بسم الله الرّحمن الرّحيم
قراءة نقديّة في متن دعاء الجوشن الكبير
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيّبين الطّاهرين، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
تقدّم في المقالة السّابقة حول دعاء الجوشن الكبير أنّه من مرويّات المتأخّرين عند الإماميّة، ولا يظهر أنّ له سابقةً في أوساط الشّيعة قبل رواية الكفعميّ له مرسلاً عن النبيّ -صلّى الله عليه وآله- حيث نقله في كتابَيْه «البلد الأمين» و«المصباح»، وقد تعرّضنا فيها لجهة عدم الوثوق بصدوره بشكل مفصّل، وفي هذه المقالة نتعرّض لبيان بعض وجوه النّقد من جهة المتن؛ وهو مما يساهم في إضعاف الوثوق بصدوره عن أهل بيت الوحي -عليهم السّلام-؛ إذ فيه ما لا ينسجم مع نهجهم في الدّعاء والمناجاة.
[1] الإشكال الأوّل: حول الأسماء المنسوبة لله تعالى في هذا الدّعاء.
من الواضح لمن تصفّح هذا الدّعاء أنّه انفرد بجملةٍ من الأسماء المنسوبة لله تعالى، وهذه الأسماء قد يُشكل من عدّة جهات:
الجهة الأولى: أنّ الدّعاء انفرد بذكر جملةٍ من الأسماء المنسوبة لله تعالى، وهذه الأسماء لم تثبت بطرق معتبرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، ولم تُلحَظ في الأدعية المعلومة الصّدور عنهم، ومع كثرة ما وردنا من أدعية معتبرة لا يُلحظ وجود هذه الأسماء فيها. وهذا الإشكال غير ناظرٍ إلى حُسن تلك الأسماء ومعانيها من عدمه، أو جواز التعبّد بتلاوتها من عدمه، وإنّما ينظر إلى جهة الانفراد بذكر هذه الأسماء مع عدم ثبوتها من طرق معتبرة، فلم يُلحظ في الأدعية المعتبرة تعبّد أهل البيت عليهم السّلام بها.
ومن هذه الأسماء:
1- غفران (الفقرة 5).
2- مديل، منيل، مقيل، محيل (الفقرة 13).
3- ملقّن، مزيّن، معلِن (الفقرة 17).
4- سالم، قاسم (الفقرة 29).
5- طبيب (الفقرة 44).
6- مُنَوِّل (الفقرة 49).
7- سامق (الفقرة 61).
8- نفّاح، مرتاح (الفقرة 65).
9- فاعل، جاعل (الفقرة 81).
10- سرمد (الفقرة 85).
ولا يمكن إثبات هذه الأسماء من خلال الرّوايات الضّعيفة؛ فإنّ المسألة هنا ليست مندرجةً تحت عنوان رجاء المطلوبيّة، وإنّما هي مسألة معرفيَّة فيلزم إثباتها بالرّوايات المعتبرة.
ثمّ إنّ البعض استشكل على بعض هذه الأسماء من جهة معانيها من قبيل: (يا مرتاح) وأجيب عليه ببيان معنىً حسنٍ لهذا الاسم، وفيه: أنّ هذا لا يرفع الإشكال؛ فمجرّد حسن الاسم لا يسوّغ تسمية الباري به كما سيأتي بيانه.
الجهة الثّانية: أنّ المشهور عند الشيعة الإماميّة هو القول بتوقيفيّة الأسماء، وقد نصّ عليه المفيد[1] والصّدوق[2] والعلّامة الحليّ[3] وغيرهم من العلماء، ولا يخفى أنّ مقتضى الاحتياط عدم نسبة اسمٍ لله تعالى من دون توقيفٍ من الشّارع؛ حذراً من الكذب على الله، وحيث إنّ هذه الأسماء لم يُحرز ثبوتها عن الشّارع فلا ينبغي التعبّد بها. ومن المستحسن أن يراجع المكلّف الفقيه الذي يقلّده في هذه المسألة ليتبيّن رأيه وموقفه من توقيفيّة الأسماء، ولا بدّ من التثبّت في المسألة قبل العمل.
الجهة الثّالثة: أنّه مع القول بعدم توقيفيّة الأسماء، فلا أقل من كونها توقيفيّةً في الدّعاء، لما في قوله تعالى: (ولله الأسماء الحُسنى فادعوه بها)[4]، وفي صحيحة صفوان بن يحيى عن الرّضا عليه السّلام أنّ أبا قرّة المحدّث سأله: أفتقرُّ أنَّ الله محمول؟ فقال عليه السّلام: (كلُّ محمولٍ مفعولٌ به، مضافٌ إلى غيره، محتاج، والمحمول اسم نقص في اللّفظ، والحامل فاعل وهو في اللفظ مِدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلى وأسفل. وقد قال الله: "وله الأسماء الحسنى فادعوه بها" ولم يقل في كتبه إنّه المحمول بل قال إنه الحامل في البرّ والبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى الله، ولم يُسْمَع أحدٌ آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول)[5].
فترى أنّ الإمام استشهد على نفي هذه اللّفظة بعدم تسمّيه بذلك في كتبه -وفي حكم ذلك ما ورد على لسان حججه عليهم السّلام-، فكأنّه يقول: حيث إنّ هذه الصّفة لم يثبتها الله لنفسه فلا وجه للالتزام بها، كما أنّه استشهد بدعاء المؤمنين بالله -الذين يدعون الله بالنّهج الشّرعيّ- بأنّ دعاءهم خالٍ من وصف الله بهذا الوصف.
قال المولى المازندرانيّ في شرح هذه الرّواية: (والحاصل أنّ كلّ أمرين إضافيّين وكلّ معنيَيْن متقابلَيْنِ يكون أحدهما أخسُّ من الآخر لا يجوز إطلاق لفظه عليه سبحانه أصلاً لا تسميةً ولا وصفاً، فلا يجوز أن يقال: هو محمولٌ وتحت وأسفل ومرحوم ومغفور وأمثال ذلك، وأمّا إطلاق لفظ الأشرف فإن وُجِدَ له معنىً صحيحٌ له تعالى وورد الإذن مثل الحامل والفوق والأعلى صحَّ؛ فإنه حامل جميع الأشياء بالحفظ والعلم والإيجاد وفوقها وأعلاها بالقدرة والاستيلاء.
«وقد قال الله تعالى» الظّاهرُ أنّه دليلٌ ثالثٌ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها» المراد بها مَا وَرَدَ الإذنُ بالتّسميةِ والوَصْفِ به، لا مُطلَق أشرفِ المُتَقَابِلَيْنِ؛ فإنَّ السخيّ والفاضل مثلاً أشرفُ ممَّا يقابلُهُما وليسا من أسمائه الحسنى)[6]، وهو واضحٌ في عدم جواز إطلاق الاسم والصّفة إلا بإذنٍ شرعيّ ولا سيّما في مقام الدّعاء حيث إنّ الإمام عليه السّلام استدلّ بالآية الكريمة على ذلك.
وقال الشّهيد الأوّل عند حديثه عن إطلاق الأسماء: (ما لم يَرِدْ به السّمعُ ويُوهِمُ نقصاً، فيمتنع إطلاقه إجماعاً)، وهذا حاصلٌ في بعض الأسماء من قبيل لفظة (مرتاح)، ثمّ قال: (ما خلا عن الإبهام إلا أنّه لم يرد به السّمع، مثل: السخيّ، والنجيّ، والأريحيّ. ومنه: «السيّد» عند بعضهم، وقد جاء في الدّعاء كثيراً، وورد أيضاً في بعض الأحاديث: «قال السيّد الكريم»، فالأولى التوقّف عمّا لم تثبت التّسمية به، وإنْ جازَ أن يُطلَقَ معناه عليه إذا لم يكن فيه إبهام)[7] فيتبيّن أنّ العمل بمثل هذا الدّعاء مرجوحٌ إنْ لم يكن ممنوعاً.
الإشكال الثّاني: عبارة «يا من تَعَالى جدُّه»
ورد في الفقرة 76 من دعاء الجوشن قوله: «يا من تَعَالى جدُّه»، وهي من العبارات المُشكلة؛ لورود النّهي عن الأئمّة بالتعبّد بها، وتصريحهم بأنّ هذه المقولة من كلام جُهّال الجنّ كما في المحكيّ عنهم في سورة الجنّ: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً)[8].
وقد وقعت هذه العبارة محلّاً لتشنيع بعض متكلّمي الإماميّة على العامّة، فمن ذلك ما جاء في كتاب «الإيضاح» للفضل بن شاذان قوله: (وأجمعتم على كذبةٍ كُذِبَ بها على أهل الحقّ فجعلتموها إماماً وافتتاحاً لصلاتكم في قولكم: «وتعالى جدّك»، وقد قال الله عزّ وجلّ: «فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»، أو لم يخبرنا عن إبراهيم -عليه السّلام- أنّهُ قال: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، وقد أمر نبيّنا -صلى الله عليه وآله - فقال: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»، وحكى الله عزّ وجلّ عن الجنّ حكايةً قالوها: «وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا»، فلا قول إبراهيم -عليه السلام- استحسنتم ولا به اقتديتم، ولا بقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله رضيتم، بل اخترتم واستحسنتم واتبعتم قول الجن، هكذا كان استفتاح عمر بن الخطاب واقتديتم به دون إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وآلهما)[9]، فانظر كيف كان بعض متكلّمي الإماميّة يشنّع على العامّة بهذه العبارة، وبعد أن وقع البلاء بأخذ الأدعية عن كلّ من هبّ ودبّ تجاوزنا بعض المحاذير المهمّة.
ومن هذه الرّوايات النّاهية عن التعبّد بهذه العبارة في مخاطبة الله تعالى:
1- روى الشّيخ الصّدوق بإسنادٍ معتبرٍ عن ميسرة عن الباقر عليه السّلام: (شيئان يفسد النّاس بهما صلاتهم: قول الرجل: «تبارك اسمك وتعالى جدك» وإنما هو شيءٌ قالته الجنُّ بجهالةٍ فحكى الله عنهم، وقول الرّجل: السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين)[10]، ورواها الشّيخ الطوسيّ في «التّهذيب»[11].
والرّواية واضحةُ الدّلالة في أنّ إفساد عبارة (وتعالى جدّك) للصّلاة؛ لما فيها من متابعة الجنِّ على جهالتهم، فهذه جهالة، والتعبّد لله بما فيه جهالة واضح الفساد.
2- روى الشّيخ الصدوق في «الفقيه» مرسلاً عن الصّادق عليه السّلام، قال: (أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين: بقوله: «تبارك اسمك وتعالى جدك» وهذا شيءٌ قالته الجنّ بجهالةٍ فحكاه الله تعالى عنها، وبقوله: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»)[12]، وما حُكي عن ابن مسعود في هذه الرّواية ثابت في آثار العامّة وأنّه كان يستفتح الصّلاة بهذه العبارة[13].
3- روى الشّيخ الصّدوق في الخصال بإسنادٍ آخر: (حدّثنا أحمد بن محمّد بن الهيثم العجليّ وأحمد بن الحسن القطّان ومحمّد بن أحمد السنانيّ والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب وعبد الله بن محمد الصّائغ وعليّ بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السّلام، قال: هذه شرائع الدّين لمن أراد أن يتمسّك بها وأراد الله هداه: ...، ويُقال في افتتاح الصّلاة: "تعالى عرشك"، ولا يقال : "تعالى جدك"، ولا يقال في التشهّد الأوّل: "السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين" لأنَّ تحليل الصّلاة هو التّسليم، وإذا قلتَ هذا فقد سلَّمْتَ)[14].
4- ورد في التفسير المنسوب لعليّ بن إبراهيم القميّ: (حدثنا عليّ بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الجن: «وأنّه تعالى جدُّ ربنا»، فقال: شيء كذبه الجنُّ فقصَّهُ اللهُ كما قال)[15].
وروى بعض حفّاظ العامّة هذا المعنى عن الباقر عليه السّلام، فمن ذلك ما رواه الطبريّ في تفسيره: (حدّثني أبو السّائب، قال: ثني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبي سارة، عن أبيه، عن أبي جعفر: «تعالى جدُّ ربنا» قال: كان كلاماً من جهلة الجنّ)[16].
ورووا هذا المعنى أيضاً عن عبد الله بن عبّاس، فمن ذلك أيضاً ما رواه عبد الرزّاق في مصنّفه: (عن ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عبّاس أنّه كان يرى الجدَّ أباً، ويتلو هذه الآية: {ملة آبائي إبراهيم وإسحاق} قال: وقال ابن عباس: «لو علمت الجنُّ أنه يكون في الإنس جدٌّ» ما قالوا: تعالى جدّ ربنا)[17].
ومع كثرة الأدعية والخطب الواصلة إلينا عن الأئمّة -عليهم السّلام- لم ترد هذه العبارة في دعاءٍ معتبرٍ أو روايةٍ معتبرةٍ لكي يُبنى على انتسابها إليهم، بل إنّ المرويّ عنهم (عليهم السّلام) عندنا وعند العامّة -في كتب المتقدّمين- هو النّهي عن هذه العبارة، فمن أين يحصل الاطمئنان بثبوت مثل هذه العبارة؟
إشكالٌ مدفوعٌ
وقد أُشكِل على فقرةٍ من دعاء الجوشن الكبير وهي: (يا هادي المُضِلّين)، وقيل في مقام الإشكال إنّها تُعارِضُ قوله تعالى: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[18]، بتقدير أنّ (مَنْ يُضِلُّ) بمعنى اسم الفاعل (المُضِلّ) الذي يقوم بإضلال الآخرين، والمعنى الصّحيح الذي يشهدُ له السّياق أنّ الله لا يهدي الذي يُضِلُّهُ -فهو بمعنى اسم المفعول-، فمن أضلَّهُ اللهُ فلا هادي له، ولم أرَ في كلمات المفسّرين من فسّر (من يُضِلّ) بمعنى اسم الفاعل.
دفع محاولةٍ لتوثيق الدّعاء
ومن المحاولات الغريبة لترجيح جانب الوثوق بدعاء الجوشن: جمعُ شواهد مختلفة من الأدعية أو الأحاديث الواردة في الكتب المعتبرة، ومع غضّ النظر عن التفاصيل، يكفي في خدشها أمران:
الأمر الأوّل: أنّ جملةً من ألفاظ الدّعاء -ولا سيّما ما كان موضعاً للإشكال- لا زالت تفتقر إلى الشّواهد الموجبة للوثوق في الكتب المعتبرة، وحيث لم يثبت لها أثرٌ في أدعية أهل البيت (عليهم السّلام) فهذا يؤيّد ما قلناه حول إشكاليّة وجود الغرائب الشاذّة في هذا الدّعاء.
الأمر الثّاني: أنّ رفع الضّعف عن مراسيل القرون المتأخرة لا يكفي فيه سلامة المضمون إجمالاً، وإنّما لا بدّ من إثبات أصالته روائياً بتداوله في كتب معتبرة أو إجازات موثوقة. وكيف يصحّ مثل هذا وقد تبيّن دوران الدعاء في بيئة الصوفية لقرونٍ قبل وفوده إلينا؟! ولو كانت هذه الطريقة مجديةً في إحراز الوثوق لاعتمدها الفقهاء في باب الفتوى.
وهذا يشبه في المقام، بما تعلّق به بعض المعاصرين في توثيق منفردات الصّوفيّة التي لا أثر لها في الكتب الحديثيّة عند المسلمين بالإتيان بشواهد لها من كتب الحديث، وهذا -بعد انعدام الأصل الروائيّ الموثوق لهذه الوجادات المتأخّرة- يشبه ضمّ الحَجَر إلى الحَجَر، ولا يكاد يثمر وثوقاً، ويكفي في بيان بطلان ذلك أنّ أمثال هؤلاء تمرّ عليهم الوجادات المختلقة مرور الكرام بدعوى سلامة مضمونها وعدم وجود مشكلة واضحة فيها من قبيل معارضة القرآن أو العقل، فحينئذٍ كيف يتبيّن لهم الغثّ من السمين إذا كان المدار على تقييم سلامة المضمون فقط؟! وهذا كلّه ناشئ عن الاستهتار بقيمة الضّبط والنّقل في الكتب المتقدّمة المعتبرة والنّقد الدّاخلي للمتن، فصارت دعوى سلامة المضمون لأيّ وجادةٍ مجهولة المصدر في قرون متأخرة مساويةً لتمرير هذه النصوص في المنظومة الأخلاقيّة والعباديّة، والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال الشيخ المفيد: (وأقول: إنّهُ لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بمّا سمّى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيّه -صلّى الله عليه وآله- أو سمَّاهُ به حججُه من خلفاء نبيِّه، وكذلك أقول في الصّفات، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمَّدٍ -عليهم السّلام- وهو مذهب جماعة الإمامية..إلخ)، انظر: أوائل المقالات، ص53.
[2] قال الشيخ الصدوق: (وأسماءُ الله تبارك وتعالى لا تُؤخَذُ إلّا عنه أو عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أو عن الأئمّة الهداة عليهم السّلام)، انظر: التوحيد، ص293.
[3] قال العلّامة: (ولا يُطلَقُ عليه لفظة الجوهر؛ لأنّ أسماءه تعالى توقيفيّة)، انظر: نهاية المرام في علم الكلام، ج1، ص267.
[4] سورة الأعراف، الآية 180.
[5] الكافي، ج1، ص321، رقم الحديث 340، كتاب التوحيد، باب العرش والكرسيّ، ح2.
[6] شرح أصول الكافي، ج4، ص105-106.
[7] موسوعة الشّهيد الأوّل (كتاب القواعد والفوائد)، ج15، ص374.
[8] سورة الجن، الآية 3.
[9] الإيضاح، ص205.
[10] الخصال، ج1، ص50، باب الاثنين، ح59.
[11] تهذيب الأحكام، ج2، ص340-341، كتاب الصّلاة، رقم الحديث 1290، باب كيفيّة الصّلاة وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون، ح146.
[12] من لا يحضره الفقيه، ج1، ص401، رقم الحديث 1192.
[13] معجم ابن الأعرابيّ، ج1، ص363-364، رقم الحديث 703.
[14] الخصال، ج2، ص604، أبواب المائة فما فوقه، ح9.
[15] تفسير القميّ، ج3، ص1106.
[16] تفسير الطبري، ج23، ص315.
[17] مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ج8، ص351، رقم الحديث 17360.
[18] سورة النحل، الآية 37.