مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الخميس، 23 مارس 2023

علمُ الغيبِ عندَ النبي والوصي (عليهما السلام) - الحلقة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
علمُ الغيبِ عندَ النبي والوصي (عليهما السلام) - الحلقة الأولى

الحمدُ لله رب العالمين، الذي خصَّ محمداً وآلَهُ الطيبين الطاهرين بعلومِ الأولين والآخرين، واصطفاهم بما علَّمهم فجعلهم أئمة الدين وسبيل الهدى وباب الرحمة الذي شُرع لنجاة الأمة، والصلاة الزاكية النامية على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، أما بعد:
فإنّ خصوم التّشيع قد عدّوا الاعتقاد بعلم الغيب في أئّمة أهل البيت (عليهم السّلام) من المطاعن الشّديدة في الشّيعة الإماميّة، وحسبوا ذلك من الغلوّ في الأئمّة، وأنّه ممّا يوجِب الحكم بكفر من يعتقد بهذا الأمر، وقد كانوا متغافلين عمّا قرّره علماء الإماميّة في هذه المسألة، حيث إنّهم نفوا بالاتّفاق أن يكون العلم بالغيب بنحو الاستقلال عن الله تبارك وتعالى، بل إنّهم قالوا إنّ كل علوم الأئمّة ممّا ورثوه من النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأفاضه الله عليهم، وليس في هذا أدنى شائبة غلوٍّ.
وكيف يمكن أن يُستنكر مثل هذا المعنى في شأن النبيّ وأمير المؤمنين (عليهما السّلام) وقد شهدت روايات أهل السنّة بذلك، وأنّ الله تبارك وتعالى عرّف نبيّه ووصيّه أموراً غيبيّة قبل أوان حدوثها. وفي هذا المقام، آثرتُ أنّ أعرض جملةً من الدّلائل الصّحيحة التي تبيّن سعة علوم النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) عبر إيراد الأحاديث المعتبرة التي نصَّ العلماء والمحققون المخالفون على اعتبارها وجودةِ أسانيدها، وجعلتُ ذلك على قسمين:
القسم الأول: علم النبي (صلى الله عليه وآله) بالغيب وإخباره بذلك.
القسم الثاني: ما جاء في علم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالغيبيات، وإخباره بها من قبيل إخباره بشهادته على يد أشقى الآخرين الخارجيّ عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله).
ثم نختم بخاتمةٍ موجزةٍ حول أهمّ الشّبهات المطروحة حول علم الغيب عند الأئمّة (عليهم السّلام)، وفي هذا كفايةٌ لمن أنصف من نفسه.

أوّلاً: علم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بالغيب

روى الحُفّاظ والمحدثون أخباراً عديدةً تدلُّ على احتواء قلب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) على علومٍ غيبيةٍ جمَّة، ومنها:
(1) روى أبو داود الطيالسي في مسنده(1): (حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله - صلّى اللهُ عليه وسلَّم - فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة).
قال المحقق الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي: (حديثٌ صحيح).
(2) روى أحمد في مسنده(2): (حدثنا أبو عاصم، حدثنا عزرة بن ثابت، حدثنا علباء بن أحمر اليشكري، حدثنا أبو زيد الأنصاري، قال: صلى بنا رسول الله صلاة الصبح، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، فصعد المنبر فخطبنا حتى غابت الشمس، فحدثنا بما كان وما هو كائنٌ، فأعلمُنا أحفظُنا).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط مسلم).
(3) روى أحمد في مسنده(3): (حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
(4) روى مسلم في صحيحه(4): (حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة. قال: وحدثني أبو بكر بن نافع، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن حذيفة، أنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟).
(5) روى مسلم في صحيحه(5): (حدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي وحجاج بن الشاعر جميعاً، عن أبي عاصم، قال حجاج: حدثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا عزرة بن ثابت، قال: أخبرنا علباء بن أحمر، حدثني أبو زيد، قال: صلى بنا رسول الله الفجر وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائنٌ، فأعلمُنا أحفظُنا).
(6) روى ابن حبان في صحيحه: (أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، عن حذيفة قال: لقد قام رسول الله مقاماً فحدثنا ما هو كائن بيننا وبين الساعة، ما بي أقول لكم إني كنت وحدي، لقد كان معي غيري، حفظ ذاك من حفظه ونسيه من نسيه)، وهذا الخبر عند ابن حبان صحيح.
وقال المحقق شعيب الأرناؤوط(6): (إسناده جيِّد).
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(7): (صحيح).
(7) روى ابن حبَّان في صحيحه: (أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك شيئاً يكون في مقامه إلى أن تقوم الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون الرجل منه الشيء قد نسيه، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه فإذا رآه عرفه).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط (8): (إسناده صحيحٌ على شرطهما).
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(9): (صحيح).
(8) روى الحاكم النيسابوري(10): (حدثنا أبو جعفر محمد بن خزيمة الكشي بنيسابور من كتابه، ثنا عبد بن حميد الكشي، ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا [عزرة] بن ثابت، ثنا علباء بن أحمر، ثنا أبو زيد الأنصاري رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فخطبنا إلى الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم خطبنا إلى العصر، فنزل فصلى العصر، ثم صعد فخطبنا إلى المغرب، وحدثنا بما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا).
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وصححه الذهبي.
(9) قال الحافظُ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الأمالي المطلقة)(11): (أخبرني أبو الفرج بن حماد، قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن علي بن الحسين بن علي (ح)؛
وأخبرنا أبو الخير بن أبي سعيد في كتابه قال: أخبرنا أحمد بن أبي طالب، عن أبي الحسن القطيعي قالا: أخبرنا أبو بكر بن الزاغوني، قال: الأولُ إجازةً والثاني سماعاً، قال: أخبرنا أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قام فينا رسول الله مقاماً فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة حفظه من حفظه ونسيه من نسيه.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم في إسناده، وقع لنا بعلوٍ من هذا الوجه وما رأيته في الكتب الستة ولا في مسند أحمد من هذه الطريق مع نظافتها).

يُتبع ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسند أبي داود الطيالسي، ج1، ص 347، رقم الحديث 434، تحقيق: محمد بن عبد المحسن التركي، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1420هـ/1999م.
(2) مسند أحمد بن حنبل، ج 37، ص 525، رقم الحديث 22888، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1421هـ/2001م.
(3) مسند أحمد بن حنبل، ج 38، ص 411، رقم الحديث 23405، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر:1421هـ/2001م.
(4) صحيح مسلم، ج7، ص278، رقم الحديث [3000/3]، الناشر: دار التأصيل.
(5) صحيح مسلم، ج7، ص279، رقم الحديث [3001]، الناشر: دار التأصيل.
(6) صحيح ابن حبان، ج15، ص6، رقم الحديث 6637، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى/سنة النشر: 1991م.
(7) التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، ج9، ص 337، رقم الحديث 6603، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: دار باوزير للنشر والتوزيع – جدَّة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1424هـ/2003م.
(8) صحيح ابن حبان، ج15، ص5، رقم الحديث 6636، ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى/سنة النشر: 1991م.
(9) التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، ج9، ص 337، رقم الحديث 6602، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: دار باوزير للنشر والتوزيع – جدَّة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1424هـ/2003م.
(10) المستدرك على الصحيحين، ج4، ص 533، رقم الحديث 8498، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، سنة النشر: 1422هـ/2002م.
(11) الأمالي المطلقة، ص 173، تحقيق: حمدي السلفي، الناشر: المكتب الإسلامي- بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1416هـ/1995م.