إلحاق هذا المقطع بالدعاء المذكور، وذلك استناداً إلى جملة من القرائن المورثة للاطمئنان بعدم كونه جزءاً منه.

وقد أشار إلى هذا الأمر العلامة المجلسي (رحمه الله) حيثُ قال بعد أن ذكر دعاء عرفة: (قد أورد الكفعمي رحمه الله أيضاً هذا الدعاء في البلد الأمين وابن طاوس في مصباح الزائر كما سبق ذكرهما، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورق تقريباً وهو من قوله: «إلهي أنا الفقير في غناي ..» إلى آخر هذا الدعاء، وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الإقبال أيضاً، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السّادة المعصومين أيضاً، وإنّما هي على وفق مذاق الصوفية، ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفية ومن إلحاقاته وإدخالاته. وبالجملة، هذه الزيادة إمّا وقعت من بعضهم أوّلاً في بعض الكتب، وأخذ ابن طاوس عنه في الإقبال غفلة عن حقيقة الحال، أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتـاب الإقبال، ولعلّ الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة وفي مصباح الزائر، والله أعلم بحقائق الأحوال)[1].

وطعن في نسبته إليه أيضاً كلٌّ من:
[1] الشيخ جواد الملكيّ التبريزيّ رحمه الله (ت: 1344هـ)، قال: (ثم اقرأ من الدعوات المأثورة ما يقتضيه نشاطك عن قلب حاضر، وعن تدبُّر وفهم لما تقول، ولا تترك دعاء الحسين عليه السلام مع ما ألحق به العلَّامة والسيِّد، فهو وإن لم يكن من دعاء الحسين عليه السلام ولكنّ مضامينه عالية، وأكثر الجِدَّ في فهم معانيها فإنَّها مثارٌ للفكر الفاخر)[2].
[1] الشيخ محمّد جواد الخراسانيّ رحمه الله (ت: 1397هـ)، قال: (هذه الزيادة مشتملة على كثيرٍ من العبارات الركيكة في الفصاحة، تُشبه عبارات المتعرِّبين، وعلى كثيرٍ من مصطلحات الصوفيّة، وكثير من المعاني التي لا تستقيم إلّا على مذاقهم، أو تكون على مذاقهم أظهر. وقد أتيتُ على هذه الزيادة من أوّلها إلى آخرها وذكرتُ ما يُورَدُ عليها جملةً جملةً بإحدى الوجوه المذكورة في «معارف الشيعة»، فليُراجع)[3].
[3] السيد محمد حسين الطهرانيّ (رحمه الله)، قال: (فإنّ هذه المناجاة والحِكَم المنقولة عن ابن عطاء الله هي في الحقيقة من تأليفه هو، وإسنادها إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام غير صحيح. فكيف يتسنى للمرحوم ابن طاوس وهو المتوفى في 5 ذي القعدة سنة 664 هـ أن يتصور أن هذه الفقرات من ابن عطاء الله وهو المتوفى في جمادى الآخرة سنة 709 هـ وينسبها إلى الإمام عليه السّلام؟ فالفاصل الزمني بين وفاة هذين الشخصين هو 44 سنة وسبعة أشهر، وبذلك يكون السيِّد خلال هذه المدة والتي تقرب من نصف قرن قد تُوفي قبل تأليف هذه الأدعية، وعلى هذا يمكن الجزم بأنّ إلحاق هذه الفقرات بدعاء الإمام في يوم عرفة في كتاب الإقبال قد تحقَّق بعد رحيل السيِّد، وعليه: فإنّ الاحتمال الثاني للعلامة المجلسي رحمه الله سيكون يقيناً)[4].
[4] السيِّد موسى الشّبيريّ الزّنجانيّ، وقد قُرِّر ذلك عنه في كتاب (جرعه از دريا)، والشّيخ لطف الله الصّافي الگلپايگاني في كتابه (نيايش در عرفات)[5].

والحقّ ما ذكروه، ويمكن أن يُستدلّ لذلك بما يلي:

القرينة الأولى: خلوّ بعض النسخ القديمة من «الإقبال» و«مصباح الزّائر».

ومن شواهد ذلك:
أوّلاً: ما تقدّم ذكره عن العلّامة المجلسيّ من خلوِّ بعض النسخ القديمة من «الإقبال» من هذه الفقرة[6].
ثانياً: عدم وجود هذه الفقرة في نسخة نجل ابن طاوس وسميِّه: السيِّد عليّ ابن السيِّد رضيِّ الدين عليّ بن طاوس[7].
نقل السيّدُ علي ابن السيِّد رضيِّ الدين عليّ بن بن موسى بن جعفر بن طاوس الحليّ رحمه الله في كتابه «زوائد الفوائد» دعاءالإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، وليس فيما نقله أيّ أثرٍ لتلك الفقرة، وسنعرضُ فيما يلي موضع الدّعاء من نسختين خطيّتين[8].
النّسخة الأولى: نسخة خطيّة كانت مِلكاً للشيخ محمّد عليّ الفشاركيّ الأصفهانيّ، وبعد وفاته انتقلت إلى مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشيّ النجفيّ رحمه الله. تمّ الفراغ من نسخها يوم الاثنين السابع من شهر جمادى الآخرة سنة 1071 هجريّة.
النّسخة الثانية: نسخة خطيّة محفوظةٌ في جامعة طهران، رقمها (84)، وهي من نسخ السيّد المشكاة.
بداية دعاء عرفة في النسخة الأولى
نهاية دعاء عرفة في النّسخة الأولى
نهاية النسخة الأولى وفيها تاريخ الفراغ من النَّسْخ
بداية دعاء عرفة في النسخة الثّانية
نهاية دعاء عرفة في النّسخة الثانية

ثالثاً: عدم وجود هذه الفقرة من نسخة الشهيد الأوّل من كتاب «مصباح الزائر».
نقل الشيخ محمّد بن عليّ الجباعيّ -جدّ الشيخ البهائيّ- في مجموعة له (دعاء عرفة) عن كتاب «مصباح الزائر»، ولم يذكر تلك الفقرة، بل ختم الدعاء من دون إيرادها، ثم كتب ما نصّه: (تمّ، والحمد لله ربّ العالمين والصلوة على محمد وآله).
وهذه النسخة مكتوبة بخط يد الشيخ الجباعيّ نفسه، وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإيرانيِّ برقم 8932، وقد جاء في حاشية الصفحة عند ختم الدعاء ما نصّه: (بلغ مقابلةً بالنسخة المكتوب منها، وهي بخطِّ الشيخ محمد بن مكيّ).
وجاء في نهاية هذه المجموعة: (وكتب العبد الفقير إلى رحمة ربِّه محمد بن عليّ بن حسن الجباعيّ غفر الله له ولجميع إخوانه المؤمنين وذلك لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان المعظَّم قدره سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة حامداً الله تعالى ومصلِّياً على خيرته من بريّته محمّد النبيِّ والأصفياء من عترته).
بداية نقل دعاء عرفة عن كتاب «مصباح الزائر» لابن طاوس.
نهاية دعاء عرفة من دون إيراد تلك الفقرة المشكوكة
ما كتبه الشيخ الجباعي في خاتمة المجموعة، ويظهر فيه تأريخ نهاية الكتابة

رابعاً: عدم وجود هذه الفقرة من نسخة الشيخ الكفعميّ من كتاب «مصباح الزائر».
نقل الشيخ الكفعميّ دعاء عرفة في كتابه «البلد الأمين» عن كتاب «مصباح الزائر»، وقال في حاشيته: (ذكر السيِّد الحسيب النسيب رضيّ الدين علي بن طاوس -قدّس الله سِرّه – في كتاب «مصباح الزائر»، قال: روى بشر وبشير الأسديّان أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام خرج عشيّةَ عرفة يومئذٍ من فسطاطه متذلّلاً متخشّعاً، فجعل عليه السّلام [يمشي][9]هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل، مستقبل البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، قال: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع..إلى آخره)[10].
ونقل الشيخ رحمه الله الدّعاء ولم يورد تلك الفقرة، بل جاء في آخرها ما يؤكِّد على انتهاء دعاء سيّد الشهداء عليه السّلام إلى ذلك الحدِّ، فقد جاء بعد خاتمة الدعاء ما نصّه: (قال بشر وبشير: فلم يكن له عليه السلام جهدٌ إلّا قوله: «يا ربّ يا ربّ» بعد هذا الدعاء، وشُغل من حضر ممن كان حوله وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم، وأقبلوا على الاستماع له عليه السّلام والتأمين على دعائه، قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم، ثم عَلَتْ أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض عليه السّلام وأفاض النّاسُ معه)[11].
والحاصل: إنّ خلوَّ بعض النسخ القديمة من كتاب الإقبال من هذه الفقرة، وكذلك عدم وجودها في كتاب «زوائد الفوائد» -الذي هو من تصنيف نجل السيد ابن طاوس-، بالإضافة إلى عدم وجودها في نسخة الشهيد الأوّل والشيخ الكفعميّ من كتاب «مصباح الزائر» يورث الاطمئنان بأنّها من الملحقات التي أضيفت إلى الدعاء بعد وفاة السيد ابن طاوس بفترة طويلة.

القرينة الثانية: مقاربة سبك الفقرة للّحن الصوفيّ وغرابته عن نظم أدعية أهل البيت (ع).

من الواضح أنّ كل شخص له اهتمامٌ بإنشاء المتون -سواء كان أديباً أم عالماً- له أسلوبٌ خاصٌّ يتميّز به، ومن خلال المعرفة بأسلوب المُنشِئ يمكن القيام بنقد أيّ متن منسوبٍ إليه وتمحيصه، وأنّه هل هو من إنشاء فلان أم لا؟ ألا ترى أنّنا لو عثرنا على كتابٍ مخطوطٍ في الشّعر لشاعرٍ مجهولٍ، وقمنا بمطالعة متنه، فإنّه يتيسّر لنا تمييز الحقبة التي أُلِّف فيها هذا الشعر من خلال معرفتنا بأذواق الشعراء وملامح الشعر في كلّ عصرٍ من العصور، فنقول -مثلاً-: إنّ هذا الشعر لا يمكن أن يكون من العصر الأمويّ، بل إنّه من أشعار العصر المملوكيّ، أو يُقال: إنّ هذا لا يشبه شعر أهل المشرق، بل هو أقرب إلى شعر أهل الأندلس. ورُبّما تمكّنا من معرفة الشاعر نفسه.
وهكذا فإنّ لكلِّ صاحب إنشاءٍ لحناً وذوقاً يمكِّن الآخرين من تمييز كلامه وتمحيص نسبته إليه، وفي هذا المعنى يقول ابن أبي الحديد المعتزليّ -في مقام الدّفاع عن نسبة خُطب نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام-: (من قد أنِسَ بالكلام والخطابة، وشدا طرفاً من علم البيان، وصار له ذوقٌ في هذا الباب، لا بُدّ أن يفرِّق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولَّد، وإذا وقف على كُرّاسٍ واحدٍ يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط، فلا بد أن يفرِّق بين الكلامين، ويميِّز بين الطريقين، ألا ترى أنَّا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفَّحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كُتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام نفسه وطريقته ومذهبه في القريض؟! ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر؟! وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس كثيراً لما ظهر أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء، ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصّة)[12].
وهذا الأمرُ المعمول به عند الأدباء والنُّقاد جارٍ أيضاً في دراسة النصوص الإسلامية؛ فإنّ لكلّ فرقة من فرق الإسلام لحناً خاصّاً يمثّل أدبياتها ومفرداتها، وبذلك كان العلماء يميّزون حديث الشيعة عن حديث الغلاة، وذلك لأنّ للغلاة مفردات وأدبيات ليس لغيرهم، فيمكن بذلك معرفة النصوص التي وضعوا لمساتهم الخاصّة عليها وأدخلوا فيها أفكارهم.
وقد طبّق العلماءُ الأمر نفسه في تمييز بعض النصوص الصوفيّة التي وفدت إلى التراث الشيعيّ من القرن السابع الهجريّ فصاعداً، وقد كان اعتمادهم في هذا العمل على خبرتهم وسليقتهم في تمييز نصوص كلّ فئة عن غيرها، فالنصّ الشيعيّ القديم الذي يعبِّر عن هويّة التراث الشيعيّ يختلف تماماً عن أدبيات التصوّف في القرن السابع الهجريّ مثلاً، وانطلاقاً من هذه الفائدة نفى بعض أهل الخبرة من علماء الحديث وصيارفته بعض المتون التي أُلحقت بالأئمّة في قرون متأخِّرة مثل «مصباح الشريعة» المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السّلام، وذيل دعاء عرفة المنسوب إلى الإمام الحسين عليه السّلام، وبعض الخطب والروايات الشاذّة التي أوردها الحافظ رجب البرسيّ في كتابه «مشارق أنوار اليقين»، وكذا بعض الأحاديث المشكوكة التي لم ترد روايتها في الكتب المعتبرة.
وفيما يخصّ ذيل دعاء عرفة سجّل العلامة المجلسي ملاحظته الثانية والتي ترتبط بالنّظر في طبيعة هذا المتن والبيئة التي وُلِدَ فيها فأشار إلى كونه مما يلائم المذاق الصوفيّ في الإنشاء والبيان، وهذا مما يضعِّف نسبته.
وللتدقيق بشكل أكبر في مستندات هذه الملاحظة ينبغي أن نشير إلى ما يصلح أن يكون مقوِّياً لها، فنقول: إنّ هذا النوع من النقد يقوم على مبدأ دراسة المتن وتحليله من عدّة جهاتٍ، منها:
1. عدم انسجام هذا النصّ مع نصوص القرن الأوّل الهجريّ.
2. بيان غرابة هذه الألفاظ عن أسلوب روايات أهل البيت (عليهم السلام) وأدعيتهم.
3. كون هذه الفقرة على المذاق الصوفيّ في الإنشاء.
ومن يقرأ متون أدعية النبيِّ وأمير المؤمنين والإمام السجّاد (عليهما السلام) بما هي حاكية عن النصّ العربيّ القديم في القرن الأوّل الهجريّ يعلم عدم انسجام تلك الفقرة -على مستوى المصطلحات والأسلوب- مع النصوص العربية القديمة. أمّا إذا أقمنا المقارنة مع هذه الأدعية المعتبرة بما هي كاشفةٌ عن أسلوب أهل البيت (عليهم السّلام) في إنشاء الدّعاء خلال القرن الأوّل الهجريّ فسيكون الأمر أشدّ وضوحاً.
وأمّا تقارب أسلوب هذه الفقرة مع المذاق الصوفيّ فهو واضحٌ جداً لمن أنس بكلامهم وقرأ متونهم القديمة والمتأخِّرة وعرف اصطلاحاتهم الخاصّة ومرادهم منها، ولا سيّما مع استعمال مفردات الجذب والحال والحقيقة والدّعوى في تلك الفقرة، وكلُّها مما هو معتمد في إنشاءاتهم، ومن شاء الوقوف عليها بالتفصيل فليراجع المعاجم الخاصّة باصطلاحات التصوّف.
إذا اتّضح ذلك، فاعلم أنّه قد عُثر على هذه الفقرة ضمن كتاب «الحِكم العطائيّة» لابن عطاء الله السّكندريّ[13]، وهذا يؤكِّد صحّة استظهار العلامة المجلسي وتشخيصه الدقيق للجهة التي أتى منها هذا المتن.
وأمّا تبرير ذلك بأنّ السكندري هو من أخذها من دعاء سيّد الشهداء (عليه السّلام) فهو ضعيفٌ جداً؛ لأننا لا نجد دليلاً واحداً على أنّ ابن طاوس قد أدرج هذا المقطع في كتابه، بل القرائن الأخرى تبيّن أنّه لم يكن موجوداً عنده ولا عند ابنه ولا في نسخ مَنْ نقل عنهما ولا عند الكفعميّ أيضاً، على أنّه إذا دار الأمر بين نسبة هذا المتن -على ما فيه العلل التي تقدّم ذكرها- إلى سيّد الشهداء أو ابن عطاء الله السكندريّ فإن نسبته إلى هذا الرّجل أليق وأوفق؛ فإنّ المتن شبيه بلحن قومه، بل قريبٌ جداً من سائر ما أنشأه الرجل نفسه في كتابه المذكور، ولا يكاد يقارب لغة القرن الأوّل الهجريّ فضلاً عن أسلوب أدعية أهل البيت (عليهم السّلام) في ذلك القرن. وأمّا من فسدت سليقته لأنسه بلحن القوم ولا يكاد يميّز حديث أهل البيت عن كلام غيرهم فلا ريب في عدم صحّة الاعتداد بتقييمه، وإنّما يُعتدُّ بكلام أهل الخبرة في نقد الحديث وتمحيصه.

نتائج البحث:
1. إنّ مجموع القرائن المتقدّمة المتعلقة بعدم وجود هذه الفقرة في بعض النسخ العتيقة من «الإقبال»، ونسخة الشهيد الأول ونسخة الشيخ الكفعمي من «مصباح الزائر»، ونسخة نجل صاحب الإقبال كما يظهر من كتابه «زوائد الفوائد» يعززُ القول بأنّ هذه الزيادة ملحقةٌ بأصل الدعاء وليست منه، وإلّا فمن البعيد اتّفاق خلوّ هذه المصادر والنسخ المختلفة من هذه الفقرة على سبيل الصدفة.
2. إنّ هذه الفقرة ليست على نسق النصوص العربية القديمة، وكذلك لا تشبه لحن أدعية أهل البيت (عليهم السلام)، بل هي أقرب وأشبه بلحن المتصوّفة وفيها بعض مصطلحاتهم وألفاظهم، وهذا مما يوهن القول بكونها من الدعاء.
3. مع رجحان القرائن التي توهن ضعف نسبة هذه الفقرة إلى دعاء سيد الشهداء عليه السلام فإنّ الاستناد إليها في استنباط بعض المعاني العقائدية والمعرفيّة لا يخلو من إشكالٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] بحار الأنوار، ج95، ص227.
[2] المراقبات، 556-564.
[3] هداية الأمة إلى معارف الأئمة، ص296.
[4] معرفة الله، ج1، ص267-268.
[5] انظر: جرعه از دريا، ج3، ص256-257/ نيايش در عرفات، ص363-375، الناشر: دفتر تنظيم و نشر آثار حضرت آيت الله العظمى صافى گلپايگانى، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1436هـ/1393هـ.ش.
[6] تنبيه وإلحاظ: تعلّق البعضُ بقول العلّامة المجلسيّ: (وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الإقبال أيضاً)، محاولاً أن يستفيد منها أنّ بعض النسخ الأخرى تحتوي على تلك الفقرة، والحال أنّ العلامة المجلسي أراد أن يكون دقيقاً في بيانه، فعبّر بكلمة (بعض) ليبيّن عدم إحاطته بـجميع النسخ القديمة، وليس مراده أنّ بعض النسخ القديمة تحتوي على تلك الفقرة!
[7] كتاب «زوائد الفوائد» للسيد سميِّ أبيه عليّ بن السيِّد عليّ بن طاوس، انظر: بحار الأنوار، ج1، ص13.
[8] وفي هذا المقام ينبغي التوجّه بالشكر للشيخ رحيم قاسمي (وفّقه الله لمراضيه) فهو صاحب الفضل في الإشارة إلى ما في هاتين النسختين، وقد تكرّم مشكوراً بتوفير صور النسختين بالإضافة إلى ملفٍ يحتوي على النسخة الثانية من أولها إلى آخرها.
[9] سقطت من المطبوع، واستدركتُها من نسخةٍ عتيقةٍ لكتاب البلد الأمين.
[10] البلد الأمين، حاشية ص352.
[11] البلد الأمين، ص363-364.
[12] شرح نهج البلاغة، ج1، ص8-9.
[13] الحكم العطائية، ص70، بتصحيح: حسن السماحي سويدان.