قائمة المقالات

السبت، 18 مايو 2024

أهميّة اطّلاع محقّق النصّ التراثيّ على مصنّفات المذاهب الإسلاميّة

بسم الله الرحمن الرحيم
أهميّة اطّلاع محقّق النصّ التراثيّ على مصنّفات المذاهب الإسلاميّة

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين.

ممّا لا شكّ فيه أنّ المشتغل بتحقيق نصوص التراث الإسلاميّ يحتاج إلى الإلمام بجملةٍ من العلوم والمسائل المهمّة التي تعينه على ضبط النصّ بشكل أفضل، وتجنّب الوقوع في الأخطاء، ولا تخفى ضرورة اهتمام المحقّق بعلوم اللغة والحديث والرّجال والفقه وغيرها، والاطّلاع الكافي على كتب القراءات والتفسير وعلوم القرآن، وغير ذلك ممّا يتصل بكل حقلٍ معرفيّ.
ومن الأمور التي ينبغي التأكيد عليها ضرورة اهتمام المحقّق بمتابعة النصّ الذي يحقّقه وما يرتبط به في أجواء التراث الإسلاميّ -مع غضّ النظر عن الاختلاف المذهبيّ- فهذا يُعين على ضبط النصّ بطريقة أفضل، وتجنّب تشويه النصوص بالأغلاط الفادحة نتيجة ضيق الأفق والغياب التامّ عن نصوص المذاهب الأخرى.
وممّا يُلحَظُ في هذا الجانب، أنّ كثيراً من محقّقي التراث عند أهل السنّة لا زالوا يفشلون في تحقيق النصوص التي لها ارتباط بالمذاهب الأخرى، ولا سيّما ما يرتبط بمذهب الشّيعة الإماميّة، وكأنّ العصبية المذهبية تحملهم على تجاهل هذا التراث العريق تحاملاً منهم، وهو ما دفعوا ثمنه من أخطاء فادحة وركاكةٍ في ضبط نصوص التراث المرتبطة بأجواء خارج الفضاء العامّ عند أهل السنّة، مع أنّ التفات المحقّق إلى نصوص المذاهب الإسلاميّة الأخرى يثري البحث، ويزيد في أفق المحقّق علمياً ومعرفيّاً، ويفتح أبواباً من التجارب الغنيّة بالفوائد، كما أنّ تجاهل نصوص المذاهب الأخرى -مهما كان الموقف منها- يوجب ضعفاً في الطّرح العلميّ، ويوقِعُ المحقّق في أخطاء تشوّه النصَّ، وقد كان بإمكانه تلافي ذلك عبر الاطّلاع على بعض الكتب عند الشيعة الإماميّة أو غيرهم.

وفي المقام نماذج عديدة، نذكر منها نموذجين اثنين، وهما:

أوّلاً: تحقيق عبد الفتّاح أبو غدّة لكتاب «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر العسقلانيّ.

من المعروف أنّ الحافظ ابن حجر العسقلانيّ قد أتى على ذكر بعض رجال الشيعة في كتابه «لسان الميزان»، وكان ينقل بعض المعلومات عنهم من مصادر الشّيعة، فحكى بذلك جملةً من أقوال النجاشي والطوسيّ وغيرهما، وكان من الضروري لمحقّق الكتاب أن يراجع التراث الرجاليّ عند الشيعة الإماميّة ليضبط النصّ بشكل صحيح، بدلاً من أن يقوم بتفريغ المخطوط كما هو؛ فإنّ التحقيق ليس مجرّد سردٍ لسطور النسخ الخطيّة.
ومن جملة الأخطاء التي وقعت في تحقيق عبد الفتاح أبو غدّة:
المورد الأوّل: جاء في (لسان الميزان، ج1، ص337، رقم الترجمة 248): (إبراهيم بن أبي الكرم الجعفريّ، ذكره النجاشيّ في رجال الشّيعة..)، والصّحيح: (الكَرَّام) بفتح الكاف وتشديد الرّاء، وهذا الرّجل معروفٌ في أسانيد الشيعة وفهارسهم.
المورد الثّاني: جاء في (لسان الميزان، ج2، ص482، رقم الترجمة 1937): (جُفَير -بفاء مصغر- بن الحكم العبديّ، أبو المنذر، روى عن جعفر الصّادق، روى عنه ولدُه مِنْقَر..)، والصّحيح: (ولدُه مُنْذِر)، وقد ذكره الطوسيّ في فهرسته[1]، ووقع في طريق النجاشيّ إلى كتاب أبيه[2]، وذكر ابن نقطة في «تكملة الإكمال» أنّه يروي عن أبيه[3].
المورد الثّالث: جاء في (لسان الميزان، ج3، ص62، رقم الترجمة 2300): (الحسن بن عبّاس بن حريش العامريّ الحريشيّ الرازيّ. روى عن أبي جعفر الباقر، وعنه: أبو عبد الله الرَّقي، وأحمد بن إسحاق بن سعد، وسهل بن زياد، ومحمّد بن أحمد بن عيسى).
وفي هذه الترجمة عدّة أخطاء، وهي:
1- أنّ المترجم له لا يروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام)، وإنّما يروي عن أبي جعفرٍ الجواد (عليه السّلام)، ومن المحتمل أنّ منشأ التصحيف سوء فهم ابن حجر، أو أنّ الكلمة الصّحيحة هي (الثّاني) وقد صُحّفت إلى (الباقر).
2- قوله: (روى عنه أبو عبد الله الرقيّ) خطأ، صوابه: (البرقيّ)، هذا من جهة ضبط النصّ، أما من جهة دقّة المعلومة فإنّ أبا عبد الله البرقيّ -وهو محمّد بن خالد- في طبقة متقدّمة على طبقة المترجم له فهو لا يروي عنه، وإنّما يروي عنه ابنُه أحمدُ بن أبي عبد الله البرقيّ، وهو الصّحيح.
3- قوله: (محمّد بن أحمد بن عيسى) خطأ، والصّحيح: (أحمد بن محمّد بن عيسى).
المورد الرّابع: جاء في (لسان الميزان، ج3، ص88، رقم الترجمة 2338): (الحسن بن عليّ بن أبي عثمان الكوفيّ، يُلقّب سجّادة، ذكره الطوسيّ في رجال الشيعة الإماميّة وقال: كان غالياً. روى عن أبي جعفر الجواد ابن عليّ الرّضا، روى عنه: أبو عبد الله التركيّ).
والصّحيح: (أبو عبد الله البرقيّ)، والأمر هاهنا نفسه أيضاً كما تقدّم في المورد السّابق؛ فإنّ الظّاهر أنّ الذي روى عن سجّادة هو البرقيّ الابن وهو أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ.
المورد الخامس: جاء في (لسان الميزان، ج3، ص88، رقم الترجمة 2337) في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ: (قال عليّ بن الحسين بن فضّال: كان مطعوناً عليه)، والصّحيح: (عليّ بن الحسن بن فضّال)، وطعون ابن فضّال على ابن البطائنيّ المذكور معروفةٌ منقولةٌ في كتبنا الرجاليّة.

ثانياً: تحقيق أيمن فؤاد سيّد لكتاب «الفهرست» لابن النّديم.

المورد الأوّل: جاء في (الفهرست، ج1، ص634): (ابن قُبَّة الرازيّ، وهو أبو جعفر محمّد بن قُبّة..)، والكلام في ضبط كلمة (قبة)، فقد ضبطوها بضمّ القاف وتشديد الباء، مع أنّ علماء الإماميّة ذكروا وجهين لضبط الكلمة، وكان من المستحسن الإشارة إليهما، قال العلّامة الحليّ: (وجدتُ بخطّ السّعيد صفيّ الدّين محمّد بن معد الموسويّ: هو محمّد بن قِبَة، بالقاف المكسورة، والباء المنقّطة تحتها نقطة، المفتوحة المخفّفة. ووجدتُ في نسخةٍ أخرى: بضمّ القاف، وتشديد الباء. والذي سمعناه من مشايخنا الأوّل الذي قاله السيّد صفيّ الدين رحمه الله)[4].
المورد الثّاني: جاء في (الفهرست، ج1، ص684): (أبو النصر، محمّد بن مسعود العيّاشيّ..)، والصّحيح: (أبو النّضر) بالضّاد المعجمة، وهو الضّبط المعروف في كتب الحديث والرجال، قال العلّامة الحليّ: (محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش -بالشين المعجمة- السّلمي السّمرقنديّ، أبو النّضر -بالضّاد المُعجَمة..)[5]، ثمّ في تتمّة ترجمة العياشيّ ذكر ابن النديم كتبَه، وقد وقع الخطأ في ضبط بعضها، ومنها: (كتاب العِينَة)، والصّحيح: (كتاب الغَيْبَة)، و(كتاب البَدْء)، والصّحيح: (كتاب البَدَاءِ).
المورد الثّالث: جاء في (الفهرست، ج1، ص692) في ترجمة الشّيخ المفيد رحمه الله، عند ذكر أسماء كتبه: (كتاب العيوب والمحاسن)، والصّحيح: (كتاب العيون والمحاسن)، وهو الكتاب الذي انتخب منه السيّد المرتضى رحمه الله (الفصول المختارة)، و(كتاب تصابيح النّور)، والصّحيح: (مصابيح النّور)، والكتاب ذكره النجاشيّ[6]، وذكره ابن شهرآشوب بعنوان: (مصابيح النّور في أوائل الشّهور)[7].
المورد الرّابع: جاء في (الفهرست، ج2، ص70) ضمن ذكر بعض كتب الشيعة في الفقه:
1- (كتاب أبي يحيى ليث المراديّ)، والصّحيح: (أبي بصير).
2- (كتاب عليّ بن رَبَاب)، والصّحيح: (رئاب).
3- (كتاب سيف بن عَمْرَة النّخعي)، والصّحيح: (عَمِيْرَة).
4- (كتاب عبد الله الحلبيّ)، والصّحيح: (عُبَيْد الله).
5- (كتاب مثنّى بن أسد الخيّاط)، والصّحيح: (مثنى بن راشد)، وقد ضُبط في بعض المواضع (الحنّاط)، وفي بعضها: (الخيّاط)، ولم أجد مرجّحاً وافياً، فليُدقّق.
المورد الخامس: جاء (الفهرست، ج2، ص71) في ترجمة زرارة بن أعين، عند حديثه عن جدّه: (وكان سِنْبِس عبداً روميّاً لرجلٍ من بني شيبان..وكان سِنْبِسْ راهباً في بلد الرّوم..)، والمضبوط في تراجم جملةٍ من آل أعين أنّ اسمه: (سُنْسُن)، ونصّ على هذا العلّامة الحليّ فقال في ترجمة أبي غالب الزراريّ: (أحمد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم -بفتح الجيم وإسكان الهاء- بن بكير بن أعين بن سُنْسُن -بضمِّ السّين المهملة، وإسكان النّون، وضمّ السّين بعدها، والنّون أخيراً)[8].
المورد السّادس: جاء في (الفهرست، ج2، ص74-75) في تعداد كتب الحسين بن سعيد الأهوازيّ: (كتاب الرّد على الغَالِبَة)، والصّحيح: (كتاب الردّ على الغَالِيَة)، ذكره الطوسيّ في الفهرست بهذا النّحو[9]، وذكره النجاشيّ بلفظ: (كتاب الردّ على الغلاة)[10].
المورد السابع: جاء في (الفهرست، ج2، ص77): (سعد بن إبراهيم القميّ، وله من الكتب: تصدير الدرجات)، والظّاهر أنّ الصّحيح: (سعد بن عبد الله القميّ، وله من الكتب: بصائر الدّرجات)، ولا يُعرف في القميّين سعدٌ بالصفات المذكورة في عبارة الفهرست.
المورد الثامن: جاء في (الفهرست، ج2، ص77) في ضبط نسبة الحسن بن عليّ بن فضّال: (أبو عليّ، الحسن بن عليّ بن فَضَال التَّيْمَلِيّ)، ولم أقف على الوجه في تخفيف الضّاد في (فضال)، والمعروف أنّها بالتشديد، و(التَّيْمُلِيّ) بضمّ الميم، كما نصّ على ذلك السّمعانيّ في (الأنساب) [11].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الفهرست، ص476، رقم الترجمة 767.
[2] رجال النجاشي، ص131، رقم الترجمة 337.
[3] تكملة الإكمال، ج2، ص98، رقم الترجمة 1216.
[4] إيضاح الاشتباه، ص314، رقم الترجمة 660.
[5] إيضاح الاشتباه، ص306، رقم الترجمة 618.
[6] رجال النجاشي، ص399، رقم الترجمة 1067.
[7] معالم العلماء، ج3، ص303-305، رقم الترجمة 774.
[8] إيضاح الاشتباه، ص150، رقم الترجمة 60.
[9] الفهرست، ص149-150، رقم الترجمة 230.
[10] رجال النجاشي، ص58، رقم الترجمة 136-137.
[11] الأنساب، ج3، ص118.