مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الخميس، 10 ديسمبر 2020

رياض المعارف في دعاء زمن الغيبة (١)

بسم الله الرحمن الرحيم
رياض المعارف في دعاء زمن الغيبة (١)

الروضة الأولى: بحثٌ في اعتبار رواية الدّعاء وفضله

روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) هذا الدعاء الشريف في كتابه «مصباح المتهجِّد»[1]، ضمن ما ذكر في أعمال يوم الجمعة، وسنده: «أخبرنا جماعةٌ، عن أبي مُحمَّدٍ هارون بن موسى التلعكبريّ، أنَّ أبا عليٍّ مُحمَّدَ بن همام أخبره بهذا الدعاء، وذكر أنَّ الشيخ أبا عمروٍ العَمْريَّ – قدَّسَ اللهُ روحه- أملاهُ عليه، وأمره أن يدعو به».
وهذا سندٌ صحيحٌ في غاية الاعتبار، وتفصيله كالتالي:

أولاً: الجماعة.

ولا ينبغي التردّد في الاعتماد على روايتهم، ويتضح الوجه في ذلك ببيان بعض النقاط: 

النقطة الأولى: إنّ الجماعة تتضمَّنُ الشيخ المفيد والشيخ الحسين بن عبيد الله الغضائريّ، وهذا كافٍ في الاعتماد عليهم، بل يكفي لو وُجِدَ أحدهما. ومما يكشف عن كون الغضائريّ أحد هذه الجماعة أنّ الشيخ الطوسيّ قد كرّر الرواية في أماليه عن هارون بن موسى التلعكبريّ عن محمد بن همام الإسكافيّ عن رواةٍ مختلفين بواسطة شيخه الحسين بن عبيد الله الغضائريّ. 
وهذه فهرسة لجملة من روايات الشيخ الطوسيّ في أماليه: عن الحسين بن عبيد الله الغضائريّ، عن هارون بن موسى التلعكبريّ، عن محمّد بن همام الإسكافيّ، عن رواة مختلفين لكتب متعدّدة.
المجلس (11): الأحاديث من رقم 40-60.
المجلس (32): ح10.
المجلس (39): ح31.
المجلس (40): ح1-2.

كما أنّ الشيخ الطوسيّ قد روى بواسطة شيخه الغضائريّ عن التلعكبريّ عن آخرين مثل ابن عقدة الكوفيّ ومحمد بن علي بن معمر ومحمد بن أحمد الحكيميّ، وذلك في مواضع متعددة في أماليه، منها:
المجلس (15): ح49-50-51، رواية التلعكبريّ عن ابن عقدة.
المجلس (32): ح11، رواية التلعكبريّ عن محمد بن عليّ بن معمر.
المجلس (33): ح1-2-3، رواية التلعكبريّ عن محمد بن عليّ بن معمر.
المجلس (33): ح4-5-6، رواية التلعكبريّ عن محمد بن أحمد الحكيميّ.
المجلس (33): ح7-8-9-10، رواية التلعكبريّ عن ابن عقدة.

والحاصل:
إنّ جميع روايات الشيخ الطوسيّ عن التلعكبريّ - سواءً عن الإسكافيّ أم غيره- كانت بواسطة الحسين بن عبيد الله الغضائريّ، وهذا يثبت أنّ الغضائريّ أحد طرقه إلى المصنّفات المرويّة عن التلعكبريّ. 
ويؤيّد ذلك أيضاً: أنّ الشيخ الطوسيّ قد وصف التلعكبريّ بأنّه «روى جميع الأصول والمصنّفات» ثم عقّب ذلك بقوله: (أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا)[2]، وقد ذكر الشيخُ أسماء بعض الجماعة الراوية عن التلعكبريّ عند رواية بعض الكتب، ومنها - على سبيل المثال - كتب إبراهيم بن إسحاق الأحمريّ، قال الشيخ عند ذكر طريقه إلى جميع كتبه: (وأخبرنا بها أيضا الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدثنا أبو سليمان أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي المعروف بابن أبي هراسة، قال: حدثنا إبراهيم الأحمري بجميع كتبه)[3]، وذكر الشيخُ الطوسيّ في مشيخة التهذيب هذا الطريق نفسه مع ضمِّ رواية الشيخ المفيد أيضاً، قال: (وما ذكرته عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن محمد[4] بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري)[5]، فمن هنا يتّضح أنّ روايته للأصول والمصنّفات عن التلعكبريّ إنّما هي من طريق الجماعة التي تتضمّن الشيخ المفيد والغضائريّ، فتأمّل. 
ويؤيّد ذلك أيضاً: ما قاله المحقِّقُ الحليّ (رحمه الله) في جوابٍ له على سؤال يتعلّق بتشخيص هذه الجماعة، فقد جاء في رسائله: (قول الشيخ أبي جعفرٍ رضي الله عنه: «عدّةٌ من أصحابنا، عن التلعكبريّ»، وكذا قوله: «عدَّةٌ من أصحابنا عن أبي المفضَّل»، وقوله: «عدّةٌ من أصحابنا، عن محمد بن عليّ بن بابويه»، هل العدّة متّفقة أم مختلفة؟ تعرّفنا ذلك وتذكر أسماءهم. 
الجواب: الذي وصل إليَّ في ذلك، ووجدتُه بخطِّ بعض الفُضلاء أنَّ الجماعة الذين هم طريق الشيخ إلى أبي المفضَّل منهم: أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله، وأبو عليّ محمد بن إسماعيل بن أشناس، وأبو طالب بن عزور، واسمُ أبي المفضل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الشيبانيّ. وأمّا الجماعة الذين هم طريقه إلى التلعكبريّ منهم: الحسين بن عبيد الله المذكور، وابن صقال، وابن أشناس المذكور، وابن عزور المذكور)[6].
وقال الشيخ سليمان الماحوزيّ (رحمه الله): (مع أن الذي يُستفاد من التتبُّع أن الحسين بن عبيد الله الغضائري - شيخ شيوخ الأصحاب - أحد هذه العدة كما نبّهنا عليه في ترجمة إبراهيم بن نصر، وكذا يُستفاد من التتبُّع أيضًا أن الشيخ أبا عبد الله المفيد من جملة هذه العدّة، وربما يُدَّعى أنه صريحٌ من كلام الشيخ في التهذيب. 
قال فيه في باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس هكذا: «أخبرني جماعةٌ، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن علي بن الحسن بن فضال. 
وأخبرني أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضّال»، ثم ساق السند من عليِّ بن الحسن إلى آخره وذكر المتن، ثم أورد بعد ذلك خبرَيْن بهذين الإسنادَيْن إلى علي بن الحسن، عن رجاله المذكورين في الكتاب المذكور، ثم أورد خبرَيْن عن عليِّ بن الحسن، ثم قال: «والذي يكشف عن هذا ما أخبرني به الشيخ وأحمد بن عبدون بالإسناد المتقدّم عن علي بن الحسن بن فضّال»، ثم ساق الخبر ومتنه. 
وظاهر الحال يقتضي أن مراد الشيخ رحمه الله بالسند المتقدِّم: الشيخ المفيد، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن علي بن الحسن. وهذا يُعطي صريحاً أنّه أحد العدة..)[7].
والحاصل مما تقدّم: أنّ القدر المتيقّن كونُ المفيد والغضائريّ (رحمهما الله) من رجال الجماعة التي يروي عنها الشيخ الطوسيّ، وهذا كافٍ في الاعتماد على روايتهم.
النقطة الثانية: على فرض مجهوليّة الجماعة عندنا فإنّ اعتماد الشيخ عليهم في أكثر أخباره وطرقه إلى مصنّفات الأصحاب يوجب الاطمئنان إلى روايتهم، ولا سيّما أنّ الشيخ قد اعتمد هذه الطريقة كثيراً في أماليه و«الفهرست» و«الغيبة»، بل يمكن القول إنّ رواية الجماعة للكتاب تكفي في اعتبار نقلهم له، والقدر المتيقّن أنّ هذه الجماعة لا تقلّ عن ثلاثةٍ، ومن البعيد أن يتواطؤوا على الكذب أو يتّفق وقوعهم في الوهم معاً، بل جعل بعض المحدّثين من علمائنا المتقدمين رواية الثلاثة عدداً يحصل به التواتر مع توافر بقيّة الشروط[8]. 
النقطة الثالثة: إنّ أكثر روايات الشيخ لكتب وأصول الأصحاب في فهرسته تدور على أربعة من الثّقات، وهم: الشيخ المفيد، والغضائريّ، وابن ابي جيد القميّ، وأحمد بن عبدون، فلو أغمضنا النظر عمّا قدمناه، فإنّ كون بعضهم ضمن الجماعة - بمقتضى قانون حساب الاحتمالات - محتملٌ بقوّةٍ، وهذا كافٍ في حصول الاعتبار. 

وفي الختام، ينبغي أن نذكر أننا لم نقف في كلمات الفقهاء والمحقّقين على قدحٍ في رواية «الجماعة» التي روى عنها الشيخ أو توقّفٍ فيها؛ بل إنّ بعضهم صحّح روايتهم عند التعرّض لطرق الشيخ في «الفهرست» كما صنع ذلك السيّد الخوئيّ (رحمه الله) في مواضع عديدة في مُعجمه[9]، وقد استطردنا في هذا المقام محاولةً لاستنباط النكات العلميّة التي يمكن من خلالها تعليل استنادهم إلى رواية الجماعة.

ثانياً: هارون بن موسى التلعكبريّ (أبو محمد). 
ثقةٌ، جليلٌ، لا ريب في الاعتماد عليه، وقد قال النجاشيّ في حقِّه: (كان وجهاً في أصحابنا، ثقةً، معتمداً لا يُطعن عليه)[10]، وقال الشيخ: (جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميع الأصول والمصنفات)[11].

ثالثاً: محمد بن همام (أبو عليّ). 
ثقةٌ، جليلٌ، قال النجاشيّ: (محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافيّ، شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث)[12]. 

رابعاً: عثمان بن سعيد العَمْريّ (أبو عمرو). 
وهو السفير الأوّل من السفراء الأربعة للإمام الحجّة – صلوات الله عليه -، وقد ورد النصّ الصحيح بالشهادة بصدقه ووثاقته[13]، فضلاً عن تسالم علماء الطائفة على الإذعان لهم والتصديق لقولهم.

وللدعاء طريق آخر إلى روايته عن ابن همّام الإسكافيّ ذكره الشيخ الصدوق في كتابه «كمال الدين وتمام النعمة»[14]، وهو: «حدَّثنا أبو محمد الحسينُ بن أحمد المكتّب، قال: حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء، وذكر أن الشيخ العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به»[15]. 

وفي هذا المقام، من اللازم أن نشير إلى أربع ملاحظاتٍ جديرة بالاهتمام: 

الملاحظة الأولى: إنَّ من أهمّ موجبات الوثوق بصحّة هذا الدعاء – بالإضافة إلى صحّة سنده – خلوّ فقراته من الشذوذ والمعاني السقيمة، وكونها مؤيّدةً بالشواهد القرآنية والأخبار المعتبرة الواردة عن الأئمّة (عليهم السلام)، وهذا شاهدٌ قويٌّ على اعتباره، وباعثٌ على الاطمئنان للحكم بصدوره. وسيأتي ذكر جملةٍ من الشواهد عند التعرّض لشرح كل فقرة من فقرات الدعاء إن شاء الله تعالى.
الملاحظة الثانية: إنّ الغالب في نقل الأدعية المطوّلة هو النّقل الكتبيّ وعدم أدائها بالمعنى من الذّاكرة، وذلك لجهة التعبُّد بالألفاظ والتحفّظ على مدلولاتها بدقّة، وهذا شأن الأدعية غالباً عند العلماء، قال صاحب الفصول (رحمه الله): (نعم، ينبغي أن يُستثنى من ذلك نقل الخُطب والأدعية ونحوهما ممّا يُستظهر منه عند إطلاق الإسناد نقل اللفظ نظراً إلى تعلّق القصد به غالباً، فلا يجوز نقله بالمعنى من غير قرينةٍ تدلّ عليه)[16]، وقال الميرزا القميّ (رحمه الله) في قوانينه: (نعم، يتمُّ في مثل الأدعية التي اعتبر فيها الألفاظ المخصوصة، وطريقتهم في ذلك غالباً أنهم كان يُملون على أصحابهم وهم يكتبون، ولذلك ندر الاختلاف فيها بخلاف الأخبار)[17]، وقال الشيخ المامقاني (رحمه الله) في مقباسه: (إنّ محل النزاع إنما هو نقل أحاديث الأحكام بالمعنى، وأما مثل الأحاديث الواردة في الأدعية والأذكار والأوراد فلا كلام ظاهراً في عدم جواز نقلها بالمعنى، ولا تغييرها بزيادةٍ ولا نقصانٍ؛ لأنّ لترتيب الألفاظ فيها خصوصيّة، وقراءتها على ما وردت تعبّدية توقيفيّة، وطريقة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في ذلك غالباً أنّهم كان يملون على أصحابهم وهم يكتبون ولذلك ندر الاختلاف فيها بخلاف الأخبار)[18].
وفيما يخصُّ هذا الدّعاء فهو مصداقٌ لهذا الأصل، ويؤيّد كونه كذلك ما جاء في روايتَيْ الصدوق والطوسيّ من أنّ هذا الدّعاء قد أملاهُ السفير الأوّل على أبي عليّ الإسكافيّ، ويشهد لذلك ظهور التطابق الكبير بين روايتي الصدوق والطوسيّ رغم اختلاف إسناديهما إلى محمد بن همام الإسكافيّ، ويترتّب على هذا الأمر وجود اقتضاء التمسّك بالألفاظ عند الاستدلال والبيان. 
الملاحظة الثالثة: إنّ سند الدعاء ينتهي إلى السفير الأوّل، فهل هو من روايته عن الإمام (عليه السلام) أم من إنشائه؟ الأوّل هو الأرجح؛ وذلك لأنّ المعهود عن السفراء الأربعة – رضوان الله عليهم – هو أنّهم واسطةٌ إلى الإمام، وأنّ وظيفتهم النّقل عنه، ولم يُعرف عنهم الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة أو الولائيّة من أنفسهم، أو إنشاء الأدعية والأعمال العباديّة، بل إنّ إنشاء الأدعية لم يُعرف عن طبقة المتقدّمين، ولم يقع إلا في القرون المتأخِّرة كما فعل ذلك السيّد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه «مهج الدعوات» مُنبِّهاً عليه، ولعلّ ذلك لما ارتكز في أذهان المتشرّعة بسبب زجر الأئمّة (عليهم السلام) عن إنشاء الأدعية واختراعها، ومن شواهد هذا الأمر ما رواه الكليني بسنده عن عبد الرحيم القصير أنّه قال: (دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: جُعلت فداك، إنِّي اخترعتُ دعاءً. فقال: دعني من اختراعك، إذا نزلَ بك أمرٌ فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله..إلخ)[19].
ويؤيِّدُ ذلك أيضاً ما رواه الشيخ الطوسيّ في غيبته بإسناده عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ أنّه سأل السفير الثالث الحسين بن روح النوبختيّ رحمه الله عن مسائل، ثم قال: (فعدتُ إلى الشيخ أبي القاسم بن روح - رضي الله عنه - من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا أمس من عند نفسه؟! فابتدأنا فقال: يا محمد بن إبراهيم، لئن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله عز وجل برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل[20]، ومسموع من الحجّة عليه السلام)[21].
الملاحظة الرّابعة: مما ينبغي الإلفات إليه أنّ الحثّ على تلاوة هذا الدُّعاء في يوم الجمعة لم يرد في نصِّ روايته، وإنّما أدرجه الشيخ (رحمه الله) في مصباحه ضمن أعمال يوم الجمعة، وتابعه عليه من تأخّر عنه كالسيّد ابن طاوس وغيره، وجرت العادةُ بذلك عند أهل الإيمان -أيّدهم الله -، والظاهرُ أنّ إدراج هذا الدعاء ضمن أعمال يوم الجمعة راجعٌ إلى تعلّق هذا اليوم بصاحب الأمر (عليه السلام)، أو لكون هذا اليوم مخصوصاً بالتفرّغ للعبادة فكان إدراجه فيه مناسباً، والأوّل أرجح، واجتماعُ الوجهين غير ممتنع، فمن فاتَه الدّعاء في هذا اليوم المبارك فليأتِ به في يومٍ آخر، ولا يحرم نفسه من بركاته، بل إنّ هذا جارٍ أيضاً حتّى لو قُلنا بورود النصّ عليه في يوم الجمعة؛ فإنّ التحديد الزمانيّ لبعض الأدعية لا يمنع من الإتيان بها في وقتٍ آخر، إمّا بعنوان الاستحباب فيما لو استظهرنا تعدّد المطلوب، أو بعنوان قراءة مطلق الدعاء المستحب في كلّ وقتٍ وعلى كلّ حالٍ، وإمّا بعنوان رجاء المطلوبيّة إن لم نستظهر تعدّد المطلوب بل مُطلقاً، ولذلك كان بعضُ العلماء يحثُّ على قراءة دعاء الافتتاح ودعاء البهاء وغيرها من الأدعية الرمضانيّة في سائر أوقات السنة. 

وأما فضل هذا الدعاء وعظمته فظاهرةٌ لمن تدبّر في معانيه، وصرف همّة نفسه إلى تدبر أسراره، فهو نافذة الوصول إلى المحضر الشريف، والطريق المهيع إلى نيل رضاه، وفيه قد قال السيّد العارف ابن طاوس (رحمه الله): (وهو مما ينبغي إذا كان لك عذرٌ عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تُهمل الدعاء به، فإننا عرفنا ذلك من فضل الله جلَّ جلاله الذي خصَّنا به، فاعتمد عليه)[22]. 
ومما يحثُّ على التمسّك بهذا الدعاء الشريف ما قد ورد في فضل الدّعاء للإخوان بظهر الغيب، فقد روى ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمه الله) بسندٍ صحيحٍ: (عليّ، عن أبيه، قال: رأيتُ عبدَ الله بن جندب في الموقف، فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال مادّاً يديه إلى السّماء، ودموعه تسيل على خدَّيْهِ حتى تبلغ الأرض، فلمّا صدر النَّاسُ قلتُ له: يا أبا محمّد، ما رأيتُ موقفاً قطُّ أحسن من موقفك. قال: واللهِ ما دعوتُ إلّا لإخواني، وذلك أنَّ أبا الحسن موسى عليه السلام أخبرني أنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعفٍ»، فكرهت أن أدعَ مائة ألفٍ مضمونة لواحدةٍ لا أدري تُستجابُ أم لا؟)[23]. 
وروى (رحمه الله) بسندٍ صحيحٍ: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السّلام: دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يُدِرُّ الرزق ويدفعُ المكروه)[24]. 
فكيف لو كان المؤمن مشتغلاً بالدّعاء لإمام زمانه؟ فإنّه لا شكّ ولا ريب في أنّه سينال ما هو أعظم من هذه الألطاف الإلهيّة في شؤون دينه ودنياه وآخرته.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفِّقنا للعلم والعمل والدّعاء لوليّ أمرنا حجّة الله ابن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مصباح المتهجِّد، ص411-417. 
[2] رجال الطوسيّ، ص449، رقم الترجمة 6386. 
[3] الفهرست، ص16، رقم الترجمة 9. 
[4] كذا في المطبوع، والصحيح: أحمد. 
[5] تهذيب الأحكام، ج10، ص390. 
[6] رسائل المحقق الحليّ (المسائل العزيَّة الثانية)، ص174-175 (المسألة السادسة). 
[7] معراج أهل الكمال إلى معرفة الرجال، ص118-119. 
[8] قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): (وعرّفناك أن الذي نسميه الخبر المتواتر هو الذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم)، انظر: كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص115. 
[9] معجم رجال الحديث، ج2، ص123-124/ج3، ص78/ج3، ص89/ج6، ص198-200/ج8، ص65. 
[10] رجال النجاشيّ، ص439، رقم الترجمة 1184. 
[11] رجال الطوسيّ، ص449، رقم الترجمة 6386. 
[12] رجال النجاشيّ، ص379، رقم الترجمة 1032. 
[13] الكافي، ج2، ص125، رقم الحديث 869، كتاب الحجّة، باب في تسمية من رآه عليه السلام، ح1. 
[14] كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص538.
[15] وقد نصّ الميرزا النوريّ رحمه الله على صحَّة كلا الإسنادين، انظر: النجم الثاقب، ج2، ص476-477.
[16] الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة، ص308.
[17] القوانين المحكمة في الأصول المتقنة، ج2، ص527.
[18] مقباس الهداية في علم الدراية، ج2، ص295.
[19] الكافي، ج6، ص620، رقم الحديث 5671، كتاب الصلاة، باب صلاة الحوائج، ح1.
[20] المراد بـ«الأصل» هنا هو الإمام المهديّ (عليه السلام)، انظر: النجم الثاقب، ج1، ص166-167.
[21] الغيبة، ص322، رقم الحديث 269.
[22] جمال الأسبوع، ص315.
[23] الكافي، ج4، ص387-388، رقم الحديث 3237، كتاب الدعاء، باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب، ح6.
[24] الكافي، ج4، ص384-385، رقم الحديث 3233، كتاب الدعاء، باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب، ح2.