مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الأحد، 4 سبتمبر 2022

التعريف بكتاب «بستان الواعظين» أحد مصادر تفسير البرهان

بسم الله الرحمن الرحيم
التعريف بكتاب «بستان الواعظين» أحد مصادر تفسير البرهان


يعدّ كتاب «بستان الواعظين» من المصادر التي نقل منها السيّد هاشم البحرانيّ في بعض كتبه، مثل: «البرهان في تفسير القرآن»، و«مدينة المعاجز»، ولم نرَ أحداً من علمائنا قد نقل عن هذا الكتاب سواه (ره).
ومن المحتمل أنّ السيّد لم يتمكّن من التعرّف على صاحب الكتاب، ولهذا لم ينسبه إلى أحدٍ في أيّ موضع، بل كان يعبّر في بعض المواضع بقوله: (ومن ذلك ما رواه صاحب بستان الواعظين)[1]، وقد نسبه آقا بزرگ الطهرانيّ إلى بعض القدماء، قال: (بستان الواعظين: لبعض القدماء، ينقل عنه السيد هاشم التوبليّ المتوفى سنة 1107 في كتابه «مدينة المعجزات في النص على الأئمة الهداة» وغيره بعنوان: «قال صاحب كتاب بستان الواعظين»)[2].
والصّحيح أنّ هذا الكتاب هو «بستان الواعظين ورياض السّامعين» للحافظ ابن الجوزيّ المتوفّى سنة 597 هجريّة؛ إذ إنّ أكثر هذه الروايات التي نقلها السيّد عنه في كتبه موجودةٌ في هذا الكتاب، وسوف نسرد تلك الرّوايات ونبيّن وجودها في كتاب ابن الجوزيّ، ونشيرُ إلى جملةٍ من الفوائد المهمّة في طيّات البحث.

الرّواية الأولى: قال السيّد: (بستان الواعظين: قال الحسين عليه السلام- وفي نسخةٍ: الحسن- في قول الله عزّ وجلّ: (ومَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ )، قال: «قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: هي قصورٌ في الجنّة من لؤلؤةٍ بيضاء، فيها سبعون داراً من ياقوتةٍ حمراء، في كلّ دارٍ سبعون بيتاً من زمردةٍ خضراء، في كلّ بيتٍ سبعون سريراً، على كل سريرٍ امرأة من الحور العين، في كلّ بيتٍ مائدة، على كلّ مائدةٍ سبعون قصعة، على كلّ قصعةٍ سبعون وصيفاً ووصيفة، ويعطي الله المؤمن ذلك في غداة، ويأكل ذلك الطّعام، ويطوف على تلك الأزواج»)[3].
وقد وردت الرّواية في «بستان الواعظين» بهذا اللّفظ: (وقال الحسن رحمه الله في قوله عز وجل: (ومساكن طيبة في جنات عدن). قيل: سأله ابنُ أخيه في ذلك، فقال: يا ابن أخي، على الخبير وقعتَ، سألتُ عنها أبا هريرة وعمران بن حصين فقالا: على الخبير وقعت، سألنا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سألتنا فقال: هي قصرٌ في الجنّة من لؤلؤةٍ بيضاء، فيها سبعون داراً من ياقوتةٍ حمراء، في كلّ دارٍ سبعون بيتاً من زمردةٍ خضراء، في كلّ بيتٍ سبعون سريراً، على كلّ سريرٍ فراشٌ لون على لون، على كل سرير امرأة من الحور العين، في كلّ بيتٍ مائدةٌ، على كلّ مائدةٍ سبعون قصعة، وعلى كلّ مائدةٍ سبعون وصيفاً ووصيفة، يُعطي الله المؤمن في غداةٍ واحدةٍ ما يأكل ذلك الطعام ويطوف على تلك الأزواج)[4].
ومن الجدير بالذّكر أنّ الرواية عند السيّد -رحمه الله- مردّدةُ النّسبة بين الإمامين الحسنين -عليهما السّلام-، إلّا أنّ الظّاهر من إسناد الرّواية عند العامّة أنّ المراد بذلك هو الحسن البصريّ، فقد روى الحافظ البزّار: (حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، قال: نا أبو همام محمد بن محبب، قال: نا جسر بن فرقد، عن يحيى بن سعيد ابن أخي الحسن، عن الحسن، قال: لقيت عمران بن حصين وأبا هريرة رضي الله عنهما فسألتهما عن تفسير هذه الآية (ومساكن طيبة في جنات عدن)، قالا: على الخبير سقطتَ، سألنا عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «قصر من دُرّةٍ، في ذلك القصر سبعون ألف دار من زمردة خضراء، في كلّ بيتٍ منها سبعون سريراً، على كلّ سريرٍ سبعون فراشاً من كلّ لون، على كلّ فراشٍ امرأةٌ من الحور العين، في كلّ بيتٍ سبعون مائدة، على كلّ مائدةٍ سبعون لوناً، في كلّ بيتٍ سبعون وصيفاً أو وصيفةً، يُعطى من القوة ما يأتي على ذلك كلّه في غداة واحدة».
وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ إلّا عمران بن حصين وأبا هريرة، ولا نعلم لهما طريقاً يُروى عنهما إلّا هذا الطريق، وجسر بن فرقد ليّن الحديث وقد روى عنه أهل العلم وحدّثوا عنه، والحسنُ فلا يصحُّ سماعه من أبي هريرة من رواية الثقات عن الحسن)[5].
ورواه الطبرانيّ أيضاً بهذا الإسناد: (حدثنا عبد الوهاب بن رواحة قال: نا أبو كريب قال: نا إسحاق بن سليمان، عن جسر بن فرقد، عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة..)[6]، وجسر بن فرقد روى عن الحسن البصريّ كما ذكر ذلك ابنُ أبي حاتم فيما نقله عن أبيه، قال: (جسر بن فرقد، أبو جعفر القصّاب البصريّ، روى عن الحسن وسليط بن عبد الله وأبي سعيد الرقاشي وبكر بن عبد الله المزنيّ، روى عنه: وكيع، وعبد الرحمن بن مهديّ، وسعيد بن عامر، وإسحاق بن سليمان، وابنُه جعفر، وعبد الصمد بن عبد العزيز العطّار، سمعت أبي يقول ذلك)[7].

الرواية الثانية: قال السيّد: (بستان الواعظين: رُوِيَ عن النبيّ -صلى الله عليه وآله- أنّه قال: «الكتب كلّها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى ريحاً تطيّرها بالأيمان والشمائل، أول حرفه: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)[8].
وقال ابن الجوزيّ: (رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكتب كلُّها تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة بعث الله -تبارك وتعالى- ريحاً تطيّرها بالأيمان وبالشمائل، أول حرف في الكتاب: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)[9].

الرواية الثالثة: قال السيّد: (بستان الواعظين: ذُكِرَ في بعض الأخبار أنّ الله تعالى خلق شجرةً فرعها تحت العرش، مكتوبٌ على كلِّ ورقةٍ من ورقها اسم عبدٍ من عبيده، فإذا جاء أجلُ عبدٍ سقطت تلك الورقة التي فيها اسمه في حِجْر ملك الموت فأخذ روحه في الوقت)[10].
وقال ابن الجوزيّ: (ذُكِرَ في بعض الأخبار أنّ لله سبحانه وتعالى شجرةً فرعها تحت العرش، مكتوبٌ على كلِّ ورقةٍ من أوراقها اسم عبدٍ من عبيده، فإذا جاء أجلُ العبد سقطت تلك الورقة التي فيها اسمه في حِجْر ملك الموت فأخذ روحه في الوقت)[11].

الرواية الرّابعة: قال السيّد: (وفيه: وفي بعض الأخبار: أنّ للموتِ ثلاثة آلاف سَكْرة، كلّ سَكْرةٍ منها أشدّ من ألف ضربةٍ بالسيف)[12].
وقال ابن الجوزيّ: (وفي بعض الأخبار: للموت ثلاثة آلافٍ سَكْرةٍ، كلُّ سَكْرةٍ منها أشدُّ من ألف ضربةٍ بالسّيف)[13].

الرّواية الخامسة: قال السيّد: (وفيه: وفي بعض الأخبار: أنّ الدّنيا كلَّها بين يدي ملك الموت كالمائدة بين يدي الرّجل، يمدّ يدَه إلى ما شاء منها فيتناوله ويأكل، والدنيا مشرقها ومغربها، برّها وبحرها، وكلّ ناحيةٍ منها أقرب إلى ملك الموت من الرَّجل على المائدة، وإنّ معه أعواناً، والله أعلم بعدَّتهم، ليس منهم مَلَكٌ إلّا لو أُذِنَ له أن يلتقم السبع سماوات، والأرضين السّبع في لقمةٍ واحدةٍ لفعل، وإنَّ غُصّةً من غصص الموت أشدّ من ألف ضربةٍ بالسّيف، وكلّ ما خلق الله عز وجل يتركه إلى الأجل، فإنّه موقّتٌ لوفاء العدّة وانقضاء المدة)[14].
وقال ابن الجوزيّ: (وفي بعض الأخبار: أنّ الدّنيا كلَّها بين يدي ملك الموت كالمائدة بين يدي الرّجل، يمدّ يده إلى ما شاء منها فيتناوله ويأكله، بل الدّنيا كلّه مشارقها ومغاربها، برّها وبحرها، وكلُّ ناحيةٍ منها أقرب إلى مَلَكِ الموت من الرّجل على مائدته، وإنّ معه أعواناً، الله أعلم بعدّتهم، ليس منهم مَلَكٌ إلّا لو أذن الله له أن يلتقم السماوات السّبع والأرضين السّبع في لقمةٍ واحدةٍ لفعل، وما تقرب مَلَكُ الموت من حَمَلَةِ العرش إلّا ازدادوا فزعاً منه حتى يرعدوا، وإنّ غُصّةً من غُصص الموت أشدُّ من ألف ضربةٍ بالسّيف، وفي كلِّ ما خلق الله عز وجل البركة إلا في الأجل فإنّه مؤقت لوفاء العدة وانقضاء المدة)[15].

الرّواية السّادسة: قال السيّد: (بستان الواعظين: قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وآله-، عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ..)[16]، ثم ذكر رواية طويلة جدّاً، وقد أوردها ابن الجوزيّ في كتابه[17].

الرّواية السّابعة: قال السيّد: (بستان الواعظين: عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أنّه قال له بعض أهله: يا رسول الله، هل يذكر الرّجل يوم القيامة حميمه؟ فقال -صلى الله عليه وآله-: « ثلاثة مواطن لا يذكر أحدٌ أحداً: عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ، وعند الصّراط حتى ينظر أيجوزه أم لا، وعند الصُّحف حتى ينظر بيمينه يأخذ الصُّحف أم بشماله، فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحدٌ حميمه ولا حبيبه ولا قريبه ولا صديقه ولا بنيه ولا والديه، وذلك قول الله تعالى: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه)، مشغول بنفسه عن غيره من شِدّة ما يرى من الأهوال العظام، نسأل الله تعالى أن يُسهِّلَها لنا برحمته، ويهونها علينا برأفته ولطفه)[18].
وقال ابن الجوزيّ: (روى قتادة، عن الحسن البصريّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بعض أهله: يا رسول الله، هل يفكِّر الرَّجلُ يوم القيامة في حميمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحدٌ أحداً: عند الميزان حتى ينظر أيثقل ميزانه أم يخفّ، وعند الصِّراط حتى ينظر أيجوز أم لا، وعند الصُّحف حتَّى ينظر أبيمينه يأخذ الصحيفة أم بشماله. فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحدٌ حميمه ولا صديقه ولا حبيبه ولا قريبه ولا بنيه ولا والديه، وذلك قول الله تبارك وتعالى: (لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه)، هو مشغولٌ بنفسه عن غيره من شِدّة الأهوال العظام، أسأل الله أن يسهلها لنا برحمته ويهوّنها علينا بمَنِّه ولطفه)[19].
والظّاهر أنّ عبارة: (فهذه ثلاثة مواطن لا يذكر..إلخ) من كلام ابن الجوزيّ، وليست من لفظ الرّواية، فقد رُويت هذه الرّواية في عدّة كتبٍ حديثيّة بألفاظٍ متفاوتةٍ، وليس فيها هذه الجملة[20]، وكتاب ابن الجوزيّ كتابٌ وعظيٌّ يمزج فيه بين الأخبار ببعض المواعظ من إنشائه.

الرّواية الثّامنة: قال السيّد: (بستان الواعظين: عن زينب بنت جحش، عن النبي -صلى الله عليه وآله- أنّه قال: إذا قرأ القارئ "ألهاكم التكاثر" يُدعَى في ملكوت السَّماوات مؤدي الشّكر لله)[21].
وقال ابن الجوزيّ: (روت زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: إذا قرأ قارئٌ "ألهاكم التكاثر" يدعى في ملكوت السموات والأرض بمؤدي الشكر لله)[22].

هذا كلّ ما نقله السيّد في تفسيره ووجدناه في كتاب الحافظ ابن الجوزيّ. نعم؛ نقل السيّد روايةً واحدةً لم نجدها في المطبوع من الكتاب، وهي بهذا اللفظ: (بستان الواعظين: عن ابن عباس: إنّ إسرافيل سأل الله أن يعطيه قوّة سبع سماوات..)[23]، وذكر الخبر بتمامه، ولم نجده في الكتاب.
ثمّ إنّ السيّد -رحمه الله- نقل عدّة روايات عن «بستان الواعظين» في كتابه «مدينة المعاجز»، وهي كالتالي:
الرواية الأولى: قال السيّد: (ومن ذلك ما رواه صاحب بستان الواعظين: قال في حديث المعراج عن النبيِّ أنَّهُ قال: لمّا رجعت ونظرت إلى السماء ورأيت في الصعود كلَّ سماء علي بن أبي طالب يصلي والملائكة خلفه)[24].
ولم نجد هذه الرواية في المطبوع، ولعلّها من المقحمات في نسخة السيّد من كتاب «بستان الواعظين»، وسيأتي ما يؤكّد وجود عبثٍ وتحريفٍ في نسخة السيّد -رحمه الله-.

الرواية الثّانية: قال السيّد: (بستان الواعظين: قال الحرُّ بنُ رياح القاضي: رأيتُ رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين عليه السلام، وكان النّاس يأتونه ويسألونه عن ذهاب بصره، قال: فكان يقول: شهدت قتل الحسين عليه السلام، ولكن لم أضرب بسيفٍ، ولم أرمِ بسهمٍ، فلمّا قُتِلَ الحُسين عليه السلام، رجعتُ إلى المنزل وصلَّيتُ العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي وجذبني جذبةً شديدةً، وقال لي: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلتُ: مالي وله؟! فأخذني وجذبني جذبة أخرى شديدة، وانطلق بي إليه، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وآله- جالسٌ في المحراب مغتمّاً حاسراً عن ذراعيه، أخذ نجدة، بين يديه نطع، وملكٌ قائمٌ بين يديه، وبين يدي الملك سيفٌ من نارٍ، وكان أتى إليّ تسعةٌ من الأصحاب، فقتل أصحابي التسعة، فكلّما ضرب المَلَكُ منهم واحداً، التهب نفسه ناراً، فكلّما قام الملك صاروا أحياء، فقتلهم مرة بعد أخرى حتى قتلهم سبع مرات، فدنوت من النبي -صلى الله عليه وآله- وحبوت إليه، فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، ما ضربتُ بسيفٍ، ولا طعنتُ برمحٍ، ولا رميتُ بسهمٍ. فقال لي: صدقتَ، ولكن كثَّرت على ولدي السَّواد، ادنُ منِّي، فدنوتُ منه فإذا طشت مملوء دماً، فقال: دمُ ولدي الحسين. فكحَّلني من ذلك الدَّم، فانتبهتُ أعمىً لا أبصر شيئاً)[25].
وقال ابن الجوزيّ: (وقال الحذّاء بن رباح القاضي: رأيتُ رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الحسين، وكان الناس يأتونه ويسألونه عن ذهاب بصره. قال: فكان يقول: شهدت قتل الحسين ولكنّي لم أضرب بسيفٍ، ولم أرمِ بسهمٍ، فلمّا قُتِلَ الحسين رجعتُ إلى المنزل وصلَّيتُ العشاء الأخيرة، ونمتُ فأتاني آتٍ في منامي فقال لي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ما لي وله؟! فأخذني وجذبني جذبة شديدة وانطلق بي إليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المحراب، مغتمّاً حاسراً عن ذراعيه، آخذاً بخدّه، وبين يديه نَطْعٌ، ومَلَكٌ قائم بين يديه، وبين يدي المَلَكِ سيفٌ من نارٍ، وكان لي تسعة من الأصحاب فقتل أصحابي التسعة، كلَّما ضرب المَلَكُ أحداً التهبتْ نفسه ناراً، فكلَّما قام المَلَكُ صاروا أحياء فقتلهم مرة بعد أخرى، حتَّى قتلهم سبع مرّاتٍ، فدنوتُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحبوتُ إليه فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، والله ما ضربتُ بسيفٍ، ولا طعنتُ برمحٍ، ولا رميتُ بسهمٍ. فقال لي: صدقتَ، ولكن كثَّرتَ السَّوادَ، ادنُ منِّي. فدنوتُ منه فإذا طشت مملوءٌ دماً من دماء الحسين، فكحَّلني من ذلك الدم فانتبهتُ أعمىً لا أبصرُ شيئاً)[26].

الرواية الثّالثة: قال السيّد: (بستان الواعظين: قال الفضل بن الزبير: كنتُ قاعداً عند السديّ، فجاء رجلٌ، فجلس إليه فإذا منه ريح القطران، قال: فقال له السديّ: أتبيع قطراناً؟ قال: لا. قال له: ما هذه الرائحة؟ قال: شهدتُ عسكر عمر بن سعد، فكنت أبيعُ منهم أوتاد الحديد، فلما قُتِلَ الحسين -عليه السلام- يوم عاشوراء، أتيت في العسكر، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم، والحسين عليه السلام وعليٌّ معهما، وهو يسقي الماء من قُتِلَ من أصحاب الحسين عليه السلام، فاستسقيته فأبى أن يسقيني. قال: فقال لي: ألست ممَّن أعانَ علينا؟ فقلت: بلى، كنت أبيعهم أوتاد الحديد. فقال لعليِّ عليه السلام: اسقه قطراناً. قال: فناولني قدحاً فشربت منه، فكنت ثلاثة أيام أبول القطران، ثم ذهب عني وبقيت هذه الرائحة عليَّ.
قال: فقال السديّ: كُلْ من خبز البُرّ، وكُلْ من كُلِّ النبات، واشرب من ماء الفرات، فما أراك تعاين الجنة ولا محمداً أبداً)[27].
وقال ابن الجوزيّ: (وقال الفضل بن الزبير: كنت قاعداً عند السديّ، فجاءه رجلٌ فجلس إليه، فإذا منه ريح قطران، فقال له السديّ: أتبيع قطراناً؟ فقال: لا. قال له: ما هذه الرائحة؟ قال: شهدتُ عسكر عمر بن سعد فكنت أبيع منهم الأوتاد الحديد، فلما قُتِلَ الحسين يوم عاشوراء بِتُّ في العسكر، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّوم والحسين وعليٌّ معهم وهو يسقي الماء مَنْ قُتِلَ من أصحاب الحسين فاستسقيته فأبى أن يسقيني. قال: فقال لي: ألستَ ممَّن أعان علينا؟ فقلت: بل كنتُ أبيعهم أوتاد الحديد. قال: فقال لعليّ: اسقِه قطراناً. قال: فناولني قدحاً فشربت منه، فكنت ثلاثة أيام أبول القطران، ثم ذهب ذلك عني وبقيت هذه الرائحة عليَّ.
قال: فقال له السديّ: كُلْ خبز البُرّ، وكُل من كُلِّ النبات، واشرب من ماء الفرات، فما أراك تُعاين الجنّة ولا محمّداً أبداً)[28].

فهذه النقولات المتقدّمة موجودةٌ بلفظها في كتاب «بستان الواعظين» للحافظ ابن الجوزيّ، ولكن يبدو أنّ النّسخة التي كانت بحوزة السيّد محرّفة قد عبثت بها يد التحريف؛ ويشهد لذلك ما نقله عن هذا الكتاب بهذا اللفظ: (صاحب بستان الواعظين: قال: رُوي عن محمّد بن إدريس، قال: رأيت بمكة أسقفاً وهو يطوف بالكعبة فقلت له: ما الذي رغب بك عن دين آبائك؟ فقال: تبدّلت خيراً منه. فقلت: له كيف ذلك؟ قال: ركبتُ البحر، فلمّا توسّطنا البحرَ انكسر بنا المركب فعلوتُ لوحاً، فلم تزل الأمواج تدفعني حتى رمتني في جزيرة من جزائر البحر، فيها أشجار كثيرة ولها ثمرٌ أحلى من الشَّهْد، وألين من الزّبد، وفيها نهرٌ جارٍ عذبٌ، فحمدتُ الله على ذلك فقلت: آكلُ من الثَّمر، وأشربُ من هذا النَّهر حتى يأتيني الله بالفرج. فلمّا ذهب النَّهارُ خِفْتُ على نفسي من الدوابّ فعلوتُ شجرةً من تلك الأشجار، فنمتُ على غصنٍ منها، فلمَّا كان في جوف الليل فإذا بدابّةٍ على وجه الماء تُسبّح الله وتقول: لا إله إلا الله العزيز الجبّار، محمّد رسول الله النبيّ المختار، عليّ بن أبي طالب سيفُ الله على الكفّار، فاطمة وبنوها صفوة الجبّار، على مبغضيهم لعنة الله الجبّار، ومأواهم جهنّم وبئس القرار.
فلم تزل تكرّر هذه الكلمات حتى طلع الفجر، ثم قالت: لا إله إلا الله صادق الوعد والوعيد، محمد رسول الله الهادي الرشيد، عليٌّ ذو البأس الشديد، وفاطمة وبنوها خيرة الربِّ الحميد، فعلى مبغضيهم لعنة الرب المجيد.
فلمَّا وصلتِ البرَّ، فإذا رأسُها رأس نعَّامةٍ، ووجهها وجه إنسانٍ، وقوائمُها قوائم بعيرٍ، وذَنَبُها ذَنَبُ سمكةٍ، فخشيت على نفسي الهلكة، فهربت بنفسي أمامها فوقفتْ ثم قالت لي: إنسان! قف وإلا هلكت! فوقفتُ، فقالت: ما دينك؟ فقلت: النصرانيّة، فقالت: ويحك، ارجع إلى دين الإسلام، حللتَ بفناء قومٍ من مسلمي الجنّ، لا ينجو منهم إلّا من كان مسلماً. قلت: وكيف الإسلام؟ قالت: تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، فقلتُها، فقالت: تمِّمْ إسلامك بموالاة علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده والصّلاة عليهم والبراءة من أعدائهم. قلتُ: ومن أتاكم بذلك؟ فقالت: قومٌ منّا حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فسمعوه يقول: إذا كان يوم القيامة تأتي الجنَّةُ فتنادي بلسان طلقٍ: يا إلهي، قد وعدتني تشد أركاني وتزينّي، فيقول الجليل جلّ جلاله: قد شددتُ أركانك وزينتك بابنة حبيبي فاطمة الزهراء، وبعلها عليّ بن أبي طالب، وابنيها الحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام، ثمَّ قالتِ الدابّة: المقامة تريد أم الرجوع إلى أهلك؟ قلت لها: الرجوع. قالت: اصبر حتى يجتاز مركبٌ. فإذا مركبٌ يجري، فأشارت إليهم فدفعوها زورقاً، فلمَّا علوتُ معهم فإذا في المركب اثنا عشر رجلاً كلّهم نصارى، فأخبرتُهم خبري فأسلموا عن آخرهم)[29].
وأمّا القصّة في كتاب «بستان الواعظين» فقد جاءت بهذا اللفظ: (فما يقوّي ما ذكرناه من فضل الأركان الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين ما رُوي عن محمّد بن إدريس، قال: رأيتُ بمكّة أسقفاً وهو يطوف بالكعبة، فقلت له: ما الذي رغب بك عن دين آبائك؟ فقال: تبدّلت خيراً منه. فقلت: كيف ذلك؟ قال: ركبتُ البحرَ، فلمّا توسّطنا انكسر بنا المركب، فعلوتُ لوحاً فلم تزل الأمواج تدفعني حتّى رمتني في جزيرةٍ من جزائر البحر، فيها أشجار كثيرةٌ، ولها ثمرٌ أحلى من الشَّهد، وألين من الزّبد، وفيها نهرٌ جارٍ عذبٌ، فحمدتُ الله على ذلك، وقلت: آكلُ من هذا الثّمر، وأشرب من هذا النّهر حتى يأتيني الله بالفرج. فلما ذهب النهار خفتُ على نفسي من الدوابّ، فعلوتُ شجرةً من تلك الأشجار، فنمتُ على غصنٍ منها، فلمّا كان في جوف الليل فإذا بدابةٍ على وجه الماء تسبّح الله وتقول: لا إله إلا الله العزيز الجبّار، محمّد رسول الله النبيّ المختار، أبو بكر الصدّيق صاحبه في الغار، عمر الفاروق مفتاح الأمصار، عثمان القتيل في الدار، عليٌّ سيف الله على الكفار، فعلى مبغضيهم لعنةُ الجبّار ومأواهم جهنّم وبئس القرارُ.
فلم تزل تكرّر هذه الكلمات حتّى إذا طلع الفجر قالت: لا إله إلا الله الصادق الوعد والوعيد، محمد الهادي الرشيد، أبو بكر الصدّيق الموفّق السّديد، عمر بن الخطاب سور من حديد، عثمان القتيل الشهيد، علي ذو البأس الشديد، فعلى مبغضيهم لعنة الربّ المجيد. فلمّا وصلتِ البرَّ فإذا رأسها رأس نعامة ووجهها وجهُ إنسانٍ وقوائمها قوائم بعير، وذَنَبُها ذَنَبُ سمكةٍ، فخشيتُ على نفسي هالكة، فهربتُ بنفسي أمامها فوقفتُ، فقالتْ: ما دينك؟ قلتُ: النصرانية. فقالت: ويلك! ارجع إلى الحنيفية، فقد حللتَ بفناء قومٍ من مؤمني الجنّ، لا ينجو منهم إلا من كان مسلماً. قلتُ: وكيف الإسلام؟ قالت: تشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله. فقلتها فقالت: أتمّ إسلامك بالترحّم على أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضوان الله عليهم أجمعين. قلت: ومن أتاكم بذلك؟ فقالت: قومنا حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوه يقول: (إذا كان يوم القيامة تأتي الجنّة فتنادي بلسانٍ طلقٍ: يا إلهي، قد وعدتَ أن تشد أركاني، فيقول الجليل جلّ جلاله: قد شددتُ أركانك بأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وزيّنتك بالحسن والحسين)، ثم قالت الدابّة: المقام تريد أم الرجوع إلى أهلك؟! قلتُ لها: الرجوع. فقالت: اصبر حتى تجتاز مركبٌ. وإذا مركب تجري فأشرتُ إليهم فدفعوا إليَّ زورقاً، فلمَّا علوتُ معهم فإذا في المركب اثنا عشر رجلاً كلُّهم نصارى، فأخبرتهم خبري فأسلموا عن آخرهم)[30].
هذا هو لفظ القصّة في كتاب ابن الجوزيّ، وهي تلائم معتقده في الخلفاء الثّلاثة، والاختلاف بين نقل السيّد البحرانيّ وابن الجوزيّ في غاية الغرابة، والظّاهر أنّ ناسخاً وضّاعاً قد قام بإسباغ صبغةٍ شيعيّةٍ على هذه القصّة وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً، وقد كان في غنىً عن ذلك، فإنّ أصل القصّة موضوعٌ مكذوبٌ، وتغيير الأصل الفاسد لا يحسّنه، والظّاهر أنّ السيّد -رحمه الله- قد اعتمد على هذه النسخة الرديئة، ونقل منها هذه القصّة.
والحاصل مما تقدّم: إنّ كتاب «بستان الواعظين» الذي ينقل عنه السيّد هاشم البحرانيّ -ولم يذكر هويّة مؤلفه- هو كتاب «بستان الواعظين ورياض السّامعين» للحافظ ابن الجوزيّ (ت: 597هـ)؛ فإنّ كل الروايات المنقولة عنه -خلا روايتين- موجودةٌ في هذا الكتاب، وانفرد السيّد بذكر رواية ثالثة محرّفة عن الأصل كما ذكرنا، ومنه يبدو أنّ النسخة التي كانت بحوزته تالفةٌ محرّفةٌ لا يصحّ الاعتماد عليها، بل إنّ أصل الكتاب ليس بهذا المستوى من الاعتبار، فلم يكن النقل عنه أمراً نافعاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدينة المعاجز، ج3، ص133.
[2] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج3، ص108.
[3] البرهان في تفسير القرآن، ج4، ص507.
[4] بستان الواعظين ورياض السّامعين، ص133-134.
[5] مسند البزّار، ج9، ص43-44، رقم الحديث 3563.
[6] المعجم الأوسط، ج5، ص120، رقم الحديث 4849.
[7] الجرح والتعديل، ج2، ص538-539، رقم الترجمة 2238.
[8] البرهان في تفسير القرآن، ج6، ص67.
[9] بستان الواعظين، ص108.
[10] البرهان في تفسير القرآن، ج7، ص498-499.
[11] بستان الواعظين، ص151.
[12] البرهان في تفسير القرآن، ج7، ص499.
[13] بستان الواعظين، ص148.
[14] البرهان في تفسير القرآن، ج7، ص499.
[15] بستان الواعظين، ص148-149.
[16] البرهان في تفسير القرآن، ج8، ص395-399.
[17] بستان الواعظين، ص28-33.
[18] البرهان في تفسير القرآن، ج10، ص185-186
[19] بستان الواعظين، ص70.
[20] انظر: مسند إسحاق بن راهويه، ج2، ص109، رقم الحديث 1354/ سنن أبي داود، ج7، ص262-263، رقم الحديث 4674/ الشريعة (للآجريّ)، ج3، ص1336-1337، رقم الحديث 906.
[21] البرهان في تفسير القرآن، ج10، ص185-186.
[22] بستان الواعظين، ص185.
[23] البرهان في تفسير القرآن، ج9، ص269-270.
[24] مدينة المعاجز، ج3، ص133.
[25] مدينة المعاجز، ج4، ص86.
[26] بستان الواعظين، ص262.
[27] مدينة المعاجز، ج4، ص87.
[28] بستان الواعظين، ص263.
[29] مدينة المعاجز، ج3، ص385-386.
[30] بستان الواعظين، ص283-284.