بسم
الله الرحمن الرحيم
إسلام
محوريّة الثقلين
{
الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي }
الحلقة
السابعة
صلاة الأئمة (عليهم
السلام) خلف الظالمين
من النماذج الروائيّة التي
زعم السيِّدُ الحيدري وضعها ما روي في (الجعفريّات): (أخبرنا محمد، حدثني موسى، حدثنا
أبي ، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)، قال: (كان الحسن والحسين عليهما السلام، يصليان خلف مروان بن الحكم، فقالوا لأحدهما: ما كان أبوك يصلي إذا
رجع إلى البيت؟ فأقول: لا والله ما كان يزيد على صلاة الأئمة).
وزعمَ السيِّدُ الحيدري أنَّ هذا الخبر انتقل من كتاب (المصنف) لابن أبي شيبة إلى صحيح البخاري ومن ثمَّ إلى التراث الشيعي، وزعم أيضاً أنَّ الغرضَ من إثبات صلاة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) خلف مروان هو إعطاء الوثاقة والشرعية لمروان (1)
وزعمَ السيِّدُ الحيدري أنَّ هذا الخبر انتقل من كتاب (المصنف) لابن أبي شيبة إلى صحيح البخاري ومن ثمَّ إلى التراث الشيعي، وزعم أيضاً أنَّ الغرضَ من إثبات صلاة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) خلف مروان هو إعطاء الوثاقة والشرعية لمروان (1)
ويُمكن أن يُجاب على مزاعم وضع هذا الخبر وأمثاله بما يلي:
أولاً: إنَّ الأئمة
(عليهم السلام) قد سلَّموا بالبيعة قهراً لطواغيت عصورهم بعد وفاة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وحتى زمن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقضيَّة الصلاة خلف
ولاتِهم تحصيل حاصلٍ بعد أخذ البيعة؛ لأن البيعة أجلى وأوضح من غيرها في مقام
إعطاء الشرعيَّة ظاهراً.
روى الشيخ الصدوق عن
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) (2): (أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلَّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلَّا
القائم ..) وروى الشيخ الطوسي توقيعاً عن الناحية المقدسَّة وفيه (3): (إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية
زمان، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي) ولا يسعُ الباحث أن
يكابرَ وأن يضع تصوراً مبالغاً فيه حول حياة الأئمة (عليهم السلام) اعتماداً على
إثارة المشاعر والعواطف، فإنَّ التاريخ يثبت أنَّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا تحت
أنظار الحكومات الظالمة التي توجب عليهم البيعة ولزوم الخضوع لحكومتهم، وإلا
فمصيرهم هو القتل كما حصل للإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الكرام، وزيد
الشهيد (رضي الله عنه) وابنه يحيى والحسين صاحب فخ وغيرهم من الهاشميين. نعم، كانت
بيعة الأئمة (عليهم السلام) بالقهر والإكراه ولم يتابعوا الجائرين على أفعالهم
ومعاصيهم، بل حاربوا مشاريعهم الاستبداديَّة بأساليب مختلفة.
ويتلخص مما ذكرناه، أنَّ
الأئمة (عليهم السلام) سلَّموا ظاهراً للظالمين بالبيعة تقيَّةً، وبعد هذا فأين
الإشكال في الصلاة خلفهم متابعةً بعد تحصيل البيعة؟! وإذا كان بنو أمية يسعون
لإثبات شرعيتهم من خلال صلاة الحسنين (عليهم السلام) خلف مروان، فإنَّ إثباتها
بالبيعة أسهلُ وأقرب، مع ملاحظة أنَّ العدو لا ينتظر تحصيل شرعيَّته من خصمه.
ثانياً: إنَّ صلاة الأئمة
(عليهم السلام) خلف الحُكّام الظالمين لم تكن اقتداءً بل متابعة كما هو مقرر عند
الفقهاء؛ لأن أولئك الحكام لم تتوفر فيهم شروط إمام الجماعة وأهمُّها (الإيمان
والعدالة) فكانت صلاة أميرالمؤمنين والحسنين (عليهم السلام) خلف الحكام والولاة
الجائرين من هذا القبيل، فليس في الرواية دلالة على تصحيح صلاة مروان بن الحكم أو
تزكيته.
ثالثاً: قد صحح هذه
الرواية بعض أعاظم الفقهاء، ومنهم السيِّدُ الإمام الخميني (قُدِّسَ سرُّه) حيث قال (4) : (بل في كثير من الأخبار الحث على الصلاة معهم والاقتداء
بهم في صلاتهم والاعتداد بها ... وصحيحة علي بن جعفرعن أخيه (عليه السلام) قال: صلى
حسن وحسين خلف مروان ونحن نصلي معهم).
وفي بيانِ سيرة الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم على الصلاة خلف أئمة الجور يقول السيد الإمام (قدس سره) (5): (مع أن الصلاة معهم كانت في العصر الأول إلى زمان الغيبة
مبتلى بها للأئمة عليه السلام وأصحابهم ولم يمكن لهم التخلف عن جماعاتهم ومع ذلك
كانوا يعتدون بها كما أنهم كانوا يحجون معهم طوال أكثر من مئتي سنة وكان أمر الحج في
الوقوفيْن بيدِ الأمراء ولم يرد أنهم (عليهم السلام) أو أصحابهم تخلفوا عنهم في ذلك
أو ذهبوا سراً إلى الموقفين كما يفعله جهال الشيعة).
وبهذا يتبيَّن أن الحقائق التاريخية مشيرةٌ إلى كون الأئمة (عليهم السلام) طيلة أعمارهم تحت ضغط حكومات الظالمين بحيث لم يتسنَّ لهم إقامة الشعائر الدينية كالصلاة والحجّ على صورتها الحقيقيَّة، وهذا ما يفسر الأخبار التي تنبئ عن صلاة الوصيِّ (عليه السلام) خلف الثلاثة والحسنين (عليهما السلام) خلف مروان بن الحكم وأمثاله من ولاة الجور، وبالتالي فرميُ هذه الأخبار بالوضع والكذب ناشئ عن انعدام المعرفة بسيرة الأئمة (عليهم السلام) والظروف التي كانوا يعيشونها في ظل الحكومات الظالمة.
وبهذا يتبيَّن أن الحقائق التاريخية مشيرةٌ إلى كون الأئمة (عليهم السلام) طيلة أعمارهم تحت ضغط حكومات الظالمين بحيث لم يتسنَّ لهم إقامة الشعائر الدينية كالصلاة والحجّ على صورتها الحقيقيَّة، وهذا ما يفسر الأخبار التي تنبئ عن صلاة الوصيِّ (عليه السلام) خلف الثلاثة والحسنين (عليهما السلام) خلف مروان بن الحكم وأمثاله من ولاة الجور، وبالتالي فرميُ هذه الأخبار بالوضع والكذب ناشئ عن انعدام المعرفة بسيرة الأئمة (عليهم السلام) والظروف التي كانوا يعيشونها في ظل الحكومات الظالمة.
هل قالَ العلامة الحليّ
بوضع كتاب سليم بن قيس ؟!
قال السيد الحيدري ضمن
كلامه عن كتاب سليم (6): (قال العلامة الحلي:
الكتاب موضوع لا مرية فيه، وعلى ذلك علامات تدل على ما
ذكرنا: منها ما ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت، ومنها أن الأئمة
ثلاثة عشر، وغير ذلك.
فالعلامة الحلي لم يقدح
بعدالة ووثاقة سليم بن قيس الهلالي، وإنّما طعن في صحة هذا الكتاب ومدى نسبته
إليه).
وبمراجعة ما كتبه العلامة
الحلي (قدس سره) في شأن كتاب سليم نجد أنَّ هذه العبارة ليست من كلامه، وإنَّما هي
من كلام ابن الغضائري (7)، وقد نقلها العلامة ثم عقَّب تعقيباً يسيراً يظهرُ منه أنَّه لا يوافق ابن
الغضائري على قوله، فقد قال (8): (والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه، والتوقف في الفاسد من كتابه) ما
يعني أنَّ الكتابَ معتبرٌ عنده خلا مواطن الخلل المشار إليها في كلام ابن
الغضائري، مع ميله إلى التوقف في أي رواية فاسدة كما هو الحال في أي كتابٍ روائي،
فأين هذا من دعوى السيّد الحيدري في طعن العلامة بنسبة الكتاب إلى سُليم؟!
والعجيب أنَّ السيد نقل كلام العلامة الذي ذكرناه فيما بعد (9)، وكأنَّه لم يلتفت إلى هذا التناقض العجيب بين دعواه ومفاد هذه العبارة، فإن القول بوضع الكتاب يلزم منه رفع اليد عنه مطلقاً، وأما القول بتصحيح مواطن الخلل وترك ما يظهر فساده يعني أن الكتاب معتبرٌ في الجملة وبحاجة إلى تنقيته من بعض الشوائب، وأين هذا من ذاك ؟! فينبغي على رعاة مشروع (تصحيح التراث وتنقيحه) أن يلتفتوا إلى هذه الأخطاء العلميَّة، والله الموفق.
والعجيب أنَّ السيد نقل كلام العلامة الذي ذكرناه فيما بعد (9)، وكأنَّه لم يلتفت إلى هذا التناقض العجيب بين دعواه ومفاد هذه العبارة، فإن القول بوضع الكتاب يلزم منه رفع اليد عنه مطلقاً، وأما القول بتصحيح مواطن الخلل وترك ما يظهر فساده يعني أن الكتاب معتبرٌ في الجملة وبحاجة إلى تنقيته من بعض الشوائب، وأين هذا من ذاك ؟! فينبغي على رعاة مشروع (تصحيح التراث وتنقيحه) أن يلتفتوا إلى هذه الأخطاء العلميَّة، والله الموفق.
إبراهيم جواد
قُم المقدَّسة (عُشُّ آلِ مُحَمَّدٍ
عليهم السلام)
الأحد، 15 ربيع الأول 1437
هـ / 27 ديسمبر 2015.
----------------
(1) الموروث الروائي بين
النشأة والتأثير، ص 233.
(2) كمال الدين وتمام
النعمة، ص 349، تحقيق: علي أكبرغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الخامسة، 1429 هـ .
(3) الغيبة، ص 185، تصحيح:
علي أكبرغفاري، الناشر: منشورات الفجر- بيروت، ط1.
(4) الخلل في الصلاة، ص8،
الناشر: مطبعة مهر - قم المقدسة.
(5) المصدر السابق، ص 9.
(6) الموروث الروائي بين
النشأة والتأثير، ص 277.
(7) الرجال، ص 63، تحقيق:
السيد محمد رضا الجلالي، الناشر: مؤسسة دار الحديث – قم المقدسة، الطبعة الأولى، 1422هـ.
(8) خلاصة الأقوال في
معرفة الرجال، ص 163، تحقيق: جواد القيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة- قم المقدسة،
الطبعة الرابعة، 1431 هـ .
(9) الموروث الروائي بين النشأة
والتأثير، ص 281.