بسم الله الرحمن الرحيم
«كشف التحريفات» من الأرشيف إلى الطباعة
في العام ٢٠٠٧م تقريباً بدأت رحلة البحث الجادّ عن حقيقة التشيّع، واستمرّت لفترة طويلة، وكان من مقتضيات هذه الرحلة أن أُرْجِعَ البصرَ إلى كتب التراث السنيّ بوصفها حُجّة معتمدة لديّ آنذاك، فكان الاهتمام مُنصبَّاً على البحث والنظر في أدلة جملة من القضايا التاريخيّة والعقائديّة، وقد كانت هذه التجربة رغم طولها وما فيها من المشقّة ثريةً بالفوائد والملاحظات والتزوّد بالمعرفة اللازمة لإحكام النظر والمقارنة بين مقولات مذهبين عريقين في تاريخ الإسلام.
ومن جملة هذه الفوائد -خلال البحث- ملاحظةُ نوعٍ من التشويش في المتون الحديثية والتاريخيّة بشكل مريبٍ يوحي بوجود حقيقةٍ ضوؤها خافتٌ لا يكادُ يُرى إلا بعنايةٍ، وتحتاجُ إلى من يشقّ الطريق إليها ويرفع آثار الإبهام عنها، فقد كانت بعضُ الروايات مبتلاةً بألفاظٍ توجب التشويش والإبهام من قبيل (كذا وكذا)، (فلان)، (ذكر شيئاً)، أو تعاني من اقتطاعٍ مريبٍ لعباراتٍ في غاية الأهميّة بالنسبة للباحث في كتب الحديث والتاريخ، وقد كانت هذه التحريفات لافتةً للنظر وتستدعي المزيد من الاهتمام، فكان البحث يدور حول ما يرفعُ هذا التشويش ويكشف عن الحقيقة الغائبة خلفه، فوُفّقت للوقوف على روايات كثيرة تساعدُ على فهم المطلب المُبهَم وأسباب تحريفه وإبهام ألفاظه مذهبياً وسياسياً، وكم من روايةٍ أُبهمت بألفاظٍ قد انكشفَ المراد منها من خلال مصادر حديثية وتاريخية أخرى.
وبعد تكرر هذه الملاحظة، ازداد الاهتمام بهذا الأمر، فشرعت بتدوين ما وقفت عليه آنذاك، ونشرتُ معظمه على هيئة مواضيع حواريّة في (شبكة هجر الثقافيّة) سنة ٢٠١٠م وما تلاها إلى أن أُغلقت الشبكة، ثُمّ نُشر بعضها آنذاك في ملفّ إلكترونيّ صغير (PDF).
وقد شارك في هذا الاهتمام بعض الإخوة المساهمين في الحوارات السنيّة – الشيعيّة ومنهم الأخ العزيز والباحث القدير (محمود جناحي) الذي شاركني الاهتمام في هذه المسألة وتابع البحث والتعقّب لحظةً بلحظةٍ، فاجتمعت لدينا مسودات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع الشيّق والمهم.
ومضت الأعوام وبقي ما دوّنتُه محفوظاً في ملفاتٍ مشتتةٍ وبعضها كان عالقاً بالذهن دون تدوين، إلى أن وصلتُ إلى قم المقدّسة أواخر عام ٢٠١٣م وبقيت تلك المواضيع على حالها إلى سنة ٢٠١٦م حيث عملتُ في تلك السنة على إعادة تحرير هذه الأوراق ونشرها في موقع إلكتروني في ذلك الوقت، وكنتُ أعيد نشرها لبعض أهل العلم والمهتمين بهذه الأبحاث المرتبطة بنقد ودراسة التراث الإسلاميّ، واتّفق حينها أنّي حضرتُ مجلساً عند أحد الإخوة الإيرانيين، والتقيت بالسيّد المحقّق محمد رضا الجلاليّ (حفظه الله)، وكان قد أطلعه أحد الإخوة على جملةٍ من المواضيع المنشورة فأثنى عليها كثيراً، وحثّني على البدء بتدوينها في كتابٍ يجمعها من شتاتها، ويكون متاحاً بشكل أفضل أمام الباحثين، وفي ذلك السياق، قدّم لي أوراقاً ترتبط بهذا الموضوع لأطالعها وأستفيد منها. وتلبيةً لما أشار به السيّد شرعتُ في العمل بمعيّة الأخ العزيز محمود جناحي، فجمعنا ما وقفنا عليه، وزوّدَنا بعضُ الإخوة المؤمنين بموارد عديدة تصلح لرفد البحث بالشواهد العلميّة التي تعزز فكرة البحث، وتَواصَلَ العملُ على إخراج الكتاب منذ تلك السنة، وقد استغرق إنجازه وقتاً طويلاً للاستغراق في تحرير الكتاب وصياغة مطالبه وإعادة تنظيم نسقه وترتيبه، فبعد جَمْعِ مادته، أعدنا ترتيب فصوله مراراً، كما أجرينا تعديلات على جملةٍ من مطالبه ابتغاءً لزيادة الضبط والدقّة في إخراجه، كما تطلّب العملُ على تصوير هذه المطالب وتوثيقها والسعي للحصول على بعض الكتب والمخطوطات مزيداً من الوقت. وبعد الفراغ من تحرير الكتاب وتنظيمه، آثرنا الاستفادة من ملاحظات ذوي الخبرة، فقدّمته للمراجعة بين يديّ بعض الأحبّة، ومنهم السيد محمد رضا الجلالي، والشيخ عبد الله دشتيّ، والشيخ أحمد سلمان، والأخ العزيز محمود زكريّا اللامرديّ، وقد انتفعنا بالملاحظات والإفادات، وانتهى العمل من تحرير الكتاب بشكل كامل سنة ٢٠٢٠م، بعد رحلةٍ مضنيةٍ استمرّت لسنواتٍ طويلةٍ كانت مليئة بالتجارب المفيدة.
يقع الكتاب في مجلّدين اثنين، وهو يُعنى ببيان الشواهد التاريخيّة على وقوع التحريف في كتب الحديث والتاريخ من قِبل المحدِّثين والمؤرِّخين. يتألف الكتاب من مدخلٍ يتحدّث حول أثر العوامل السياسيّة والدوافع العقائديّة المذهبيّة في تحريف الروايات الحديثية والتاريخيّة، ثم يتلو ذلك أربعة أبوابٍ، وهي:
الباب الأوّل: تحريف روايات المثالب والمطاعن.
الباب الثاني: تحريف روايات الفضائل.
الباب الثالث: تحريفات في الجانب الفقهيّ.
الباب الرابع: تحريفات في الكتب المطبوعة.
ويبقى هذا المجال مفتوحاً لكشف المزيد من خبايا التاريخ.. فكم ترك الأوائلُ للأواخر.
إبراهيم جواد
قم المقدّسة (زادها الله شرفاً)
١٥ رجب ١٤٤٢ هجرية.
٢٨-٢-٢٠٢١ ميلادية.